العدد 3496 - الإثنين 02 أبريل 2012م الموافق 11 جمادى الأولى 1433هـ

الإسلاميون في دول الربيع العربي: من الدعوة إلى الدولة

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

وأخيراً فجّرت حركة الإخوان مفاجأة من العيار الثقيل بترشيح نائب المرشد العام خيرت الشاطر لمنصب رئاسة الجمهورية بعد أن اكتسح نواب حزب الحرية والعدالة مع السلفيين البرلمان المصري. وقبل ذلك كانت حركة النهضة في تونس قد نالت الغالبية في انتخابات المجلس التأسيسي واعتلى أمينها العام حمادي الجبالي رئاسة الحكومة في إطار ائتلاف ثلاثي لا يخفى على أحد تقلّد النهضويين فيه لأبرز الحقائب الوزارية.

وليس ببعيد وبعد حرب ضروس مع نظام «غير المعمّر القذافي» وصل المجلس الانتقالي برئاسة مصطفى عبدالجليل إلى سدّة الحكم ولا تخفى على أحد أيضاً التوجهات الإسلامية لقائده. وغير بعيد أيضاً وفي المغرب الأقصى وصل حزب العدالة والتنمية الإسلامية إلى رئاسة الحكومة بعد أن فاز الحزب بالكتلة الأكبر في البرلمان. وهكذا وجد الإسلاميون أنفسهم في معترك العمل السياسي تنتخبهم فئات واسعة من مجتمعهم وتفرزهم صناديق الاقتراع النزيهة قادة لشعوبهم في المنطقة ومسئولين عن مصائرهم ومهندسين لسياسات تنموية مستقبلية وراسمين للسياسات الخارجية.

إذن الإسلاميون في الحكم: هل انتهت مرحلة الدعوة وبدأت مرحلة الدولة؟ هل شعوبهم مستعدة لتطبيق أحكام الشريعة؟ أتراهم سيلتزمون ببرامجهم الانتخابية؟ أم ستجبرهم الظروف على تغيير مواقفهم؟ هل سيتركون الحكم بسلاسة إذا اختار الشعب غيرهم عبر صناديق الاقتراع؟ هل سيستجيبون إلى تطلعات قواعدهم الواسعة والتي تنتظر معهم الحل الإسلامي منذ عقود للخروج من عنق الزجاجة عبر الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي ومحاربة الفساد والديكتاتورية...؟ وهل سيسمحون لغيرهم بالعمل السياسي جنباً إلى جنب وبالمقدار ذاته من الحرية حتى وإن تعارضت أطروحات الآخرين مع شرع الله؟ وما مدى استفادة الإسلاميين من تجارب الحكم بالإسلام في السودان وإيران وفي تركيا وماليزيا؟

أسئلة كثيرة لا حصر لها ناءت العقول بالإجابة عنها لأسباب كثيرة. ولا نزعم الإجابة عنها ولكن سنحاول تحليل بعض تداعيات هذا المشهد السياسي الجديد من خلال مواقف شيخ حركة النهضة في تونس المفكر الإسلامي راشد الغنوشي.

لا يختلف اثنان اليوم أن المرحلة الراهنة - في دول الربيع العربي وبعض الدول العربية التي اختارت القيام بإصلاحات جذرية - تتميّز بالمكانة الكبيرة للإسلاميين بل لعلها المكانة الأبرز، حيث أبانت الانتخابات عن الثقل الجماهيري لهم والرصيد الشعبي الذي يتوفرون عليه وهو ما جعل خصومهم التقليديين يقدمونهم على أنهم غول داهم على مكاسب الحداثة لمصادرتها. والمتعمّق في آراء الشيخ المفكّر راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة سينأى بالحركة الإسلامية في تونس عن هذه التخوفات لدى النخب العلمانية وقطاعات واسعة في المجتمع لأن النهضة - ذات الشعبية الواسعة - تؤمن بالتوجهات المعتدلة ولا تتنكّر للخيار الديمقراطي الذي أوصل الحركة إلى الحكم، وهي تعلم أن من أهمّ واجباتها في هذه المرحلة الانتقالية تحقيق أسمى أهداف الثورة: الكرامة والحرية.

والحرية في فكر راشد الغنوشي هي المناخ الطبيعي للمسلم؛ إذ لها معنى وجودي بالنسبة إليه ليس فقط لأنها شرط التكليف شرعاً، وإنما أيضاً لكونها مقصداً عظيماً من مقاصد شريعتنا ولا يمكن للإسلام أن يزدهر دون حرية، ويستشهد الغنوشي بالرسول (ص) حيث ظل يدعو قومه في مكة إلى الإسلام، ولما رفضوا دعاهم إلى خيار آخر: أن يخلّوا بينه وبين الناس وأن يجعلوا من مكة فضاء حراً يتمتع فيه الجميع بالحق في اختيار ما يريدون من عقائد وأفكار وممارستها. فهل سيسمح الإسلاميون لمخالفيهم الرأي والعقيدة في الدين والسياسة أن يتحركوا بحرية وأن ينشطوا جنباً إلى جنب على قدم المساواة مع غيرهم؟

ومما جلب الانتباه أكثر إلى الإسلاميين في تونس ما أعلنته حديثاً حركة النهضة على لسان زعيمها في مؤتمر صحافي عن تمسكها بالفصل الأول من دستور سنة 1959 للبلاد ذلك الفصل الذي يؤكد على أن دين الدولة الإسلام ولا ينص على تطبيق الشريعة الإسلامية: «تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها» هذا القرار وضع حداً للجدل الدائر منذ 14 يناير/ كانون الثاني 2011 بشأن هوية الدولة ومنزلة الشريعة من الدستور. وعلى رغم مطالبة فئات واسعة باعتماد الشريعة مصدراً من مصادر التشريع في الدستور (مثل خطباء الجمعة والسلفيين وبعض قياديي النهضة...)، فإن حركة النهضة اختارت ما يجمع بين التونسيين وهو دين الدولة ورفضت ما كان محل اختلاف بينهم ما دامت هذه الزيادة تفرّق صف الناس ذلك أن الدساتير في نظر الغنوشي تُبنى على المشترَك وليس على المختلَف والدستور لا يجب أن يكون مُصادَقاً عليه بنسبة أغلبية بسيطة.

وهو أيضاً ما يطرح تساؤلات أخرى عن هذا الاختيار المصيري أهو مرحليّ فرضته الضغوطات المختلفة أم هو قناعة فكرية؟

مهما كانت الإجابة فإن الثابت والأكيد أن النهضة اختارت الدفع بالحياة السياسية إلى الأمام رغم تعارض هذا الرأي مع أطياف إسلامية أخرى ذات طابع سياسي في البلاد لأن النهضة - ومن منظور مفكرها الشيخ راشد الغنوشي - لا تدّعي كونها الناطق باسم الإسلام في البلاد ولا تحتكر النطق باسمه بل يعتبر أن الإسلام أوسع من أي حزب، ولكن من جهة أخرى يعتبر مشاركة الإسلاميين في الحكم شرط الاستقرار والتنمية والديمقراطية ولا ينبغي أن يتأخروا عن أداء واجبهم الديني والوطني.

وبذلك يسعى الإسلاميون إلى طمأنة الجميع بهذه الرسائل السياسية المباشرة ويدخلون مرحلة بناء الدولة الحديثة مع شركائهم السياسيين. ولكن الأكيد أن القواعد الناشطة والمعتدلة في الحركة لن تتوقف عن مرحلة الدعوة وقد فُتِحت كل الأبواب لها على مصراعيها ولربما تكون الدعوة في مرحلة بناء الدولة على واجهتين: الواجهة الأولى استعادة وحدة صف الإسلاميين بالتحاور مع التيار السلفي الذي يعتقد راشد الغنوشي أنهم أبناء الحركة الإسلامية الذين لم يجدوا التأطير الصحيح في العقدين الأخيرين لغياب أبناء الحركة عن الساحة بسبب سياسة المحاصرة والتضييق، والواجهة الثانية مزيد الدعوة إلى الإسلام وتوسيع قاعدة الحركة أكثر فأكثر.

هكذا يبدو فكر الشيخ راشد الغنوشي على قدر كبير من الاعتدال والديمقراطية ما حدا ببعض المحللين وأعني صلاح الدين الجورشي إلى دعوة قواعد الإسلاميين عموماً في تونس إلى الارتقاء إلى فكر قائدهم ومنظّرهم الشيخ راشد الغنوشي.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3496 - الإثنين 02 أبريل 2012م الموافق 11 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:43 م

      الإسلاميون في الحكم:

      فرصتهم لتأكيد جدارتهم بصدارة صناديق الاقتراع

    • زائر 4 | 10:15 ص

      ليس الأمر سهلا

      أراهم في مأزق يتخبطون كان الله في عونهم

    • زائر 3 | 8:49 ص

      نعم اسمه راشد وهو فعلا راشد ومرشد

      هكذا يبدو فكر الشيخ راشد الغنوشي على قدر كبير من الاعتدال والديمقراطية

    • زائر 2 | 8:36 ص

      الإسلاميون

      العرب في هذا العصر يغلب عليهم الطابع الإسلامي بالعموم ، الدليل على ذلك هو الأنتصارات اللي يحققونها الواحد تلو الآخر . ذلك معناه انه عهد قمعهم بحجة الأرهاب قد ولى و اصبح غباء سياسيا.... ولكن! لا يجب عليهم ان يستبدوا في الحكم اول ما يحصلو عليه بطريقة ديمقراطية ، المؤسسات اهم شئ ، يأتي بعدها قبول الآخر و حقه في المشاركة السياسية ، إن احترموا ذلك و نجحو في برامجهم الأقتصادية و السياسية ، فستذكرهم شعوبهم بكل خير و يستمرو في الحكم

    • زائر 1 | 11:58 م

      مفكّر متنوّر

      هذا الشيخ قرأنا له مقالات في أعمدة الوسط وفعلا يستحق فكره الدراسة المعمقة أكثر من مجرد مقالات صحفية قصيرة
      ونحن في انتظار ذلك منكم

اقرأ ايضاً