العدد 1458 - السبت 02 سبتمبر 2006م الموافق 08 شعبان 1427هـ

التعليم... اللبنة الأساسية لتنمية الاقتصاد المعرفي

خالد محمد الرميحي comments [at] alwasatnews.com

القائم بأعمال عميد كلية العلوم التطبيقية/ جامعة البحرين

لعل أهم ما يميز الإنسان عن بقية المخلوقات الأخرى قدرته على تطوير وإنتاج المعرفة التي لازمته منذ خلقه مروراً بكل ما اصطلح عليه من عصور حجرية وزراعية وصناعية، ولغاية عصرنا هذا الذي يطيب للبعض تسميته بعصر المعلوماتية، في حين يرى البعض الآخر أنه فترة مرحلية للانتقال بالبشرية نحو عصر المعرفة. وهناك شواهد ومؤشرات كثيرة على وجود تحولات كبيرة مجتمعية واقتصادية على مستوى معظم دول العالم، تعطي المعرفة الدور الأساسي والرئيسي في حركة المجتمعات في هذه الدول، وتطورها في مختلف الاتجاهات وعلى جميع الأصعدة» اقتصادياً بالدرجة الأساسية وتقنياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً. والذين يجيدون قراءة الأرقام يجدون ذلك واضحاً جلياً في أكثر من جانب. فالناظر إلى ما كانت تشكله المادة الخام من قيمة كلفة المنتج الصناعي قبل بضعة عقود من الزمان وما كان لذلك من أثر في تأجيج الصراعات والغزوات، وما تمثله هذه المادة الخام اليوم من قيمة المنتج مقارنة بالجانب المعرفي تطويراً وتحسيناً وإعلاناً وتسويقاً. لذلك نرى الكثير من الدول قد أعادت النظر في خططهاالإستراتيجية وحتى مواقفها السياسية، فعلى سبيل المثال، تبين الدراسات العلمية أنه قبل خمسين عاما كانت المادة الخام تمثل ما يقارب 08 في المئة من كلفة السيارات، بينما تمثل المعلومات والخدمات والتصميم والتسويق والإدارة ما لا يتجاوز 02 في المئة فقط، في حين أن الكلفة لهذا النوع من المنتجات الصناعية أصبحت 08 في المئة من القيمة تتمثل في الخدمات والمعلومات في حين تراجعت نسبة المادة الخام في الكلفة الكلية على أهميتها إلى 02 في المئة. ولكن إذا ما نظرنا إلى نظم التشغيل في أجهزة الحاسوب فإن 59 في المئة من قيمة المنتج تتمثل في المعرفة التي أنتجت هذه الأنظمة، بينما تمثل المادة الخام 5 في المئة فقط من قيمة المنتج. أي أن دور المادة الخام على أهميتها تراجع وأصبحت القيمة المضافة تتمثل بشكل شبه كلي في المعرفة والإبداع. أما الناجحون في عالم المال والأعمال فهي مثال آخر على التحول الذي شهده الاقتصاد العالمي في العقود الماضية. فمتصدر هذه القائمة كما هو معلوم هو بيل جيتس صاحب شركة مايكروسوفت، أكبر شركة معرفية في العالم، ويليه أصحاب شركات النفط والطاقة وغيرها من الصناعات الثقيلة، ويمثّل الاقتصاد المعرفي اتجاهاً حديثاً في الرؤية الاقتصادية، ينظر إلى المعرفة بوصفها محرك العملية الإنتاجية، والسلعة الرئيسية فيها، القادرة على خلق ثروة تعتمد بشكل أساسي على رأس المال الفكري، الذي يمكن من توظيف المعلومة، وكيفية تحويلها إلى معرفة، ثم كيفية توظيف المعرفة للاستفادة منها بما يخدم العملية الإنتاجية. من هنا نجد أن الاقتصاد المعرفي يتطلب مجتمعاً مؤهلاً معرفياً، وقادراً على إنتاج المعرفة واستثمارها بالشكل الذي يتناسب مع مشروعات التطوير والتنمية. ولا يوجد أدنى شك بأنه ليس هناك من سبيل آخر لبناء المجتمع المؤهل معرفيا غير التعليم والتدريب. فهما اللبنة الأساسية لتنمية الاقتصاد المعرفي وهو الاستثمار الذي لا يمكن أن يخسر مهما تطور العالم وفي أي اتجاه كان. هذا الاستثمار هو الذي حدا بدول مثل اليابان وألمانيا والولايات المتحدة وكندا إلى أن يكون الإنفاق في حقلي التعليم والتدريب كبيراً جداً، بما يؤمن اقتصادا معرفيا متنامياً. وهو الذي حدا بدول في شرق آسيا (كوريا وهونغ كونغ وسنغافورة وماليزيا) وفي أميركا اللاتينية (المكسيك والأرجنتين) إلى تحسين اقتصادها على رغم كل المعوقات المالية والتقنية التي كانت تواجهها، من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب وتنمية الاقتصاد المعرفي والعمل على الاستفادة من المعرفة المتاحة وتطوير وإنتاج المعرفة. يقول البروفيسور مالكولم ماكفيرسون، الأستاذ بجامعة هارفرد ومستشار الإدارة الأميركية في شئون التنمية الاقتصادية «أن جودة التعليم كانت منذ قديم الأزمان تساهم في دفع عجلة التنمية لأي اقتصاد في أي مجتمع، لكن الذي نلاحظه الآن أن التنمية الاقتصادية تساهم أيضاً في الارتقاء بالتعليم عموماً، والتعليم العالي خصوصاً». على ورغم أن عددا من الدول العربية رفعت شعارات ووضعت خططاً للارتقاء باقتصادها المعرفي إلا أنها لاتزال تراوح حول نقطة البداية. فلاتزال كل المؤشرات تدل على أن اتساع الفجوة المعرفية بسبب تدني المنتج المعرفي، إذا لم نقل انعدامه، في بعض الدول. ويمكن ببساطة قراءة بعض المؤشرات من خلال عدد المؤلفات وبراءات الاختراع وبرامج الحاسوب المسجلة بأسماء العلماء العرب أو حتى بأسماء المؤسسات أو الدول العربية، والجهود الفاعلة لتوطين المعرفة مثل الترجمة بالنسبة لعدد السكان. لكن على المستوى التنظير، فلاتزال أغلب الدول العربية تعيش في ترف ثقافي يستعاض فيه عن المحتوى بالغموض والتجريد، وعن العمق في الطرح بالسطحية والمجاملات، وقد وصل بنا الحال إلى مستوى عدم قدرة الباحثين ولا العلماء المتخصصين تحليل الوضع العام في هذه الدول بسبب عدم وجود آليات محددة ولا منطق مفهوم لكيفية إدارة مجتمعاتها ولا قضاياها المصيرية. إن الحل الوحيد المتاح أمام دولنا العربية لضمان البقاء في ظل اقتصاد معرفي يعتمد على التنافسية الحرة يكمن في كلمتين سحريتين: الاستثمار في التعليم

العدد 1458 - السبت 02 سبتمبر 2006م الموافق 08 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً