الذكرى جزء من التاريخ، فالتاريخ هو ذاكرة الجماعات والشعوب، فالحدث والزمن لا ينفصلان وهما أساس التاريخ، فالناس تبحث عن الذكرى الطيبة ذات الأثر العميق الذي لا ينسى لأنها الباقية وما عداها فهو الفاني، مهما نختلف يبقى الاحترام والعيش المشترك هو صمام الأمان الذي لا يسمح للتعدي على المقدسات والمعتقلات والمذاهب والأديان.
الشعوب تتعرض لانتكاسات وحوادث عدة، وهي انعكاسات لتواتر الأزمات لكنها في المقابل تعكس مواقف الرجال، فتشع صحائف وتسودّ أخرى، هذه الأزمات أمر طبيعي في سياق البشرية وحراكها المرحلي، فمنهم من ينتهز الحدث ليكون أول الركبان، ومنهم من يريد أن يقود الدفة نحو ما يصبو إليه من نهم وجشع فينسى مع ذلك إنسانيته وتحكيم عقله فيبدأ بالحبائل وعرقلة السلام وإشاعة الفوضى والدمار. إن أقصى درجات الدناءة أن يتم ضرب الناس فيما يعتقدون والنيل منهم فيما يدينون به ويعتبرونه مقدساً ويمس مشاعرهم واتجاهاتهم، وهذا التصرف يترك أثراً لا ينسى أبداً، وهو شعور يتوحد فيه الجميع ويتألم منه الكثير، وينزعج منه آخرون، ويدفع بهم إلى الانتقام بالطريقة نفسها وبالاتجاه نفسه، ويبقى الفعل ورد الفعل هما المسيطران على الساحة التي قد تنجر إلى أفق لا يعلم أحد إلى أين يصل مداه، وإلى أي بقعة يتسع وما هي كلفة خسائره التي تضيع معها الأوطان.
بالأمس القريب تعرض مسجد الصحابي الجليل صعصعة بن صوحان في قرية عسكر إلى التخريب والتكسير، كما سرقت بعض مقتنيات المسجد التاريخي، إذ كان للماضي أثراً، فصعصعة بن صوحان في البحرين مثالاً. صعصعة بن صوحان بن الحارث العبدي هو من أسرة آل صوحان التي تنتمي إلى قبيلة «عبدالقيس» من ربيعة. وكان والده كما قيل عنه سيداً مطاعاً في قومه، ورئيساً نافذ القول فيهم كما قالت عنه السيدة عائشة إنه «كان رأساً في الجاهلية وسيداً في الإسلام».
ولد صعصة العام 24 قبل الهجرة وأسلم ولم يرَ النبي (ص) كان من أصحاب الإمام علي (ع) فقد جاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال «وما كان مع أمير المؤمنين (ع) من يعرف حقه إلا صعصعة وأصحابه». لقد شهد له الجميع بالفضائل فقد قال عنه عمر بن الخطاب: «أنت مني وأنا منك» حتى ألد أعدائه معاوية بن أبي سفيان قال فيه: «وددت والله أني من صلبه» كان خطيباً مفوهاً إذ كان يسميه الإمام علي (ع) بالخطيب الشحشح. وفي كتب السيرة أنه كان كثيراً ما يتعرض للحكم الأموي في خطبه حتى قال له معاوية «أما والله يا بن صوحان إني لأبغض أن أراك خطيباً» فرد عليه ابن صوحان قائلاً «وإني والله لأبغض أن أراك أميراً». فلم يتحمل ذلك فأمر واليه على الكوفة المغيرة بن شعبة بإبعاده ليحقق تهديده «والله لأجفينك عن الوساد، وأشردن بك في البلاد» ونفاه إلى جزيرة أوال، إذ توفي الصحابي فيها سنة 56 هجرية وله من العمر سبعون سنة، ودفن في قرية عسكر الواقعة جنوب جزيرة المنامة.
إن وجود صعصعة مفخرة لأي بلد، فحرام أن ينتهك، وعجباً لمن ينادون بحماية التراث كيف يتركون أقدم مسجد تاريخي نهباً للعابثين.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 3490 - الثلثاء 27 مارس 2012م الموافق 05 جمادى الأولى 1433هـ
اختي الفاضله بارك الله لك مقالك
هل يعتقد من قام بهذا العل الشنيع انه بامكانه ان ينسي الناس امثل هؤلاء الصحابه الكرام كلا والف كلا..
رب ارجعوني,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
كما أن في الأحياء للظلم أعداء, فكذلك في الأموات أرواح للأحياء
إن أقصى درجات الدناءة أن يتم ضرب الناس فيما يعتقدون والنيل منهم فيما يدينون به ويعتبرونه مقدساً
ويمس مشاعرهم واتجاهاتهم، وهذا التصرف يترك أثراً لا ينسى أبداً، وهو شعور يتوحد فيه الجميع ويتألم منه الكثير، وينزعج منه آخرون، ويدفع بهم إلى الانتقام بالطريقة نفسها وبالاتجاه نفسه، ويبقى الفعل ورد الفعل هما المسيطران على الساحة التي قد تنجر إلى أفق لا يعلم أحد إلى أين يصل مداه، وإلى أي بقعة يتسع وما هي كلفة خسائره التي تضيع معها الأوطان.