مرَّ يوم الأرض الفلسطيني ليعيد الحساب والتقويم من جديد، وليقف الإسرائيليون مع أنفسهم متسائلين: بعد أكثر من ستين عامًا... ماذا حققنا؟
هو سؤالٌ مرٌّ لا يفارق الاسرائيليين أبداً، لكن يوم الأرض يعيده بصدى أشد وأقوى، من دون أن يترك مجالاً للمواربة.
على الصعيد الفلسطيني هو سؤال حي وحيوي أيضاً، وخصوصاً مع انقسام الفلسطينيين إلى توجهين رئيسيين، الأول تمثله حركات المقاومة ودولة غزة، والثاني تمثله السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس.
يفخر الفلسطينيون بالاستعصاء الذي ينمو في نفوسهم، ويتمدد إلى الرضيع من أبنائهم، من دون أن يستثني امرأة ولا شيخاً ولا مريضاً ولا سجيناً أو جريحاً.
يعتبر الفلسطينيون هذا نصراً لهم في معادلة باعهم فيها العرب بأبخس الأثمان، واتحدت عليهم قوى العالم من كل مكان، وعمل البطش فيهم طويلاً على مدى أكثر من ستين عاماً.
القتل والموت حوَّله الفلسطينيون إلى مهرجان شهادة، فنقلوه من حيز الخوف إلى ساحة الشوق والرغبة، وحينها فقد أثره السلبي ليستثمر إيجاباً في ساحة الصراع فيحرك النفوس ويضخ الحماس ويقوي العزيمة.
ثم تحولوا إلى كل وسائل الإذلال والمهانة من سجن وتعذيب وتهجير وترويع، ليضربوا مثَلاً رائعاً في التعاطي الإيجابي معها ومن ثم إفقادها الهدف المنشود منها.
الاستعصاء وفرض التحدي، وتحويل كل الميادين إلى مقاومة وصمود؛ هو الذي يحطم هيبة الدولة التي أصبح جنودها المدججون بالسلاح دليلاً على سقوط هيبتها من النفوس، فالهيبة حالة نفسية تؤدي الغرض مادامت تحتفظ بفاعليتها كأسطورة لم تجرب النزول إلى الميدان، أما إذا توسطت الميدان وواجهها الشعب واستمر في تحديه لها، وترسخت في أبنائه مقاومتها؛ فإن فاعليتها كهيبة تسقط وتنتهي لتتبخر معها كل الأوهام.
بعد مرور 64 عاماً على محنة فلسطين تشهد شوارعها ومنعطفاتها وبساتينها ومياهها ومداخلها ومخارجها أن للمحتل جنوداً يجوبون الشوارع ويسيطرون على نقاط التفتيش، وهم كل يوم في كر وفر ضد شعب مقاوم لا يكل ولا يمل، يقتلونه أحياناً ويسجنونه في أحيان أخرى، ويعمدون إلى هدم منازله وازعاجه بكل السبل.
جيش مرتزق باطش وليس دولة، هو الوصف الذي يمكن أن يطلق على السيطرة بواسطة نقاط التفتيش والقمع والمواجهات التي لا تهدأ على مدار العام ومنذ 64 عاماً.
لم يتمكن الاسرائيليون من خلق رابط نفسي ودود مع الشعب الفلسطيني، بل استمر الشعب منفصلاً ومناهضاً لهذا الكيان الغاصب، ففرض عليه الضعف، وأفقده الهيبة، لأنه فقد حماية أهل الأرض، فكان دائماً يفزع إلى جسر يمده بالعدة والعتاد كلما تعرض لهزة أو سخط داخلي كما هو حاله في حرب تموز وفي الدعم السياسي اليومي من المؤسسات والدول الأخرى.
صناعة القوة بأميركا وبريطانيا وبالخارج عموماً وبسكوت الإعلام والنقد العالمي والإنساني ضد «إسرائيل» وغيرها هو ضعف واضح لا تغطيه جميع أدوات البهرجة والتجميل، ولا الاستعراضات العسكرية ضد شعب يطالب بحريته.
الأحرار من الفلسطينيني الذين لم يعترفوا لهذا الكيان الغاصب بدولة، ولم يسلموا له بطاعة، ولم يعرفو الركوع والمهانة أمامه، هم من مرغ أنفه وأسقط هيبته.
أختم بالقول: لا ضير في تصور البعض أن الكيان الصهيوني لايزال قويّاً وثابتاً، فمن لا يتقن قياس المسافة بين السيطرة على القلوب والنفوس وبين السيطرة على الأزقة والشوارع يخطئ في توصيف الواقع، وتأخذه الرهبة والهيبة من استعراضات العساكر والمرتزقة.
الاستعصاء على التطويع كسر هيبة القوة التي كانت تسمى بالضاربة في الشرق الأوسط، وأصبحت تبحث عن حمايتها في الدعم الخارجي، ليصدق عليها أنها أوهن من بيت العنكبوت.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 3495 - الأحد 01 أبريل 2012م الموافق 10 جمادى الأولى 1433هـ
ما ضاع حق
لن يضيع حق وراءه مطالب، ومادام الشعب الفلسطيني الصابر متمسكاً بحقوقه فلن تتمكن قوة على وجه الارض من اذلاله.