أحالت النيابة العامة الموقرة فوجاً كبيراً من أبناء هذا الوطن للمحاكمة بتهمة التجمهر والشغب، أو التحريض على كراهية نظام الحكم، حتى بتنا نشعر وكأن هاتين الجريمتين هما أهم قضايا العصر الراهن لكونهما نالتا الرقم الأعلى مقارنة بالقضايا الأخرى.
وغالباً ما تُقيد التهمة الأولى وهي «التجمهر والشغب» بموجب المادتين رقمي (178 و179) من قانون العقوبات اللتين جاء فيهما «كل من اشترك في تجمهر في مكان عام مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل الغرض منه ارتكاب الجرائم أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لها، أو الإخلال بالأمن العام ولو كان ذلك لتحقيق غرض مشروع... وإذا شَرَع واحد أو أكثر من المتجمهرين في استخدام العنف لتحقيق الغاية التي اجتمعوا من أجلها كان ذلك شغباً...»
وتُقيد التهمة الثانية وهي «التحريض على كراهية النظام» بموجب المادة رقم (165) من القانون المذكور التي تنص على أنه «يعاقب بالحبس من حرض بإحدى طرق العلانية على كراهية نظام الحكم أو الازدراء به».
وحيث كان الأمر ذلك، ونظراً لتساؤل الشارع، استوجب الوقوف على ماهية هاتين الجريمتين وفقاً لما جاء في النصوص السابقة، ومن ثم تقييم الأحكام الواردة فيها لمعرفة مدى تطابقها مع دستور البلاد على الأقل في هذا الصدد من عدمه.
فبالنسبة للجريمة الأولى (التجمهر) نجد أن النص بشأنه سابق الذكر يحتمل معنيين هما «التجمهر السلمي، والتجمهر غير السلمي»، إذ إنه لم يُفصح صراحةً عن أيهما المقصود، فضلاً عن أن القانون لم يُعرِّف التجمهر السلمي أو غير السلمي ما زاد النص غموضاً. إنما فقط أخبر عن التجمهر المعاقب عليه بقوله: «إذا كان الغرض منه ارتكاب الجرائم أو الإخلال بالأمن العام»، مما يفهم منه أن جريمة التجمهر لا تقوم إلاّ إذا كان الغرض من التجمهر ارتكاب جريمة، أو الإخلال بالأمن العام، فإن لم يكن الغرض منه ذلك فلا يعتبر هذا التجمهر جريمة، ومن ثم يمسي قمعهُ بالعنف أو بالقوة في هذه الحالة عملاً خاطئاً، إنْ لم يكن ذلك جريمة.
وأيما يكن الأمر؛ فالسؤال الذي يثور هنا هو: من الذي يُقيِّم ما إذا كان التجمهر سلمياً أو غير سلمي لكي يُقمع أو لا يُقمع؟ هل هو قائد فرقة شرطة الشغب المتواجد في ساحة التجمهر، أم خبير قانوني مختص يرافق هذه الفرقة؟ أم أنه في مفهوم مديرية الأمن العام أن أي تجمهر أيما يكن شكله وسلميته وهدفه يستحق القمع؟ هذا ما لا نعرفه بعد!
وبعيداً عن التحليل السابق، فإنه بالعودة إلى الدستور المحلي نلحظ فيه إقراره بالحقوق الآتية:
(1) الحرية والمساواة مكفولة (المادة رقم 4).
(2) حرية الرأي مكفولة أيضاً، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون (المادة رقم 23).
(3) للأفراد حق الاجتماع الخاص دون حاجةٍ إلى إذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن العام حضور اجتماعاتهم الخاصة (المادة رقم 28/أ).
(4) الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماعات ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب العامة (المادة رقم 28/ب).
(5) يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها بقانون، ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية. (المادة رقم 31).
وحيث كان الأمر ذلك، وكان الدستور هو التشريع الأعلى، لا يجوز مخالفته بقانون أو بلائحة. وحيث إن هذا الدستور على نحو ما تقدم قد كفل حرية الرأي وحق الأفراد في التجمع دون حاجة إلى إذن مسبق، كما شرَّع وكفل حرية الاجتماعات العامة والتجمعات متى كانت سلمية، وصرَّح بصريح النص بعدم الجواز لأي قانون أن ينال من جوهر هذه الحقوق.
وحيث إن التجمهر السلمي لا يعدو كونه نوعاً من التجمعات العامة التي كفلها الدستور، جاز لنا أن نسأل بعد ذلك: هل أن النصوص الدستورية السابقة غامضة تحتاج إلى تفسير، أم أن الدستور عاد ونسخ نصوصه بخلاف إرادة الأمة؟ فإن لم يكن هذا ولا ذاك فلما إذاً تُقمع المسيرات والتجمعات السلمية التي شرَّعها الدستور؟
أما بالنسبة للجريمة الثانية (التحريض على كراهية نظام الحكم)، فإننا بداية نشير إلى أنه رغم اطلاعنا الواسع على قانون العقوبات والقوانين الأخرى لم نجد هناك نصاً صريحاً مانعاً يُعرّف ماهية الكراهية في هذا الصدد أو يبين أركانها، وخصوصاً أن النص السابق بشأن هذه الجريمة جاء فارغاً من بيان علة الحكم، وبالتالي لا نجزم بسلامة تفسيره.
وحيث إن «التحريض على الكراهية» هو فعل تابع أو متصل بالكراهية، وحيث إن هذا المتبوع (أي الكراهية) غير معلومة الكيف والأركان من وجهة نظر القانون كما بينا سلفاً، فإن البحث في «التحريض» كجريمة لن يجدي نفعاً طالما أن المُحرَّض عليه غير معروف قانوناً.
بيد أننا لو نظرنا إلى قواعد اللغة والمنطق والعلم الاجتماعي والسياسي نستخلص منها مجتمعة ما يلي:
أولاً: إن الكراهية تعني البغض، والبغض مكنون في النفس، وما هو مكنون في النفوس لا يجوز إثباته بالظن والتخمين ولو صدر من المتهم ما يوحي كراهيته بلفظ قد يكون لغواً أو تعبيراً عن اعتراض.
ثانياً: كراهية الأفراد لنظام الحكم لا يعني على وجه الإطلاق معاداته، وحتى إنْ رقي إلى هذا الحد فإن معاداة الحكم لا يستوي في الميزان مع معاداة الأفراد لبعضهم البعض. لأن معاداة الأفراد لبعضهم البعض خروج عن مبادئ الخلق الاجتماعية، أما معاداة الأفراد للحكم فهو أمر طبيعي ومقبول في النظام الديمقراطي ما لم يتبعه الرغبة في تقويضه. في حين أن رجال السياسة ينظرون إلى كراهية الأفراد للنظام الحاكم لا تعدو أن تكون إما وجهاً من وجوه الاعتراض عليه، أو ذماً فيه، أو انتقاداً له، وهذه الوجوه وأخواتها حقوق تكفلها الديمقراطية. وإن أي نظام حاكم يرفض انتقاده ويُحرِّم الاعتراض عليه ولا يقبل ذمه هو نظام غير ديمقراطي.
وإن أي نظام حاكم ليس همهُ إلاّ أن يرى من يؤيده، ومن يواليه، ومن يمدحه، هو نظام غير مثالي وغير تقدمي، والحضارة لا تتوق إلاّ للحاكم المثالي التقدمي.
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 3495 - الأحد 01 أبريل 2012م الموافق 10 جمادى الأولى 1433هـ
مواد التجمهر والشغب غير دستورية ونشأت في ظل قوانين أمن الدولة
هذه القوانين غير دستورية بمعني تخالف حرية الراي والتعبير المنصوص عليها في دستور 2002 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتم تطبيقها بشكل يسيء لسمعة مملكة البحرين وبالتالي على المملكة إلغاء هذه المواد لأن تم محاكمة المعارضين السياسيين بموجب هذه المواد التي لا طعم ولا لون ولا رائحة وها هو المجتمع الدولي ينتقد تطبيق هذه المواد.
نعم لإلغاء هذه المواد التي لا تصلح لمملكة البحرين.
الحر
كلام من ذهب
عاشت البحرين بقيادتها وشعبها ، بالسلامة يا المنامة
بخصوص التجمع : المشكلة أن الكثير من التجمعات ترخص وتستمر ويفلت أصحابها من العقوبة رغم خروجهم عن السلمية واستخدامهم لأدوات إجرامية كالمولوتوف ... فنأمل أن توجهون لهم كلمة ، .... والله المستعان