العدد 3488 - الأحد 25 مارس 2012م الموافق 03 جمادى الأولى 1433هـ

هموم على هامش معرض الكتاب

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

معارض الكتب، فيها المرئي واللامرئي. المرئي فيها، هو مجموعة الكتب المسَجَّاة على الرفوف بإتقان، وذهاب الجائلين وإيابهم على دُور النشر للسؤال بشأن هذا الكتاب أو ذاك. واللامرئي فيها، هو معاناة الكتب ومؤلفيها وناشريها قبل أن تظهر مُنمَّقة أمامنا نقلبها ذات اليمين وذات الشمال بهزة كتف. فالكتاب، ندفع من أجل شرائه (مُكرَهِين متأففين أيضًا) عشرين دولارًا لكننا نجهل الوقت الذي بذله المؤلف أو الناشر أو المترجم لكي يُتِمُّوه بالشكل الذي نراه. وهي بحق، مسيرة من المعاناة، تشبه يوم تضع المرأة جنينها، حيث يتباشر الناس ويسعَدون به، من دون أن يتذكروا لحظة واحدة، كيف كانت تلك المرأة تعاني طيلة أشهر من الحمل.

أكثر المعاناة إيلامًا للكتاب العربي، هو حجم الإهمال الذي يقع عليه. فالكلفة العالية، من اختيار الفكرة، إلى المنهجية، إلى البحث والتحري، وتجميع المصادر، والإضافة والإحالة والتقديم والتأخير والحذف والتعديل، ثم المراجعة الأولى والثانية والثالثة، والتأكد من عصر آخر ما ارتبط بالبحث من تطورات جديدة، ولغاية وصوله إلى المطبعة ثم المراجعة مرة أخرى، مرورًا بالشحن والتخزين، والإيجار المتري في المعارض، وإقامة الباعة ومعيشتهم وتنقلاتهم، حتى وصول الكتاب إلى يد القارئ، هو طريق مضنٍ، ويحتاج إلى نَفَس، فضلاً عن التكاليف المادية الباهظة، التي قد لا يتصوَّرها من يقتنيه جاهزًا بأبهى حلة. وهي صناعة، يتعب فيها أناس كثيرون، بالضبط، كما هو رغيف الخبز، الذي بات يُضرَب به المثل في مراحل إنتاجه المتعددة.

ما أريد أن أرمي إليه؛ هو تردي الدعم للكتاب والذي من الواجب أن تقوم به النظم العربية. هناك دور نشر عربية جادَّة وطموحة، وذات إنتاج علمي غزير، هي في طريقها إلى الاندثار وقفل الأبواب. فهي غير قادرة على الموازنة، ما بين اختيار الموضوعات المهمة ومؤلفيها، ثم التجلّد على محطات البحث والطباعة والتسويق وصولاً إلى قلة البيع، التي عادة ما تكون بسبب أسعار الكتب العالية. وهي بالتالي لا تستطيع أن تجعل الكتاب «زادًا للجميع» بدلاً من تحوّله البطيء إلى «زاد الأغنياء» فقط، ليضاف إلى احتكارهم للمادة وحياة الرفاهية الاجتماعية والبذخ.

إن عدم قيام الدول العربية بدعم الكتاب، سواء عبر شراء كميات كبيرة منه (كما تفعل إمارة الشارقة بدعم من حاكمها الشيخ سلطان بن محمد القاسمي) أو عبر الدعم المادي المباشر لسدّ العجز الناتج عن الأسعار المرتفعة للورق والأحبار والأيدي العاملة، وتشجيع التأليف والبحث والابتكار، وتقليل الإيجارات المفروضة في معارض الكتب، وفرض تسهيلات للإقامة، وغيرها من الأمور، سيدفع الناشرين والمؤلفين إلى مزيدٍ من الضعف وانعدام الحافز، وهو ما سينعكس سلبًا على الحركة الثقافية في العالم العربي بأسره، وبالتالي حصول هوّة ثقافية، مع المحيط المجاور، وحتى على مستقبل التعليم والبحث الجامعي.

عندما نرجع إلى التاريخ، نجد كيف أن الأوروبيين، وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كانوا قد ثوَّروا الإنتاج الثقافي والتأليف، وتكثير الطباعة وتوزيع الكتب، وجعلها متاحة لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع الأوروبي. لقد انتشرت في ذلك الأوان روايات والتر سكوت وأليساندرو مانزوني، وكتابات يوجين أوينغن وبوشكين، وأعمال موسيه وهوغو وثيوفيل غوتييه وغيرهم.

وإذا كانت الأحداث التي مرَّت بها القارة الأوروبية، سواء على مستوى الثورة الفرنسية أو الصناعية في بريطانيا، وما أدى ذلك إلى إنتاج مجتمع برجوازي، وطبقة وسطى نشِطة، هي التي ساهمت بطريقة وأخرى في تنمية تلك المواهب التأليفية والفنية؛ فإن مسألة دعم الثقافة والعلوم، كانت العامل الأبرز في أن تتحول ثقافة الكتاب والمقروء عمومًا، إلى نظام عام، استطاعت من خلاله الشعوب الأوروبية، أن تنتج لنفسها مدماكًا ثقافيّاً واسعًا وبلغات مختلفة. وُجِدَ ذلك في فرنسا والنمسا وروسيا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول.

كان الشاعر البريطاني الرومانسي جورج غوردون بايرون (1788 - 1824) قد حصل على مبلغ 2600 جنيه استرليني (بحساب ذلك الزمان) نظير قصائده المسمَّاة «رحلة تشيلد هارولد». وكان النبلاء ينفقون الأموال الطائلة، لكي تستطيع الفرق الموسيقية أن تقيم حفلاتها العامة في بريطانيا، وغيرها من الأراضي الأوروبية. بل إن القطاع العام (فضلاً عن الخاص)، وعلى رغم التحوُّل في مفهوم توجّهات الدولة الأوروبية الحديثة في مجال الاقتصاد؛ كان يساهم بشكل كبير في دعم الفنون، وخصوصاً في مجال فن العمارة، الذي وصل إلى مستوى متقدم.

إن مسألة الدعم للكتاب العربي، وللترجمات الحيَّة باتت مسئولية أخلاقية تقع على عاتق الدول العربية وبصورة مُلِحَّة. فإذا كانت موازنة أربع دول عربية فقط تزيد على 237 مليار دولار، فلا أعتقد أنها ستكون عاجزة عن تخصيص أعشار ذلك المبلغ لدعم الكتاب، ودور النشر العربية، وعمليات الترجمة للتراث الأوروبي، وحتى القديم والمتعلق بالحقب السحيقة، كالبابلية مثلما فعل سعيد الغانمي في حراثة المفاهيم. فالثقافة ليست مزحة، ولا كمّاً مهملاً لدى الشعوب والأمم، لأنها الأساس في تطور الناس، وجعل الدول تتحصَّل على مراتب أممية متقدمة، في المجالات المدنية والخدمات التي تقاس بها نجاحات الدول.

أكثر ما يتمناه المواطن العربي، هو أن يرى الناشرين مدفوعين لسبر أدق الأعمال الثقافية، لتنويع أشكال الأفكار المعروضة، وأيضًا، أن يرى ذلك المواطن، أن الكتاب قد أصبح متاحًا للجميع، حينها ستكتشف الدول العربية، أنها صنعَت ما يجب عليها صنعه، بتأسيسها جيلاً صاعداً، لن يكون أقل من غيره من الأجيال.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3488 - الأحد 25 مارس 2012م الموافق 03 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • ابن الحسن | 2:47 ص

      أوافق الكاتب على مجمل ما قال

      ولكن، لا أعتقد بأننا نحتاج للرجوع للحقبة البابلية، ولدينا الإسلام يكفي عن هذه الحقب

اقرأ ايضاً