العدد 3493 - الجمعة 30 مارس 2012م الموافق 08 جمادى الأولى 1433هـ

حوارٌ مع زعيم عربي مستبد

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تخيَّلوا لو أن أحدًا منكم أصبح زعيمًا لدولة عربية. أولاً، وقبل أن تتفاجأوا بسِعَة هذا الخيال، عليكم أن تصدقوه؛ لأنه كان في يوم من الأيام حقيقة، بعدما كان خيالاً يتجاسر على ما لا يُمكن التفكير فيه. فمعمّر القذافي كان فقيرًا يمشي حافيًا لمدرسته، لكنه حَكَم ليبيا أربعين سنة. وعلي عبدالله صالح، عاش مُعدَمًا، راعيًا للأغنام لكنه حَكَم اليمن 33 عامًا. بالتأكيد، هذان مثالان سيئان، لكنهما صارا من الحقائق ومن التاريخ فعلاً. وبالتالي، يصحُّ هنا ما كان يقوله الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون: وُهِبَ الإنسان الخيال لتعويضه عما ليس فيه، والحس الفكاهي لتعويضه عما فيه.

أعيد طرح السؤال، ولكن بصيغة مختلفة: ماذا يُمكن للزعيم العربي المستبد أن يفعله يوميًا وهو في الحكم؟ كيف يتصرف وهو يُسيِّر دفة الدولة؟ كيف يتعامل مع القضايا القانونية، والحقوق السياسية للناس؟ كيف يتصرف في الأزمات السياسية والاقتصادية للبلد؟ وماذا عساه أن يفعل بفسيفساء مجتمعه المتغايرة، إثنيًا وطائفيًا؟ كيف يتعاطى مع التغيُّرات المجتمعية، والحاجات المختلفة والملِحَّة للأجيال؟ كيف ينظر إلى التعليم، بوصفه رافعة استراتيجية للدولة والمجتمع معًا؟ ثم (وهو الأهم) كيف ينظر إلى منصبه كزعيم دولة؟

الإجابة على تلك التساؤلات، ليست صعبة، ولا هي سرٌ يُمكن إخفاؤه. فممارسة الحكم لأي زعيم عربي مستبد، تعطيك إجابات شافية على كل ذلك. لكننا وفي هذا المقال سنفترض أننا في لقاء صحافي مع أحد أولئك الرؤساء العرب المستبدين، لنسأله عن كلّ تلك الملفات الملحة.

الصحافي: سيدي الرئيس، ماذا تعمل يوميًا، منذ أول ساعة في نهارك؟

الرئيس: أحضِر إلى مكتبي، لأطلع على أربعة ملفات تكون جاهزة وتوضَع أمامي كل صباح. الأول: ملف استخباراتي، به أدق وأحدث المعلومات الأمنية عن البلد. الثاني: ملف سياسي يتعلق بالسياسة الخارجية للبلد. الثالث: ملف عسكري يُبيِّن الأوضاع العسكرية للجيش والحدود. الرابع: ملف اقتصادي، يوضح لي الحركة التجارية، وحركة البورصة والتداول، والسيولة النقدية في البنوك ونشاطها المالي، وخلافه من القضايا الاقتصادية.

الصحافي: هل لك وقتٌ مُحدَّد لمجيئك للمكتب الرئاسي كبقية الموظفين العامين في الدولة؟

الرئيس: لا، فأنا أختلف عنهم كليًا، من حيث الالتزامات التنفيذية، كما أنهم في وضع المراقَب، وأنا مَنْ يراقبهم. الصحافي: وأنت مَنْ يراقبك؟

الرئيس: يراقبني الشعب.

الصحافي: كيف؟

الرئيس: عبر المؤسسة التشريعية.

الصحافي: كيف يمكن لأحد أن يثق بالبرلمان إذا كان نوابه جميعهم أو أغلبهم يتم انتخابهم بطريقة مُعلَّبة، ومعروفة النتائج سلفاً، بأنهم سيكونون أنصارًا وحلفاء لكم، وبالتالي فهم لا يملكون سلطة معارضتكم فضلاً عن مراقبتكم أو محاسبتكم؟

الرئيس: سؤالك موجَّه وبه انحياز، ولا ينمّ عن مهنية صحافية، عبر تشكيكك في مؤسستنا التشريعية.

الصحافي: عفوًا سيادة الرئيس، أنا أعرض عليك معطيات تجربتكم البرلمانية، التي هي بذات التوصيف المذكور من القصور الدستوري، وعلى حد وصف أحد معارضيكم، بأنها تجربة يكون فيها النائب مخيَّراً في قالب مُجبَر، فهي لا تتشابه من حيث المضمون مع البرلمانات المعروفة، القادرة على التحقيق في أدق مفاصل الدولة من فساد وخلافه، وكذلك في عزل الوزراء ومحاسبتهم، واستجواب رأس الدولة.

الرئيس: نحن نبني تجربتنا بالتدرج بالضبط مثلما فعل الغرب.

الصحافي: اعذرني سيادة الرئيس على هذه الجرأة، لقد صدر قانون الإصلاح في بريطانيا في العام 1832 وقبله كانت الثورة البيضاء التي حددت سلطات الملك، وفي فرنسا كانت ثورة 1789 قد غيَّرت الدولة رأسًا على عقب ولم تحتج باريس ولا لندن إلى تدرج كالذي تتصوره.

الرئيس: هل تريدنا أن نصبح أوروبا بين ليلة وضحاها؟

الصحافي: عفوًا، لكنكم لا تحتاجون إلى قرون كي تتحولوا إلى حكم ديمقراطي، مع وجود طبقة وسطى وحركة تعليم نشطة، ووسائل اتصال متطورة، بعكس ما كانت عليه أوروبا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، أم أنكم تحتاجون إلى سقوط باستيل جديد كي تتحوَّلوا مباشرة إلى دولة ديمقراطية؟

الرئيس: مشكلتكم أنكم تريدون إسقاط تجارب العالم على بعضها عنوة، حتى ولو كانت الدول والشعوب مختلفة.

الصحافي: بريطانيا استفادت من الثورة الفرنسية، وإيران استفادت من الدستور البلجيكي، وإسبانيا وألمانيا وهولندا كلهم كانوا على هَدْي التطورات التي حصلت في أوروبا، فلماذا لا تستفيدون من التجارب الإنسانية. في كل الأحوال، لا نريد أن نتجادل في هذا الأمر، ولكن هل يمكنني سؤالكم عن الاضطرابات والمظاهرات التي تجري في بلدكم اليوم؟

الرئيس: هذه المظاهرات تقودها عصابات إجرامية، تتلقى الدعم من الخارج، ولها أجندات غير وطنية.

الصحافي: لكنهم يُطالبون بعدالة سياسية واجتماعية ودولة مدنية؟

الرئيس: مَنْ يطالب بهكذا مطالب لا يلجأ إلى العنف والتخريب وحمل السلاح.

الصحافي: وماذا عن الفترة التي لم يلجأوا فيها إلى العنف والسلاح، لماذا لم تستجيبوا إلى مطالبهم كي تتجنبوا مثل هذا التصعيد؟

الرئيس: هم لا يريدون إصلاحًا أبدًا، هم يسعون إلى جعل البلد في أزمة.

الصحافي: ألا تعتقدون أن مثل هذا الخطاب هو نفسه الذي قاله بن علي ومبارك والقذافي وصالح ويقوله الأسد الآن، وبالتالي فهو خطاب خشبي وغير مقنع للرأي العام العالمي فضلاً عن أنه لا يقنع شعبكم.

الرئيس: هل تقبلون في الغرب، أن يأتي أناس مخربون ويرفعون السلاح ثم يأتي أحد ويقول لماذا لا تحاورونهم! هذه مفارقة.

الصحافي: سيدي الرئيس: المقارنة هنا غير متحققة، فالدول الغربية قائمة على الالتزام بالحكم الدستوري، وحكومات ومجالس نيابية منتخبة وكاملة الصلاحية، وهناك حكم للقانون، وحرية تعبير وقضاء مستقل وتداول سلمي للسلطة، وبالتالي عندما يأتي أناس يريدون هدم ما تسالَم عليه العقل البشري في أقصى تجلياته الفكرية والإبداعية وكذلك المجتمع فلابد من التصدي لهم، أما لديكم فالأمر مختلف، فأنتم في السلطة منذ ثلاثة عقود، والسلطات الثلاث مازال الفصل بينها غير قائم، فضلاً عن عدم وجود دستور متوافق عليه.

الرئيس: لكل بلد خصوصيته، ولا يمكن أن تتساوى البلدان في مسيرتها السياسية. (للحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3493 - الجمعة 30 مارس 2012م الموافق 08 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 8:19 ص

      عملاق الوسط الثاني

      ابوعبدالله اليوم جبتها في المقص وعلى الطاير هدافنا المتميز

    • زائر 7 | 6:58 ص

      صحفي شجاع

      لو وقف صحفي مثل هذا لأحد حكامنا .... يحاسبه في كل صغيرة و كبيرة ، لكان نصيبه الذهاب إلى المقصلة بعد إهانة الرئيس الموقر و المبجل.

    • زائر 4 | 3:40 ص

      شكراً لكم

      ارجو ان يقرأ هذا المقال اصحاب العقول الرجعية و المتحجرة ففيه اجابات مفحمة على تساؤلاتهم

    • زائر 3 | 3:29 ص

      الاستاذ الكريم شكرا لمقالك الرائع

      مقال ممتاز ولكن هذا هو واقعنا بكل صدق.
      ماذكرته مطبق بكل المقاييس ..

    • زائر 2 | 1:37 ص

      الوسط

      فكرة المقال ممتازة

      شكرا للوسط على كل ما تتحفنا به

    • زائر 1 | 12:34 ص

      حلو

      يسلم هالقلم

اقرأ ايضاً