مع دخول البحرين مرحلة يمكن أن نعنونها بمرحلة «القوننة الرجعية» والتي استطاعت من خلالها السلطة، وبامتياز أن ترجع القوانين التسلطية ولكن بطريقة أكثر أريحية، بل وأعطتها صفتها الدستورية عبر تمريرها من خلال مجلس النواب... بدأت مؤسسات المجتمع المدني في الداخل، والمنظمات العالمية في الخارج الحديث عن خطورة الموقف الذي ينتظر الشارع البحريني.
دعونا نتحدث قليلا عما قيل ويقال في أروقة المنظمات العالمية والمحلية قبل أن نعرج على الوضع الحقيقي؛ لدينا منظمة العفو الدولية ولجنة الحقوقيين الدولية التي أشارت في البدء إلى خطورة قانون مكافحة الإرهاب وما يحويه من مواد مكبلة للحقوق بل وتبشر بمستقبل مظلم، ويأتي تقرير هاتين المؤسستين بعد أيام قلائل من مطالبة مقرر الأمم المتحدة الخاص بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية مارتن شينين (ومقره جنيف) السلطات البحرينية بتعديل قانون مكافحة الإرهاب بحيث يتوافق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وقال شينين في رسالة بعثها إلى المسئولين في المملكة انه: «يعرب عن قلق» في الأوساط الحقوقية التابعة للأمم المتحدة لأن القانون سينال من حقوق الإنسان والحريات العامة في البحرين.
وإذا كان هذا التقرير اقتصر على قانون واحد من القوانين التي باتت محط جدل في الأوساط البحرينية، فإن تقرير «فريدوم هاوس» الأخير والذي أدرج البحرين في مصاف الدول «غير مكتملة الديمقراطية»، ودعا إلى إبطال العمل بقانون الصحافة 2002، بل وتطرق إلى وضع المرأة وغيرها من الملاحظات اللاذعة إلى بعض الممارسات.
ولعل هذا دليل واضح على أن البحرين، وبحكم ما يجري من تحولات وتطورات، أصبحت من الدول التي تسلط عليها الأضواء في المنظمات العالمية التي تعنى بحقوق الإنسان، وهي دعوة إلى السلطة لكي ترتب أوراقها من جديد وتعيد التفكير في بعض القوانين التي مررت وهي محل امتعاض من قبل كثيرين سواء في السلك السياسي أو الحقوقي.
السؤال الذي ربما يكون الأهم في هذه المرحلة هو: ما الهدف من إرجاع الحقوق في البحرين خطوات إلى الخلف بعد أن حققت المملكة إنجازات كبيرة في هذا المجال وبشهادة المنظمات العالمية التي تنتقد الوضع الحقوقي اليوم؟ ألا يشكك ذلك في سعي البحرين إلى البروز على المستوى الديمقراطي والحقوقي؟
نحن لا نريد أن يعود قانون أمن الدولة وغيره من القوانين التعسفية التي ستوسع - بلا شك - هوة الثقة بين الشعب والسلطة مرة أخرى، خصوصا بعد أن نجحت في كسب ثقة الشعب، فأساس الديمقراطية هي إيجاد توازن بين الحاكم والمحكوم، وإذا كانت السلطة تعتقد بأن انتهاج بعض الممارسات الديمقراطية على الورق، أو التوقيع على المعاهدات والقوانين الدولية هو أفضل السبل لتحسين صورتها على المستوى الدولي فإنها ترتكب خطأ تاريخيا كبيرا، والشعب كما نعرف ويعرف الجميع هو مصدر للسلطات، ومن الخطأ تغييب هذا المصدر في دهاليز التهميش وإبعاده عن اتخاذ القرارات المصيرية، خصوصا القوانين التي سيكون الشعب أول من سيكتوي بها في حال كونها قوانين قسرية، وسيكون أول من سيستفيد منها في حال كونها قوانين عادلة
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1458 - السبت 02 سبتمبر 2006م الموافق 08 شعبان 1427هـ