العدد 3488 - الأحد 25 مارس 2012م الموافق 03 جمادى الأولى 1433هـ

المدسوسون!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يطل شهر العسل بين حركتي «حماس» و«فتح» لأكثر من شهر حتى تفجّرت حرب جديدة من التصريحات الملتهبة.

هذه حالةٌ كلاسيكيةٌ تماماً في تجارب الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والكرامة وتحرّر الإنسان. فقد رأينا كيف انقلبت الطاولة من مصالحة إلى مصادمة خلال أسابيع. ولكن هل كان ذلك بعيداً عن الأصابع اليهودية، المتضرر الأكبر من أية مصالحة أو وفاق وطني فلسطيني؟

في السابق كان التجسّس وعمليات الدس تتم بصورة مكشوفة ومباشرة، وقد رسّخت الأفلام المصرية صورة المخبر الغبي الذي يجلس في مقهى شعبي ليتجسّس على بطل الفيلم وأصحابه. وهو إمّا أن يخفي وجهه وراء صحيفة يتلصص من ورائها على ضحاياه، وإما أن يضع على عينيه نظارةً شمسية سوداء حتى لو كان الوقت منتصف الليل!

هذه الصورة النمطية التي رسختها السينما المصرية منذ الخمسينيات، يوردها أيضاً بدر شاكر السياب في قصيدته «المخبر»، الذي يبدو أنه كان يتعرّض لمراقبة أحدهم مستخدماً التقنية ذاتها (التخفي وراء صحيفة)، حيث يقول على لسانه:

أنا الحقير... صبّاغ أحذية الغزاة وبائع الدم والضمير

أقتات من جثث الفراخ أنا الدمار أنا الخراب

شفة البغيّ أعفّ من قلبي وأجنحة الذباب

هذه الصورة المونودرامية تطوّرت مع الأيام، فبينما كان المخبرون في الدول العربية قبل ثلاثين عاماً ينشرون الشائعات بين الناس من خلال المجالس والأندية والمساجد، فإنهم أصبحوا في نهاية التسعينيات يكتبون مقالات بأسماء مستعارة لإيصال ما يريدون. وبعضهم ينشرها في صفحات الرأي، بينما يمعن آخرون في التخفي بنشرها في صفحات القراء!

الجيل الجديد من المقتاتين على جثث الفراخ، وتماشياً مع ثورات الربيع العربي، شهد نقلة نوعية في كروموزومات مراكز التفكير في المخ، فيحاول الدخول على مواقع التواصل الاجتماعي، ليدسّ ما يريد، مع ان بعضهم لايزال لا يجيد استخدام «الآيفون»!

الخطة بسيطة جداً، وتكتيكها معروف حتى لتلاميذ المدارس الاعدادية هذه الأيام. أن تضع صورةً لأحد الشخصيات المعارضة رمزاً لك، لتطمئن لك جماهير «التويتر» و «الفيسبوك». الخطوة التالية: ابدأ بالتشكيك في مواقف أطراف أخرى من المعارضة. ثالثاً: ابدأ بتقديم نفسك كشخصٍ صاحب فكرٍ ثاقب، لا تفوتك صغيرةٌ ولا كبيرةٌ من تصريحات الشخصيات الوطنية، وانتقِ بعضها لتخوض معركة تفتيت الصفوف. رابعاً: استمر في المزايدة... فكلما زايدت على الآخرين كوّنت لنفسك صورةً نمطيةً للشخص الغيور على مصالح الشعب والمدافع عن حقوقه.

في السابق كان اللعب على المكشوف، فالمخبر المتخفي وراء صحيفة يعرفه جميع رواد المقاهي الشعبية في الدول العربية! وهو ما عبّر عنه السيّاب بقوله: «إني أحسك في الهواء وفي عيون القارئين»!

والصحافيون المشبوهون الذين يكتبون مقالاتٍ بأسماء مستعارة أو غير مستعارة، ويعرفهم عموم القراء من المحيط إلى الخليج. وكانوا يكافئونهم بألقاب ذات دلالات سيكولوجية مثل الجعابو والقراريص. المشكلة هي في هذا العالم الافتراضي، حيث يكثر المندسون والمتلصّصون وأصحاب الأسماء المستعارة والصور الكاذبة... في عز الربيع العربي.

هل تستغربون لماذا انقلبت الطاولات في غزة، وتحوّل مشروع المصالحة الوطنية بين «فتح» و«حماس» فجأةً إلى حملة جديدة من الشتائم؟ تحسّس رأسك! تحسس عقلك! تحسس «تويترك»... حتى وأنت في عز الربيع العربي!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3488 - الأحد 25 مارس 2012م الموافق 03 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 4:20 ص

      aa

      عجبتني هذه الايه( سيهزم الجمع ويولون الدبر)سنرى يومنما أدبارهم وان طال الزمن

    • ابن الحسن | 3:09 ص

      صحيح أن الاشاعات لها دور...

      وأن المخابرات لها دور، وأن المغرضين لهم دور..
      ولكن لا نستطيع أن ننسى أن الجميع يبحث عن مصلحته، وإن تغنى بالشعب، وكل يدعي وصلا بليلى..
      وطبعا ما بني على باطل فهو باطل..
      أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
      لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَليم حكيم

    • زائر 5 | 2:40 ص

      يختلفون زمانا ويتفقون شكلا

      زمانهم مختلف ووسائلهم مختلفة لكن شكلهم واحد وهو وجوههم السوداء

    • زائر 4 | 2:07 ص

      في الصميم

      استاذ قاسم ، واصل ابداعك
      واكيد الان سيتحسس الكثير رؤوسهم ..

    • زائر 2 | 1:26 ص

      سلمت أناملك

      مقال رائع بمعنى الكلمة وهذا ما يحدث في عالم التويتر الخفي .

اقرأ ايضاً