العدد 1457 - الجمعة 01 سبتمبر 2006م الموافق 07 شعبان 1427هـ

لا جديد حتى الآن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الغموض لايزال هو الإطار المسيطر على اتجاهات المواقف في المنطقة العربية ­ الإسلامية. فكل السياسات تتحكم بها تعارضات تشير إلى جهات متعاكسة. في عاصمة السويد عقدت 49 دولة مؤتمراً لدعم الإعمار في لبنان ونجحت في تجميع مبلغ 940 مليون دولار ولكنها فشلت في إقناع حكومة إيهود أولمرت في رفع الحصار الجوي والبحري لتأمين وصول المساعدات والبدء في ورش البناء. وفي فلسطين توصل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى التفاهم مع تل أبيب على مجموعة نقاط لكنه عجز عن إقناع حكومة أولمرت في وضع صيغة واضحة ترتب عمليات معالجة المشكلات سواء على الجانب اللبناني أو السوري أو الفلسطيني. حتى الآن لاتزال كل الالتزامات الإسرائيلية مجرد وعود لا يمكن التأكد من صحتها في القريب العاجل. فتل أبيب تتحدث عن رغبة في السلام ولكنها ترفض اطلاق سراح النواب والوزراء الفلسطينيين المنتخبين من سجونها، وتتردد في طرح فكرة واضحة تتعلق بشأن موضوع الجولان. وكل ما قيل حتى الآن يقع تحت عناوين عريضة يصعب تمييز الحق من الباطل في شأنها. فهناك كما يبدو شبه اتفاق على توزيع الأدوار. وزير الدفاع الإسرائيلي يشير إلى ضرورة الاستفادة من الحرب على لبنان لطرح مجموعة نقاط تنهي اسباب النزاع في المنطقة. ووزيرة الخارجية الإسرائيلية أكدت أن موضوع الجولان ليس وارداً على الإطلاق بل أعلنت عن خطة توسيع المستوطنات وتعزيز الأنشطة السياحية. هناك إذاً اشارات متضاربة تتراوح بين الرغبة في التصعيد وبين الانتظار وابقاء الوضع على حاله حتى تتبلور وجهات النظر الدولية والإقليمية... وبعدها تبدأ المسارات تأخذ قنواتها الطبيعية. ماذا تنتظر تل أبيب؟ تنتظر إشارة من واشنطن. وماذا تنتظر واشنطن؟ تنتظر عودة الأمين العام للأمم المتحدة إلى نيويورك بعد جولة مكوكية شملت الكثير من العواصم الإقليمية. الولايات المتحدة تنتظر عودة عنان لتضع النقاط على الحروف. والمشكلة في عنان أنه لا يملك النقاط أو الحروف وكل ما طرحه مجرد كلام عام كان بإمكانه قوله في مكتبه الكائن في مبنى الأمم المتحدة. فهو في جولته لم يتطرق إلى فكرة جديدة ولم يطرح سلة حلول لمشكلات كثيرة تشكل أساساً للأزمات والحروب في المنطقة. فالجولة شكلية وهي عادة تتبعها الدول الكبرى للإيحاء أمام الرأي العام العالمي انها مهتمة بالمشكلات وتريد بحثها مباشرة وحلها من خلال الاتصال بالأطراف المعنية بها. وهذا ما كان منتظراً من جولة عنان. ولكن ما ظهر حتى الآن من اشارات كلامية لم يقدم أو يؤخر في مسألة واحدة. وكما يبدو ان الولايات المتحدة وضعت سقفاً للأمين العام وقيدت جولته بمجموعة شروط لا يستطيع كسرها. فهو مثلاً اكتفى في بيروت بإعادة التذكير بضرورة تطبيق القرار 1701 كحزمة واحدة منبهاً إلى عدم قبول الدول الكبرى بسياسة الانتقائية. وفي تل أبيب لم يخرج في كلامه ونشاطاته واتصالاته على الحدود المرسومة له سلفاً واكتفى بإعادة التذكير بالقرارات الدولية التي تضمنها 1701 من دون توضيح ملابسات كثيرة تحيط بفقراته. والأمر نفسه فعله في رام الله وعمّان. وكذلك لم يسمع الشيء الجديد من زيارته إلى دمشق فهو أشار إلى دور سوري ما في لبنان والعراق من دون توضيح لمنطق ذاك الدور وكيف يمكن التعامل معه أو الاستفادة منه. عنان كما يبدو اكتفى بنقل رسائل معروفة وآراء مطروحة بشأن القرار 1680 المتعلق بسورية ولبنان ولكنه لم يكن حريصاً على التذكير بأهمية فتح ملف الجولان وتلك الفقرات الواضحة والمنصوص عليها في القرارين 242 و338. وهذا الأمر يشير إلى جمود في الملف المذكور أو على الأقل عدم وجود رغبة دولية (أميركية) في الاستفادة من نتائج الحرب العدوانية على لبنان كما ذكر مراراً وزير الدفاع الإسرائيلي.

جولة مشروطة

جولة عنان التي انتهت أمس في دمشق وبدأت اليوم في طهران ظهرت مشروطة بمجموعة حواجز لا يحق للأمين العام للأمم المتحدة تجاوزها باتجاه فتح ملفات تشكل أساساً لكل الأزمات والحروب في المنطقة. وحين تطرق إلى نقاط حساسة وجوهرية كان يكتفي بملامسة القشور ولا يذهب إلى عمقها الأمر الذي يؤكد وجود ممنوعات دولية (أميركية) تحرّم عليه فتح ملفات حقيقية تعتبر هي الأساس الذي تقوم عليه الكثير من المشكلات الفرعية. على ماذا تدل هذه النتائج؟ هناك نقطة واحدة يمكن البناء عليها لرسم تصورات محتملة قد تواجهها المنطقة في القريب العاجل وهي: أن الولايات المتحدة لاتزال في مكانها تتمسك بمجموعة شروط ورؤى وليست في صدد التخلي عنها وهي غير مستعدة لبحثها أو إعادة النظر بها. هذه نقطة مركزية يمكن من خلالها ربط كل التنافرات التي ظهرت على سطح الجولة. فعنان لا يملك سلطة القرار كذلك لم تعط له تلك الصلاحيات المطلوبة من الدول الكبرى لتسهيل مهمته واعطاء طابع تاريخي لنتائجها. وكل ما فعله هو مجرد تذكير بفقرات تتعلق بأزمات جديدة وطارئة كالقرارات 1559 و1680 و1701، وهذا كان بإمكانه أن يفعله من مكتبه في نيويورك. ولكن الولايات المتحدة رغبت أن تظهر نفسها أمام العالم بأنها جادة هذه المرة وتريد فعلاً أن تسهم في حل مشكلات بالاتصال المباشر وعقد التفاهمات والتسويات. ولكن هذه المحاولة كما ظهرت نتائجها حتى الآن على الأرض مجرد خدعة دبلوماسية لتغطية سياسة تصعيدية يرجح أن واشنطن لم تتخل عنها أو تسقطها من تصوراتها الاستراتيجية للمنطقة وأساليب تعاملها الفوقي (والتقويضي) مع دول «الشرق الأوسط». وصل عنان اليوم إلى طهران وتعتبر هذه المحطة خطوة مركزية في جولته. ولكن الأمور كما تبدو من ظواهرها سائرة نحو الشكليات البروتوكولية لأن الأمين العام لا يملك صلاحيات ولا سلطة قرار وهو مجرد ساعي بريد يحمل رسالة تذكيرية تشير إلى ضرورة التزام إيران بالشروط التي نصت عليها فقرات القرار .1696 هذه الرسالة كما يبدو وصلت متأخرة قرابة يومين. فإيران أعلنت عدم رغبتها في الاستجابة مع بنود القرار الدولي والدول الكبرى أعربت عن أسفها باستثناء جورج بوش الذي ادعى أنه حزين على عدم استجابة طهران ولكنه أضاف إلى أسفه دعوات غامضة تتحدث عن حل دبلوماسي مع إشارة إلى احتمال فرض «عقوبات» وربما «عواقب». المفردة الأخيرة تعني الكثير وربما هي تشكل مفتاح حل تخطط له واشنطن وليس بالضرورة أن يقع في اطار الحل الدبلوماسي. الغموض إذاً لايزال يسيطر على اتجاهات المنطقة. فكل الاشارات مفتوحة على مفترق الطرقات. ومن الآن إلى أن يرفع عنان تقريره إلى مجلس الأمن بشأن جولته في المنطقة يرجح أن تبقى النقاط جامدة تنتظر الحل من نيويورك أو واشنطن

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1457 - الجمعة 01 سبتمبر 2006م الموافق 07 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً