العدد 1457 - الجمعة 01 سبتمبر 2006م الموافق 07 شعبان 1427هـ

من ينفخ الحياة في جسد اتفاق التجارة العالمية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مازالت ذيول الانهيار القاسي السريع غير المتوقع في الاتفاق على قواعد جديدة للتجارة العالمية الذي اختتمت به اجتماعات منظمة التجارة العالمية أعمالها في نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي تتفاعل. فقد وجدت كبرى جماعات الضغط التجارية الأوروبية والأميركية أنها قد تجد نفسها أمام جدار مسدود يجهض برامجها التي رسمت خططها خلال السنوات الـ 10 الماضية من أجل فتح مزيد من الأسواق الجديدة امام منتجاتها وخدماتها التي تقدمها، وخصوصاً أسواق بعض بلدان الدول النامية ذات السيولة المالية العالية والمتنامية مثل أسواق الشرق الأوسط. لذلك وجدناها اليوم تسعى إلى ضم قواها من أجل محاولة إحياء محادثات منظمة التجارة العالمية، وهي المحادثات التي يمكن أن يعني انهيارها الكامل خسارة مكاسب الأسواق الكبرى في الدول النامية.

وتعود الأزمة في جذورها إلى تاريخ تعليق المحادثات التي عُرفت باسم أجندة الدوحة للتنمية، وذلك بعد أن فشلت الدول الأغنى في العالم في الاتفاق على صوغ لخفض الدعم الزراعي المثير للجدل، الذي تقدمه لمزارعيها، وفتح أسواقها.

وأحبطت الشركات الأميركية والأوروبية بشكل واضح، وهي الشركات التي استثمرت الكثير من الوقت والجهد في حث مسئولي حكوماتهم على عقد اتفاق يمكن أن يؤدي إلى توسيع الأسواق العالمية أمام منتجاتها. لكن هذه المنظمات تتجمع كي تحاول إحياء هذه الصفقة الشاملة، والتي تغطي سلعا تبدأ من المنتجات الزراعية وحتى المنسوجات والإلكترونيات، إضافة إلى خدمات مثل العمارة واتصالات البريد الصوتي والنقل الفضائي.

وعلى رغم محاولات إخفاء ذلك الإحباط، فإن الشركات الكبرى تلك وجدت نفسها مضطرة إلى الإفصاح عن موقفها الذي ضمنته في بيان مشترك صدر عن سبعة من كبرى المنظمات التجارية في العالم جاء فيه أن «تعليق المحادثات يمكن أن يؤدي إلى فشل جولة الدوحة، وهو ما يمكن أن يقوض الوعد بالنمو الاقتصادي المتأصل في أجندة الدوحة للتنمية، وينتج عنه خسارة أعضاء منظمة التجارة الفرص في الحصول على المكاسب الهائلة الناتجة عن تحرير التجارة».

وأضاف البيان: «إننا نأمل بشدة، من أجل تجنب هذا الوضع، أن يتم استئناف المفاوضات بأسرع ما يمكن».

ومن بين هذه المنظمات منظمة المائدة المستديرة التجارية، والغرفة الأميركية للتجارة والاتحاد القومي للمصنّعين، وجميعهم من جماعات الضغط التجارية القوية في الولايات المتحدة. ووقع على البيان أيضا اتحاد الشركات الأوروبية، والذي يمثل أكثر من 20 مليون شركة في الاتحاد الأوروبي.

وانضم إلى التوقيع على البيان أيضاً المجلس التجاري الأسترالي والمائدة المستديرة لشركات الخدمات الأسترالية، ونيبون كيدانرين وهي واحدة من كبرى جماعات الضغط التجارية في اليابان، إضافة إلى الاتحاد الوطني البرازيلي للصناعة واتحاد صناعات ساو باولو، وهما المنظمتان الوحيدتان من دولة نامية.

وفي وقت سابق طالبت الغرفة الدولية للتجارة في باريس باستئناف سريع لمحادثات الدوحة، محذرة من أن الانهيار يفتح الباب أمام موجة من الاتفاقات التجارية الثنائية، والمزيد من النزاعات التجارية وإحياء سياسة الحمائية (الخاصة بسياسة الحماية الجمركية)، وإمكان إضعاف فاعلية وسلطة منظمة التجارة العالمية في جنيف.

من جانبه، قال رئيس الغرفة الدولية للتجارة ماركوس وولنبرج، والذي شغل أيضاً منصب رئيس مجلس إدارة شركة ساب وبنك إس إي بي السويدي العملاق: «تاريخياً كان النظام التجاري متعدد الأطراف هو الذي أحدث النمو الاقتصادي العالمي، وسنواصل الكفاح من أجل هذا النظام».

وأكثر ما تتخوف منه هذه المنظمات التجارية هو حدوث موجة جديدة من الإجراءات الحمائية التي يمكن أن تقلل من نفوذها وإمكان دخولها إلى الأسواق، وهو ما يؤدي بالتالي إلى خفض مكاسبها.

وقالت المنظمة: «إن الغرفة الدولية للتجارة تعتقد بشكل ثابت أنه لا يوجد بديل لوجود نظام تجاري قوي وغير تمييزي، بحيث يكون متعدد الأطراف ومبنيا على قواعد».

من جانبه، قال رئيس ائتلاف صناعات الخدمات في الولايات المتحدة نورمان سورينسون، إن: «تحرير التجارة أمر ضروري للولايات المتحدة، والاقتصادات العالمية» فإن جولة الدوحة يجب تنهض من جديد، وإلا فإن «ثمة خطراً في خسارة مجال الحصول على فرص تجارية جديدة في عدد كبير من قطاعات الخدمات».

وحيث إن الخدمات تمثل نحو 40 في المئة من التوظيف على مستوى العالم و80 في المئة من الوظائف والاقتصاد في الولايات المتحدة وحدها، فليس عجيباً أن تكون منظمة سورينسون حريصة على إعادة بدء المحادثات. ويقدر ائتلاف صناعات الخدمات أن تحرير التجارة العالمية في مجال الخدمات فيه إمكانية أرباح تُقدر بـ 1,7 تريليون دولار.

أما اللجنة الاستشارية للتجارة والصناعة، وهي لجنة استشارية تعمل مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد حثت الدول المشاركة على «تجنب أية إجراءات حمائية جديدة خلال فترة تعليق المحادثات». إذ قالت اللجنة: «إن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تحث الحكومات على أن تُبقي على العروض الحالية قيد المناقشة من أجل السعي إلى مبادرات سياسية جديدة لبدء هذه المفاوضات بأسرع وقت ممكن».

وحثت معظم هذه المنظمات على ما أطلقت عليه «الأساليب الجديدة» لاستئناف مفاوضات جولة الدوحة بأسرع وقت ممكن وعلى أساس التقدم الذي تم إحرازه فعلاً.

ويبدو أن الولايات المتحدة كانت هي الأكثر استجابة لمطالب المنظمات إذ تقوم الممثلة التجارية الأميركية سوزان شواب، بأولى رحلاتها في البرازيل، وهي الرحلة التي يقول مكتبها إنها تهدف إلى الإبقاء على دعم الأهداف العالمية الخاصة بالتجارة والتنمية في أجندة منظمة التجارة العالمية. وتأمل واشنطن أن تكسب تنازلات من البرازيل، وهي لاعب رئيسي في حشد المعارضة للقواعد الحالية لمنظمة التجارة العالمية التي يقول كثير من المنتقدين إنها تحابي الدول الصناعية.

إذ قالت شواب: «إن روح الدوحة مازالت تعيش حتى إذا كان التوصل إلى اتفاق رسمي يراوغنا في الوقت الجاري».

وتسعى شواب إلى الالتقاء، في وقت لم يحدد حتى الآن، بوزراء التجارة من رابطة دول جنوب شرق آسيا. ومن المتوقع أن تقوم في غضون هذا الشهر سبتمبر/ أيلول مع وزير الزراعة الأميركي مايك جوهانس بزيارة مجموعة كيرنز للدول المصدرة للسلع الزراعية في أستراليا.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل ستكون شواب في صحبة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في اجتماع لوزراء التجارة وغيرهم من زعماء منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي.

وشارك الرئيس بوش أيضاً بدعمه للعملية الفاشلة إذ صرح في إحدى لقاءاته مع الاتحاد القومي للمصنعين بأنه مازال مؤمناً بقوة بالتجارة الحرة. وقال بوش: «إننا سنواصل العمل على هذا الاتفاق، كما سيواصل وزير الزراعة الأميركي مايك جوهانس أيضاً الوصول إلى الدول الأخرى من أجل تحقيق أهدافنا».

من جانبه، ظهر رئيس منظمة التجارة العالمية باسكال لامي وكأنه يقرأ من صفحات المنظمات التجارية، إذ قال لامي: «يجب علينا الآن أن نضمن ألا يتفكك هذا التقدم»، متعهداً بأن يفعل ما في وسعه «للسماح باستئناف المفاوضات».

يبدو أن هناك موجة من التشاؤم تسود الأوساط التي كانت متفائلة بمستقبل اتفاقية التجارة العالمية، ويرى البعض أن خطأ تلك الأوساط القاتل ربما يكون خطأ حساباتها للتكتل الذي ستشكله الدول النامية في مواجهة بعض القوانين والإجراءات التي تضمنها ذلك الاتفاق. ما تجمع عليه الأطراف كافة أن الوضع الذي عليه ذلك الاتفاق أصبح ما يشبه الجثة الهامدة التي بحاجة إلى من ينفخ فيها الروح

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1457 - الجمعة 01 سبتمبر 2006م الموافق 07 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً