لكل حرب أسرارها وعبرها، والدروس المستفادة منها، مهما تكن نتائج الحرب... مرضية أم مخيبة للآمال. وهو فعلا ما بتنا نتلمسه حتى على نطاق الجوانب الفنية المتعلقة بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان. فقد كشفت هذه الحرب حقيقة مصطلح «سفير النوايا الحسنة»، الذي قامت هيئة الأمم المتحدة بتقليده الكثير من الفنانين العرب البارزين الذين نجلهم ونحترمهم، وذلك كي يسهموا مع الأمم المتحدة في إنجاح مشروعاتها، الداعية إلى الخير بحسب ادعائها، لكن للأسف بدا جليا أن هذا المصطلح «سفير النوايا الحسنة» ما هو إلا قفص أرادوا منه تحجيم وطنية نجومنا الفنانين العرب، وسجنهم في إطاره حتى لا يقولوا الحقيقة.
كانت النتيجة أن أخذ واحد منهم تلو الآخر الفرار منه، إذ أعلن خلال الأسابيع الماضية كل من حسين فهمي، جمال سليمان، مارسيل خليفة، تنحيهم من مناصبهم كسفراء للنوايا الحسنة، بعد أن شعروا بأن لقب السفير يفرض عليهم دبلوماسية الصمت وعدم إبداء الرأي الصريح والحازم، إزاء ما يعتري أمتنا العربية، من قضايا مصيرية.
وكان قد سبقهم إلى هذا الموقف الفنان دريد لحام، عندما اصطحب قبل عامين تقريبا أولاده وأحفاده في رحلة إلى الجنوب اللبناني، وهناك أمسك بحجر صغير وألقى به على جدار عازل أرساه العدو، فما كان من البعض إلا أن وشوا لهيئة الأمم المتحدة بفعلة دريد، وعلى اثره وجه له خطاب شديد اللهجة من الهيئة: «كيف تفعل هذا وأنت سفير للنوايا الحسنة؟!» ولأن دريد لا يشك أحد منا في انتماءاته الوطنية، وأن حسه الوطني يفوق بكثير مجرد اجتماعات روتينية تقوم بها هيئة الأمم، قرر التنحي، معلنا حينها أنه اكتشف عدم وجود نوايا حسنة لدى الهيئة الدولية.
الكلام ينطبق أيضا على الفنان عادل إمام سفير الأمم المتحدة هو الآخر، الذي لم ينصع لقراراتها وأعلن في نهاية أحد عروض مسرحية «بودي جارد» أن ما تقوم به «إسرائيل» في لبنان، ما هو إلا مجازر في حق الإنسانية، وطالب بإيقاد الشموع بعد خطبة عصماء خالف فيها قوانين الأمم المتحدة، التي فيما يبدو حاولت أن تكتم فاهه كغيره من الفنانين العرب، كي لا يكون ذلك سلاحا في معركتنا ضد العدو.
أخيراً، مازال الفنانون يقاومون العدو الإسرائيلي بالكلام والأغاني، حاضرين في معظم البرامج ينددون، يحللون ويتحدثون في السياسة، بينما بعض القادة العرب، وهم الأجدر بهذا، غائبون عن ساحة المعركة، علما بأن المعركة ليست فنية، بل معركة مصير أمة، أم لأن السياسة فن، فمن اليوم الفنانون هم من سيتسلمون زمام الأمور في عصر الديمقراطية الجديد الذي تنادي به الدول العظمى؟
العدد 1457 - الجمعة 01 سبتمبر 2006م الموافق 07 شعبان 1427هـ