العدد 1459 - الأحد 03 سبتمبر 2006م الموافق 09 شعبان 1427هـ

نزع «سلاح» التخصيب مطلب إسرائيلي بامتياز!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

مع «مخاض» الشرق الأوسط الجديد الذي تحدثت عنه كوندوليزا رايس يتجه الملف النووي الإيراني بدوره نحو «مخاض» جديد!

ولكن لما كان ثمة رؤيتان مختلفتان لهذا «الشرق الأوسط الجديد» من وجهتي نظر كل من واشنطن وطهران، فإن من الطبيعي أن يحاول كل منهما إدارة عملية «المخاض» هذه باتجاه «الولادة» التي تناسبه وترضيه!

لقد فشلت واشنطن على مدى نحو ثلاث سنوات مضت أن توقف نشاط طهران النووي ما أدى إلى نجاح العاصمة الإيرانية ليس فقط في فك الحصار النووي من حولها بل في وضع اليد على علوم «الإدارة النووية الكاملة» ما دعاها إلى إعلان نفسها عضواً في النادي النووي العالمي!

ليس مهماً كثيراً مدى دقة ما ذهبت إليه طهران في إعلانها المدوي عن دخولها ذلك النادي المحرّم على دول «مارقة» وخصوصاً ما إذا كانت مسجلة في «محور الشر» كما هي الصفة التي يطلقها عليها الراعي الأول لذلك النادي، بقدر ما هو مهم التحدي المعلن من جانب طهران بأنها قد تجاوزت خطر تعرض مشروعها النووي إلى التفكيك أو الزوال أو حتى نزع «سلاحها» الأهم في هذا التحدي!

إنه طبعاً «سلاح» التخصيب أو القدرة على التخصيب بامكانات محلية وخبرات وطنية في ظل عزم قومي راسخ واجماع والتفاف شعبيين قل نظيرهما في تاريخ إيران الحديث بشأن قضية من هذا النوع!

لقد كان وقع هذا التحدي لدى واشنطن مدوياً كما يعتقد البعض إلى الدرجة التي دفع بها إلى مغامرة بل «مقامرة» الذهاب إلى «حرب مفتوحة» مع حليف طهران الاستراتيجي والأهم أي حزب الله اللبناني في محاولة منها لوقف «مديات» وتداعيات ذلك التحدي قبل فوات الأوان.

وبالمناسبة فإن كل الذين كانوا يأخذون على حزب الله قراره «الخاطئ» في أسر جنديين إسرائيليين في هذه اللحظة التاريخية وتقديمه «الذريعة» المناسبة! للعدوان على لبنان اما انهم كانوا على علم بأمر ما خطير كان يحضر لهذا البلد واخفوه عن أهله لغاية في نفس يعقوب! أو انهم فوجئوا بمثل هذا القرار الخطير والجلل من جانب حليفهم الاستراتيجي من وراء البحار، وارادوا من خلال تلك «التهمة» الموجهة إلى حزب الله أن يخفوا حقيقة الخطة الأميركية إلى أن جاء سيمور هيرش ليفضح كل شيء ويضع النقاط على الحروف!

المهم أنه وبعد فشل عملية «المخاض» في لبنان من أن تنتج «شرق أوسط جديد» بـ «تخصيب» أميركي، فإن المهمة قد تحولت برأي البعض أكثر شرقاً باتجاه طهران لمنع نجاح «التخصيب» الإيراني من أن ينتج أو يساهم في ولادة «شرق أوسط جديد» على غير «الهيئة» الأميركية المرجوة والمبتغاة.

وكما هي الحال مع معركة لبنان الأساسية التي كانت ولاتزال تتمحور حول «نزع سلاح» حزب الله فإن معركة إيران الأساسية المطروحة على طاولة المباحثات الدولية هي كيفية «نزع سلاح» إيران أي حرمانها من التخصيب!

يكذبون تماماً وهم يعرفون أكثر من غيرهم أولئك القلة ممن يتحكمون في ما بات يسمى بـ «المجتمع الدولي» عندما يتهمون إيران بامتلاكها خطة أو مشروعاً للتسلح النووي!

لكنهم يصدقون ويصدقون تماماً عندما يعتقدون بأن امتلاك إيران ناصية العلوم الحديثة والمتطورة من خلال علم «التخصيب» والدورة النووية الكاملة هو أمر أخطر بكثير من السلاح النووي!

وكولن باول - وزير خارجية أميركا السابق - الذي تلاعبت فيه وعليه المخابرات الأميركية بشأن العراق كان صادقاً عندما قال: «إن إيران ليست البرازيل ولا جنوب إفريقيا حتى نسمح لها بالتخصيب حتى وان للأغراض السلمية...؟».

نعم، فإيران كما تقرأها واشنطن جيداً ليست في الفلك الأميركي ولديها رؤية مغايرة تماماً لرؤية أميركا بشأن الشرق الأوسط الجديد وعن الحل المؤمل للمسألة الفلسطينية وعن لبنان والعراق الجديد.

لذلك فإن جل ما يطلبه السعاة من أجل «حل» أو «تسوية ما» لقضية الملف النووي الإيراني بما فيها جوهر رزمة ما بات يعرف بـ «المحفزات» الغربية سواء تلك التي وصلت آخر أيام عهد خاتمي أو الرزمة الحديثة موضع النقاش الآن هو أن تقدم إيران على خطوة «وقف التخصيب» في إشارة «حسن نية». من جانبها، على طريق «تجسير الثقة» مع «المجتمع الدولي» على أمل أن تنخرط من خلال المفاوضات في مشروع مكافحة الإرهاب العالمي والاعتراف بواقع دولة «إسرائيل»!

ولأن إيران تعرف ذلك بدقة، ولأن الحكمة الإيرانية القديمة تقول: «إنه لا يجوز للعاقل أن يحدد سعر بضاعته وسط النزاع والتهديد والوعيد» مع بعض التصرف فإن المفاوض الإيراني يرد على أي اقتراح يأتي إليه في ظل ظروف المجتمع الدولي الحالية كالآتي:

أولاً: لا أحد عاقلاً يفاوض على استقلالية قراره ولا أمنه القومي، إنما يفاوض تحت سقفهما.

ثانياً: لا أحد عاقلاً يقبل بشروط مسبقة للدخول إلى المفاوضات والجلوس على طاولة الحوار.

ثالثاً: لا أحد يتخلى عن سلاحه «وهنا المقصود، هو التخصيب» وهو يدخل ميدان منازلة مع خصم ثبت أنه يماطل ويسوّق وقد يضمر بعض أطرافه الشر له ومحفزاته المعلنة اشبه بمعادلة المجهول!

هذه هي خلاصة قصة المفاوض الإيراني مع خصمه الأميركي الذي يستخدم كل الطرق غير المشروعة لمصادرة مؤسسات المجتمع الدولي وآخرها مجلس الأمن الدولي في محاولة لصنع سيناريو السيطرة على القرار الإيراني كمقدمة لـ «تفكيك» قوة إيران وقدراتها العلمية.

لذلك كله فإن المفاوض الإيراني يقول بضرورة التخلي نهائياً عن فكرة فرض الشروط المسبقة والجلوس على طاولة المفاوضات بشكل مباشر وصريح ومفتوح على كل الخيارات بطريقة الند للند!

وإذا كان ثمة من «اجماع دولي» كما يقولون بشأن إيران وعلى إيران الاستجابة له فإنها تقول: «إنها جزء لا يتجزأ من هذا الاجماع عندما يتعلق الأمر بالتسلح النووي فهي قاطعة وحازمة أمرها في عدم وجود أية رغبة أو إرادة لها بالتسلح وفيما عدا ذلك فانها تعرف تماماً كما يعرف خصمها أنه ليس هناك أي اجماع بشأن سبل الوصول إلى حل مرض للجميع بخصوص ملفها النووي شرط أن تذعن واشنطن إلى أن فرض الحلول بالقوة اسلوب عقيم ثبت عقمه في ملفات عدة آخرها لبنان».

وبالتالي فإن لسان حال طهران اليوم وهي تواجه واشنطن يقول: «(تخصيبكم) عقيم فيما تخصيبي سيصيب! وإن كنتم في شك من أمركم فانظروا إلى لبنان وترقبوا القادم من طهران!»

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1459 - الأحد 03 سبتمبر 2006م الموافق 09 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً