العدد 3489 - الإثنين 26 مارس 2012م الموافق 04 جمادى الأولى 1433هـ

إرادة الإصلاح الحقيقية وإعادة بناء الثقة

خليل بوهزاع comments [at] alwasatnews.com

ثورة، انتفاضة، حراك شعبي، فوضى، سمِّها ما شئت، هي الأحداث التي مرت بها البحرين طوال العام الماضي ومازالت آثارها حاضرة. وإن اختلفنا في توصيف طبيعة الحراك، إلا أن لكل موقف وسلوك أسبابه، وحراك 14 فبراير/ شباط لا يعدو كونه نتيجة لتراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية كانت تغلي ووجدت الفرصة لتخرج في صورة تظاهرات واحتجاجات.

ومما لا شك فيه أن العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي من تدفع بالناس إلى الخروج للشوارع مطالبين بحقوقهم، وربما قد تأخذ تلك التحركات في بعض مناحيها شكلاً عنيفاً في التعبير عمّا يعانيه الفرد من تهميش وإقصاء واعتباره مواطن درجة ثالثة. وقد بدا ذلك واضحاً حتى في أكثر المجتمعات الأوروبية تمدناً، سواءً ما شهدته ضواحي باريس العام 2005، والأحداث التي شهدتها بريطانيا العام الماضي، وصولاً إلى المظاهرات والإضرابات المستمرة في اليونان احتجاجاً على خطط الحكومة الرامية إلى تقليص النفقات في أكثر من قطاع، وشعور اليونانيين بأن تلك الأزمة سببها التفرد في السلطة وفساد الأحزاب السياسية الحاكمة.

وفي جميع تلك النماذج نرى أن الفرد حينما يفقد الشعور بالأمن والاستقرار، بأشكاله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويغيب عنه الإيمان بوجود دولة تراعي مصالحه كمواطن أسوةً بنظرائه في الوطن، يضعف لديه شعور الانتماء وأهمية الالتزام بالقانون، وتصبح مؤسسات الدولة لديه فاقدة الشرعية، كونها لا تقوم على احتياجاته، وكنتيجة طبيعية فقدان الثقة في الدولة بشكلها العام، ويركن المرء إلى أطر تقليدية يرى فيها خط الدفاع الأخير عن كيانه، ويرى في أية ممارسات تقوم بها الدولة، حتى وإن كانت تنظيمية في شكلها، استهدافاً له ولانتمائه التقليدي.

من هنا تبدأ مرحلة اضمحلال الثقة بين طرفي المعادلة السياسية، الحكم والمجتمع، فالأول يرى في المجتمع والشعب «مخرباً» وتحركه أجندات «خارجية»، وهو خطابٌ تبنته أغلب الأنظمة العربية التي شهدت دولها ثورات وانتفاضات شعبية، بما فيها منطقة الخليج، والثاني، أي المجتمع، يرى في النظام ديكتاتورية مطلقة متسلحةً بالسيطرة الكاملة على مقدرات وثروات الوطن، وتوزيعها على الفئات الطفيلية التي تتماهى معه في سياساته.

في هذا الصدد، يصف بدقة أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز الدراسات الدستورية والسياسية بجامعة القاضي عياض المغربية أمحمد مالكي، الأسباب التي تعزز عدم الثقة في المجتمعات العربية، بما فيها الحالة الخليجية قائلاً: «إن النظم السياسية العربية تشترك في خاصية استتباع الدولة والمجتمع معاً والتحكم فيهما، حتى تحولت الدولة إلى مجرد أداة تسلُّط وكاد المجتمع أن يندثر بالكامل، وساعدها على التفرد بهذا النمط في الحكم بناء شرعيتها على غير عناصر الشرعية الديمقراطية المألوفة في نظم الحكم الحديثة، فانتزعت شرعيتها عنوةً، إما بالاستناد على الدين والتاريخ، أو باستثمار مقولة الكفاح الوطني ومقاومة الاستعمار، أو باستغلال العناصر الجاذبة في شخص الحاكم والاعتماد على مؤسسات وآليات عصرية شكلية، وجميعها أسباب تؤدي إلى فقدان الثقة في الدولة ومؤسساتها.

لاشك أن غياب الثقة بين فرقاء العمل السياسي في أي مجتمع يعقّد الحلول لأية أزمة سياسية، حيث التشدد يكون سمة مطالب الطرفين، لاسيما وإذا ترافق هذا الصراع مع قمع وقتل وتعذيب وانتهاك لجميع الحرمات، والضرب بحريات المواطن عرض الحائط، وهو غالباً ما تتبناه الأنظمة المتخلفة لصد أي حراك سياسي مطلبي. والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي نفسها العناصر التي تفسّر تطور الأوضاع في 14 فبراير من العام الماضي.

فعلى المستوى السياسي، تم تجاوز ما تم الاتفاق عليه في ميثاق العمل الوطني منذ العام 2002، من ضرورة تكريس قيم الديمقراطية والمواطنة الحقيقية في سلوك ومؤسسات الدولة، وقيام سلطة تشريعية معبرة عن تطلعات وآمال المواطنين، وصولاً إلى جملة القوانين التي في ظاهرها تنظيمي وفي باطنها آلاف القيود على نشاط مؤسسات المجتمع المدني، أدت إلى قيام دولة عصرية في شكلها الظاهري، ناهيك عن غياب قيم حقوق الإنسان من حيث التعاطي مع الناشطين على المستويين السياسي والحقوقي.

وعلى المستوى الاجتماعي، ساهمت آلة الإعلام الرسمية مع صحف تموّل من جهات معروفة للعيان في شق المجتمع على أسس طائفية حتى قبل حراك 14 فبراير بعشر سنين، وبدأت منظمات «المجتمع المدني» الحكومية (GNGO) في الازدياد لتشكّل عائقاً كبيراً ضد تطوير عمل هذه المؤسسات نحو المزيد من المهنية في تعاطيها مع القضايا التي تعمل من أجلها، وتمكين ذوي الخطاب التحريضي والطائفي والإقصائي على المنابر الدينية وفي المناصب الرسمية.

أما على المستوى الاقتصادي، فلا يوجد أوضح مثال من ملف أملاك الدولة الكاشف بالوثائق سرقات، لم توفر حتى أراضي المدارس، تقدر قيمتها بالمليارات، بينما يظل أكثر من 52 ألف طلب إسكاني معلقاً، والمواطن يرى يومياً المشاريع العقارية السكنية تُبنى لبنة لبنة من أموال كان يفترض أن توظف في حل المشكلة الإسكانية، إضافة إلى عمليات التوظيف التي تتم في العديد من القطاعات على أسس ولائية طائفية وعرقية، وشواهدها كثيرة ولا تنحصر في فئة عن أخرى.

وقد شكّلت جميع تلك القضايا أرضية مناسبة لانطلاق الناس في الشوارع في 14 فبراير للمطالبة بحقوقها المشروعة، وفي الوقت ذاته زيادة حجم عدم الثقة في المشاريع الرسمية. كما زادت عمليات القمع وحالات التعذيب وسقوط الضحايا والفصل والاعتقال، وجميعها موثقة في تقرير لجنة تقصي الحقائق، نتيجة لحالة عدم الثقة، التي نحن عليها الآن، وبالتالي تزيد من صعوبة التوصل إلى حلول للأزمة السياسية التي تعيشها البحرين.

إن ما سبق يتفق مع رؤية المالكي من أن هكذا أزمات أدت إلى اهتزازات قوية ومكلفة بشرياً، تؤشر لميلاد لحظة سياسية جديدة تحتاج إلى عقد اجتماعي جديد، ما يعني بناءً مغايراً للعلاقات بين الدولة والمجتمع، وبذلك فهو يرى ضرورة إعادة بناء الثقة بين طرفي المعادلة السياسية، تأسيساً على إعادة بناء الشرعية وتأسيسها على قاعدةٍ من الديمقراطية، وتقوية المؤسسات وتعزيز المشاركة، ويقصد بها مؤسسات التشريع والقضاء وكذلك السلطة التنفيذية، إضافة إلى تأكيد الحقوق والحريات وضمان ممارستها وإقرار المواطنة الكاملة وإشاعة العدالة الاجتماعية. بمعنى أن يسود القانون على الجميع فيكون هو الحامي لحرية الأفراد في المجتمع، والضامن الأكبر لعدم عودة أساليب القمع والإقصاء.

إن الثقة المراد تعزيزها في المجتمع تقع بشكل أكبر على كاهل الطرف الأقوى في المعادلة السياسية والممسك بخيوطها، والذي يفترض مسبقاً وجود الإرادة الحقيقية لديه للإصلاح، من حيث الإقدام على خطوات جدية تسهم في رسم ملامح مستقبل البلاد، ومن دونها، فمهما أطلقت مبادرات للحوار والتوافق، فلن يكتب لها النجاح طالما لم تُحل أزمة الثقة.

إقرأ أيضا لـ "خليل بوهزاع"

العدد 3489 - الإثنين 26 مارس 2012م الموافق 04 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 6:08 م

      نحبك ياصوت الوطن

      مميز دائما ياصوت العقل والقلب ، نحبك .
      أبوزينب .

    • زائر 6 | 3:34 م

      مميز

      احب اقرأ مقالاتك استمر عزيزي

    • زائر 5 | 6:44 ص

      الواقع المر من الانضمة العربية الاستبدادية

      الدول الاستعمارية هي التى تحرص على بقاء هذة الانظمة المخادعة لتظمن التخلف والفقر لحميع الشعوب العربية وتسيطر هي على مقدرات الشعوب ومصائرها ولكن لكل شئ نهاية . وهذه هي بداية النهاية لهذه الانظمة المتخلفة المنحطة ان تزول بارادة الشعوب المظلومة ومسلوبة الارادة ان تعيد كرامتها ودورها في الحضارة والتقدم

    • زائر 4 | 5:26 ص

      بو هزاع

      كاتب مثقف وواعي جدا أتمنى لك التوفيق من كل قلبي

    • زائر 3 | 4:30 ص

      مقالات متميزة

      اقرء لك من بدأت تكتب في الوسط اتمنى التوفيق وعلى القوه

اقرأ ايضاً