في منطقة يمكن فيها لأحد ما أن يتعرض للقتل لأنه سني أو شيعي أو مسيحي أو يهودي، وفي منطقة يمكن أن تتعرض قرية شخص ما للقصف بالقنابل لأنه إفريقي أو عربي، وفي منطقة يمكن لطفلة أن تختنق في الأنقاض لأنها تصادف وجودها في طريق «عملية تكتيكية»، هل يجب علينا أن نشعر بالشفقة تجاه صانعي السلام؟
في منطقة يمكن لاسم شخص ما أن يعود عليه بالحقد، هل يجب أن نشعر بالشفقة تجاه صانعي السلام؟
في عالم تختطف فيه الأديان العظيمة لأجل الحصول على القوة والثروة ومن يعلم ماذا أيضاً، هل يجب علينا أن نشعر بالشفقة على صانعي السلام؟ في عالم يستعمل فيه الإيمان لتوجيه البنادق وزرع الألغام، هل يجب علينا الشعور بالشفقة تجاه صانعي السلام؟
في عالم إذا حاول فيه المرء إظهار طيبة هؤلاء الذين يختلفون معنا، يعتبر المرء خائفاً من قبل البعض، هل يجب علينا الشعور بالشفقة تجاه صانعي السلام؟ في عالم تنفق فيه أموال على الأسلحة أكثر مما تنفق على تحسين وضع الفقراء، هل يجب علينا الشعور بالشفقة تجاه صانعي السلام؟
في عالم فقدت فيه العدالة والحرية والشرف - نعم الشرف - طريقها في مسالك ومناطق كثيرة، هل يجب علينا الشعور بالشفقة تجاه صانعي السلام؟ كلا، لا يجوز الشعور بالشفقة تجاه صانعي السلام لأنهم يرون شيئاً لا يراه الآخرون. إنهم يرون الكلفة الإنسانية الآخذة في التراكم. يستطيعون أن يروا إلى أين تتجه معظم الأحقاد وسفك الدماء والصراعات الدموية والتآمر، يستطيعون أن يروا أين تنصب الأموال من أجل سفك الدماء وتقطيع أوصال الأسر بدلاً من إيجاد فرص عمل وتوفير الأمل.
إنهم هؤلاء الذين يحملون الأدوية والطعام عبر الأنهار والأمواج المتلاطمة والشوارع التي تم قصفها والغابات المليئة بالملاريا وعبر مناطق يمكن في أي لحظة أن تنتهي فيها حياتهم. إنهم الذين لا يصمتون في وجه الشر. إنهم الذين لا يصمتون بينما يقوم قادتهم بإرسال شعوبهم إلى «انتصارات» جوفاء وروابط بيروسية وخسارات مدمرة، ولأجل ماذا؟
ليسوا هم الذين يجب الشعور بالشفقة عليهم، إنهم الذين يجب تكريمهم في عالم خلا من الكرامة والشرف.
من المؤكد أنه يجب على الدول والشعوب أن تدافع عن نفسها. أحياناً تكون الحرب هي السبيل الوحيد. أحياناً تجب مواجهة الشر وهزيمته. ولكن بينما يتهاوى العالم ويذوب، وبينما يتجه عالمنا المكون من شعوب حضارية بازدياد نحو حافة صدام الحضارات الذي سنخسره جميعنا، علينا أن نحيي صانعي السلام والمعتدلين، فقد يكونون أملنا الوحيد.
يمكن أن نجدهم في ساحات المعارك، حتى انهم يلبسون الزي العسكري. يمكنك أن تجدهم في العيادات المتناهية الصغر تخترقها الرصاصات. قد يكونون الآباء الذين يحملون أبناءهم عبر القرى المدمرة بالقصف عندما يقولون «كفى، كفاية. كفى».
كفى. هذا هو نداء صانعي السلام، وهذا أمر يتطلب شجاعة عظيمة. كفى. هذا هو الشعور العميق في أرواح بعض المفكرين والقادة العظماء. كفى. هذا هو الشعور، بالتأكيد، الذي يجب أن يشعر به المسيحيون واليهود والمسلمون وغيرهم عندما يصلون إلى ربهم، وعندما يرون كم أصبح العالم مظلماً في الوقت الذي يمكن فيه أن يكون هناك ضوء كثير.
الضوء سيأتي من صانعي السلام بغض النظر عن عقيدتهم أو ملابسهم، أو لغاتهم أو ألوانهم. الضوء سيأتي من الذين يبدون أعظم شجاعة: المستعدون لإعلاء أصواتهم بينما يصمت الكثيرون، بخنوع صامت بينما يقرر غيرهم قدر عالمهم. لا تشعروا بالشفقة على صانعي السلام. كرموهم وشرفوهم.
بول سوليفان
أستاذ الاقتصاد بجامعة الدفاع الوطني وأستاذ مشارك في دراسات الأمن بجامعة جورجتاون في واشنطن العاصمة، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ