انتهت الحرب على لبنان، ولكن ذلك قول فقط. كانت حرباً غير ضرورية تركت وراءها الموت والدمار والقضايا غير المحلولة من جميع الجهات.
بالاستماع إلى الطرح المضخّم من جميع الأطراف، لا يعرف المرء ما إذا كان يجب عليه أن يضحك أو يبكي من ادعاءات رئيس الوزراء إيهود أولمرت المنافية للعقل عن إنجازات «غير مسبوقة» إلى إعلان معلق عربي مرعب بأن «اليوم هو يوم الاحتفال والفرح غير المسبوق». الأمر برمته غير محتشم.
أولمرت ووزير خارجيته عمير بيريتز على ما يبدو سيواجهان يوم الحساب. كم هو متقلب ذلك المزاج العام. هذان الزعيمان غير المتمرسين شاهدا نتائج الاستطلاعات ترفع من تقييمها، بينما واصلا ضرب وخنق قطاع غزة الأسير. ولكن بعد خمسة وثلاثين يوماً في لبنان عادا ليسقطا إلى الأرض.
مع تحدي اليمين المتطرف واليسار المتطرف لأداء الحكومة في لبنان، إذ إن الحوار الذي كان يجب أن يجري قبل الحرب لن يجري الآن. الطرفان متفقان على أن هذا النزاع نتجت عنه هزيمة «إسرائيل». وهذا أمر واقع. إذا كان هدف الهجمة تفكيك حزب الله والتغيير في لبنان على أيدي «إسرائيل» فإن ذلك لم يحدث. ما أنتجته هذه الحرب في معظم لبنان هو الحقد الشديد على «إسرائيل» (ويمكن القول كذلك على الولايات المتحدة) وتحدٍ أقوى أمام الحكومة اللبنانية من جانب حزب الله. في «إسرائيل» نفسها هنالك فقط عدم شعور بالأمن تم تعزيزه، ناتج عن الوعي بأن شيئاً لم يتغير نحو الأفضل. القضية الفلسطينية لم تحل بعد وحزب الله مازال موجوداً.
هناك مطالبات في «إسرائيل» بلجنة تحقيق لتقييم ما حصل. بغض النظر عن نتيجة جهد كهذا فإن هنالك أمراً واضحاً وحيداً: الترتيبات العظمى لحزب كاديما وصلت إلى نهاية مرّة.
يمكن القول إن زعيم حزب الله حسن نصرالله وحركته صمدا وحدهما في ساحة المعركة، ولكن الكلفة كانت كبيرة.
هناك من يرفض في الدول العربية أن يعتبر وصف عملية حزب الله بـ «المغامرة المتهورة» يرفض النداء بإنهاء وضع «الدولة داخل الدولة» الذي تمارسه الحركة. إلا أن أي تقييم رزين لاحتياجات لبنان ومستقبله يجب بالضرورة أن يصل إلى نتيجة أن وقت التغيير قد حان.
ليس للبنان أي سبب للاحتفال، ليس بينما مازال قتلاه تحت الأنقاض وبنيته الأساسية مدمرة. يجب على لبنان إعادة البناء سياسياً وفعلياً، وعليه أيضاً أن يواجه يوم حسابه. البلد بحاجة إلى حوار داخلي وحكومة مركزية متحدة متمكنة، الآن أكثر من أي وقت مضى.
قد يكون الطرح الأكثر شناعة وفضيحة هو ذلك الذي أتى من الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الذي سمى هذه الحرب بأسلوب لا يمكن تفسيره «لحظة محورية في التاريخ». الرئيس الذي طالما كان اللاعب السياسي الذي يحول الحقائق بتحدٍ أصبح يتصرف مثل رجل يعتقد أن كلماته تخلق الواقع، إلا أن المأساة هي أنه قد يكون على حق هذه المرة، ولكن ليس بالطريقة التي كان يقصدها. قد تكون هذه الحرب واجهة الكعكة بالنسبة إلى الفوضى التي خلقها في معظم أنحاء الشرق الأوسط. فتحت أنقاض الضاحية الجنوبية في بيروت وإلى جانب جثث اللبنانيين الأبرياء من المدنيين، دفنت رؤى بوش لشرق أوسط جديد ومشروع دبلوماسيته العامة لما بعد التاسع من سبتمبر/ أيلول لتحسين صورة الولايات المتحدة في أنحاء العالم المسلم كافة. من الواضح أن الولايات المتحدة كذلك بحاجة إلى يوم حسابها.
منذ بداية الأعمال العدائية كان من الواضح أن «هذه الحرب لن ينتج عنها أمر جيد»، وهذا ما حصل. كذلك ومع تحليلات على جميع الجوانب هناك حاجة إلى ضبط النفس والرؤية الواضحة إلى الأمام. المأسوي أن ذلك لم يكن جيداً. الموت والغضب والشعور بعدم الأمان الناتجة عن ذلك كله يمكن رؤيتها في كل مكان. لم تكن تلك «لحظة محورية». لم تكن هناك «إنجازات لم يسبق لها مثيل». وليست هنالك من أسباب للاحتفال.
جيمس زغبي
مؤسس ورئيس المعهد العربي الأميركي، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1457 - الجمعة 01 سبتمبر 2006م الموافق 07 شعبان 1427هـ