من زاوية إنسانية بحتة، وبعيداً عن استحضار مسببات وتعقيدات أزمة تكدس الشاحنات بجسر الملك فهد، يبعث الحديث مع سواق الشاحنات شعوراً لا مثيل له من الأسى! فمنذ سنوات خلت، وهؤلاء السواق يعيشون في (سجن متحرك) كما وصفه أحدهم، فيما كانت العاصفة الترابية التي عصفت بالمنطقة منذ يوم الأحد (18 مارس/ آذار 2012) والأيام التالية، تمثل بالنسبة إليهم كابوساً مرعباً.
«نعم كان كابوساً مرعباً ونحن نقضي أيامنا في العراء... في الأجواء الاعتيادية؛ يكون الوضع قاسياً علينا ونحن ننتظر ما بين 3 إلى 5 أيام. فما بالك بأيام البرد والحر الشديد، والأيام والليالي التي تشهد تقلبات جوية قاسية كما حدث في العاصفة الأخيرة. نحن متعبون... هذا عملنا نعم... لكن هل تستطيع أن تعمل وتنامَ وتأكل في المكان ذاته الذي ليس فيه لك ملجأ في الظروف الصعبة، بل وليس بالقرب دورة مياه؟!»... هكذا تحدث آربي وهو سائق فلبيني الجنسية يعمل لدى إحدى الشركات الخليجية للنقل، ويعبر عن خيبة أمله الشديدة جراء انعدام ما كانوا يعيشون عليه من أمل بأن السلطات تسعى إلى إنهاء المشكلة وهي تراوح مكانها منذ سنوات.
بدأت مشكلة تكدس الشاحنات على جسر الملك فهد في الظهور مطلع العام 2007 ثم تضاعفت في الأعوام التالية لتصل الى ذروتها في العامين 2009 و2010 ولتستمر حتى الآن، على أن القطاع التجاري يجمع على أن هذه الأزمة تكبد الاقتصاد الوطني خسائر فادحة، ومع استمرار الاجتماعات واللقاءات والإجراءات للمعالجة؛ فإن الوضع لم يتغير قيد أنملة! بل زاد سوءاً حينما تم تحويل تجمع طابور الشاحنات من المسار الأيمن على الجسر إلى نقطة محددة للانتظار في منطقة الجنبية عند المدخل الجنوبي المؤدي إلى قرية سار.
وفي شهر ديسمبر/ كانون الأول 2011، أعلنت المؤسسة العامة لجسر الملك فهد صدور قرار شئون الجمارك البحرينية والسعودية بالمؤسسة بتجميع الشاحنات قبل الجسر من الجانبين حفاظاً على سلامة البنية الهندسية للجسر، بناءً على الحمولات الثقيلة واضطرارها إلى التوقف لفترات طويلة إلى حين الانتهاء من إجراءات العبور، وكذلك بعد مصرع مسافر أميركي الجنسية في حادث مروري مروع.
وتعود الأسباب المعلنة لذلك؛ إلى عدم قدرة الجسر على استيعاب هذا الكم الهائل من الشاحنات الناتج عن ارتفاع التبادل التجاري بين البحرين والمملكة العربية السعودية وسائر الأقطار الخليجية والعربية، حيث إن الجسر صمم في العام 1986 ليستوعب 150 شاحنة يوميّاً فيما تضاعف العدد اليوم إلى 1500 شاحنة وأكثر، وتستمر مطالبات القطاع التجاري بسرعة إنهاء أزمة حركة الشاحنات من خلال غرفة تجارة وصناعة البحرين واللجنة المشتركة مع جسر الملك فهد، إلا أن الجواب المكرر هو أن زيادة حجم الواردات السعودية بنسبة كبيرة في ظل محدودية وقت السماح للشاحنات ونقص عدد الموظفين هو السبب.
يبدو مرهقاً للغاية ومكتئباً حتى بعد أن بدأت العاصفة الترابية في الانحسار! تحدث السائق (أسامة ابراهيم) بنبرة غاضبة ليقول: «يبدو أن المسئولين لا يريدون وضع حل لهذه المشكلة، وخصوصاً في جمارك الجانب السعودي! لديهم كل الخبرات وكل الإمكانيات البشرية والفنية ويستطيعون إيجاد الحلول الناجحة إثر الحلول التي لم تنجح لكنهم لا يفعلون! في منفذ السلع بدولة الإمارات العربية المتحدة، تتكدس الشاحنات هناك الى عدد يصل في بعض الأحيان الى مئات الآلاف من الشاحنات، ومع هذا العدد الضخم؛ فإن فترة انتظارنا تتراوح بين أسبوع وعشرة أيام! قارن الرقم هناك، وقارن الوضع على جسر الملك فهد الذي لا يتجاوز فيه العدد اليومي للشاحنات 2000 شاحنة، يتم إجبارنا على أن نعيش في سجن متحرك... يوم واحد نقضيه في تحميل البضاعة، ويومان الى ثلاثة أيام في منطقة التجمع، ويوم في الوزن والتفتيش.. وفي أحسن الحالات وأدناها نبقى لمدة يومين كاملين... لا أدري بصراحة الى متى يستمر هذا الوضع ولو كانت لدي مهنة أخرى لتركت العمل».
ووفقاً للقطاعات الأكثر تضرراً من أزمة تكدس الشاحنات؛ يقع قطاع المقاولات والإنشاءات في أعلى القائمة بسبب تأخر وصول الكميات المستوردة من الأسمنت والرمل بنسبة تصل في بعض الأحيان الى 50 في المئة، أما القطاعات الأخرى على تنوعها؛ فلها نصيب كبير من التأخير في وصول المنتجات لها، وهذا ما صرح به أكثر من مرة رئيس الجانب البحريني في اللجنة المشتركة مع إدارة الجمارك عبدالحكيم الشمري الذي يحمل ملف الأزمة، ويقدم باستمرار تقارير وصوراً للازدحام الذي تشهده الشاحنات خروجاً من البحرين، وقد طالبت الغرفة التجارية بفتح الحدود للشاحنات الفارغة على مدار الساعة وتمديد دوام الجمارك السعودية بعد أن سجلت الغرفة أضراراً متصاعدة لحقت بالمصانع التي تعتمد على المواد الخام المستوردة من السعودية وغيرها من دول مجلس التعاون، وكذلك تراكم منتجات مصانع بحرينية مثل الألمنيوم التي يتعثر تصديرها بسبب بطء الحركة إضافة إلى الخسائر التي تقع جراء تأخر تسليم الطلبيات في الأوقات المحددة.
في قمرة القيادة، جلس كل من السائق محمد يونس وجاره في الشاحنة يتناولان وجبة الإفطار... في العادة، فإنهما وبقية السواق يتناولون الطعام خارج الشاحنة، فيفترشون الأرض ويأكلون! لكن والتراب يعصف بهم من كل جانب؛ فإنهم لا يستطيعون تناول (الوحل) كما يصف يونس، وترى السواق وقد علتهم الأتربة وكأنهم أموات عادوا الى الحياة... يضيف قائلاً: «هذه الأزمة متراكمة منذ سنوات، صحيح؟ هل سمعت أو هل رأيت أن المسئولين وفروا على الأقل دورات مياه في منطقة تجمع الشاحنات؟ هل هذا الأمر صعب؟ فلطالما أننا لسنا سبباً في المشكلة، وهم يجبروننا على الانتظار لأيام في هذا المكان، وفي الوقت ذاته فشلوا في إيجاد الحلول، عليهم على الأقل أن يوفروا لنا استراحات مزودة بدورات المياه، فنحن بشر.
ويروي يونس قصة ليصف الحال هناك :»ذات ليلة، أصيب أحد السواق بآلام في أذنه... ولم تكن لنا حيلة الا الاتصال بالإسعاف لكي ينقل المريض للعلاج بالمستشفى! وكما تعلم؛ فإن الإسعاف يتأخر خصوصاً في بعض الظروف التي تمر بها البلاد... وليست لنا وسيلة لنقل المريض لتلقي العلاج في أقرب مستشفى... وكما نعلم فإن أقرب مستشفى لنا في هذه المنطقة هو مستشفىً خاص بمدينة حمد! فهل سيوفر المسئولون لنا وحدة طبية متنقلة لعلاجنا إذا مرضنا وهم حتى الآن لم يوفروا لنا حتى دورات مياه؟ لدينا الحل وهو جاهز... أن نستقيل من العمل!»... لكنني بعد هذه السنين من العمل مع الأزمة، بت أدرك أن المسئولين لو أرادوا حلها لاستطاعوا.
في يوم الأحد الموافق (11 ديسمبر/ كانون الأول 2011)، عقد اجتماع بمقر المؤسسة العامة لجسر الملك فهد، وهو الاجتماع الثنائي بين جمارك المملكة العربية السعودية وجمارك مملكة البحرين برئاسة مدير عام الجمارك السعودية رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة لجسر الملك فهد، صالح منيع الخليوي، ورئيس جمارك مملكة البحرين نائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة لجسر الملك فهد، الشيخ محمد بن خليفة بن علي آل خليفة، إذ تم التطرق إلى دراسة إيجاد الحلول التي تساهم في عملية تسيير وانسيابية حركة الشاحنات عبر جسر الملك فهد، ومع تواصل هذه الاجتماعات وكثافتها، فإن الحلول لا تبدو قريبة المنال.
وتعيد المؤسسة الأسباب ذاتها، فتكدس الشاحنات في المساحات المخصصة قبل الدخول لمنفذ الجسر بالجانبين، وقضاؤها فترة زمنية طويلة أحياناً، يأتي بسبب ضيق المساحة المخصصة للشحن بمنطقة الخدمات في الجسر، والتي يتم العمل حاليّاً على تنفيذ عدة مشروعات لتوسعتها، فمنطقة الشحن في كلا الجانبين خصصت لاستقبال نحو 150 شاحنة بالجانبين يوميّاً، غير أنها تستقبل ما لا يقل عن 1200 شاحنة يوميّاً حاليّاً، وهو ما يستدعي بالضرورة تكدسها!.
ووفقاً لما نشرته الصحافة؛ فإن الإجتماع تطرق إلى دراسة وإيجاد الحلول العاجلة التي تساهم في تحقيق انسيابية حركة الشاحنات تحديداً، وبالتالي تسهيل حركة التبادل التجاري بين البلدين عبر الجسر. حيث أبدى تجار وسواق شاحنات شكواهم خلال الشهرين الماضيين من تكدس شاحناتهم في مساحات مفتوحة قبل الجسر لفترات طويلة لأسباب مجهولة.
المؤسسة العامة لجسر الملك فهد، أعلنت مؤخراً المرحلة الثالثة من مشروع التوسعة المستقبلية لمناطق الإجراءات الحدودية للدولتين، والذي يتضمن زيادة مساحة جزيرة الحدود بنسبة 60 في المئة وتوفير 48 مساراً لكل جانب (48 للقدوم، 48 للمغادرة) مخصصة للمركبات الصغيرة في كل من منطقتي الجمارك والجوازات. وستمثل هذه المسارات زيادة في التوسعة الحالية بنسبة 167 في المئة مع تخصيص مساحة كافية للتوسع المستقبلي لعدد 20 مساراً إضافيّاً في كل اتجاه.
ويتضمن المشروع إنشاء جزيرتين جديدتين؛ إحداهما عند بداية الجسر من المملكة العربية السعودية والأخرى عند بداية الجسر من مملكة البحرين، وتبلغ مساحة كل واحدة من الجزيرتين 400 ألف متر مربع.
وبحسب مجلس الإدارة المؤسسة؛ فإن التوسعة ستوفر أيضاً 4 مسارات مخصصة للحافلات في كل اتجاه مع جميع المتطلبات الخاصة بها، إضافة إلى 8 مسارات مخصصة للشاحنات في كل اتجاه، مع مساحات جمركية للشحن تتسع لاستيعاب 400 شاحنة في وقت واحد، وكذلك ساحات انتظار لـ 400 شاحنة قبل مناطق الإجراءات في كلا الاتجاهين، أي بزيادة نسبتها 50 في المئة عن الساحات الحالية.
ومن المؤمل أن تنهي التوسعة بهيئتها الحالية كل مشكلات التأخير والازدحام على الجسر من الجانبين، على أن يكون المشروع جاهزاً بالكامل مع نهاية العام 2015، علماً بأن من المقرر أن تستوعب الزيادة 100 مليون مسافر سنويّاً، إذ مر عبر الجسر منذ افتتاحه حتى الآن 180 مليون مسافر.
حتى في أمسيات السمر، حين يجتمع السواق في مجموعات هنا وهناك... على بساط يفترشون الأرض أو في قمرات القيادة أو حتى على ظهر الشاحنة، فإن اكواب الشاي والقهوة هي الأخرى أصبحت مملة ومرهقة لهم... تماماً كما هي الأحاديث المتكررة عن قرب نزول الفرج وانتهاء الأزمة.
العدد 3492 - الخميس 29 مارس 2012م الموافق 07 جمادى الأولى 1433هـ
بشر والله بشر
يا مسئولين هؤلاء بشر لهم مشاعر واحاسيس وعائلات.... من سنة 2005 الى الحين لا يكون علبالكم هؤلاء رجال آليين..
انهم مشغولون بانفسهم
المواطن و همومة لايعني لهم الكثير
فاين التخطيط الاستراتيجي فهل زاد عدد الشاحنات فجئة ام بالتدرج في 2005 لم تحل المشكلة و تتفاقم حتى الان
ليش جزر جديدة
يقولون راح ينشأون جزيرتين لتوسعة منطقة الجمارك. السؤال عندكم جزر فاضية مساحتها بالكيلومترات يمر عليها الجسر .... بعد ليش الدفان؟ لزيادة المصاريف بس ؟
اشعر بشعورهم المتعب
ان انتظار انتهاء إجرائات الدخول والخروج من النقاط الحدودية البرية "في الدول العربية على وجه التحديد" متعب ومرهق جدا ..
عندما نصل إلى نقطة حدود برية عربية فإنك تضجر حتى تستطيع العبور بعد عدة ساعات
عدة ساعات كافية لجعل الشخص مرهق ومتعب في انتظار انهاء الإجرائات فكيف بحال من ينتظر عدة ايام ؟؟
يارب
ياربي فرجها عليهم