لا يمكن لأحد أن يقيس الألم بمقدارٍ مادي، أو يعوِّض الفقد وسنوات العمر المهدورة بمال. ولا يمكن لأحدٍ أيّاً كان أن يمحو الذاكرة المتعبة بكلمةٍ أو مبادرةٍ من غير عملٍ جادٍ يغيّر تلك الذاكرة ويشفيها من محنتها.
لكن الإعلان عن صندوق التعويضات للمتضررين من الأحداث الأخيرة التي شهدتها مملكة البحرين ولاتزال، كانت خطوة أولى باتجاه تحقيق العدالة الانتقالية التي يجب أن تبدأ بتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق من غير مماطلة أو تسويف، في خطوات واضحة وضمن خطةٍ زمنيةٍ معلنة. تنفيذها بكل ما جاءت به ابتداءً من عودة المفصولين ووصولاً إلى إيقاف محاكمة من عبَّر عن رأيه في نطاق حدود حرية التعبير المكفولة دستورياً، إضافة إلى إيقاف محاكمة الأطباء الذين لم تثبت التهم عليهم والتي فنّدها تقرير بسيوني، والفيلم الوثائقي الذي عرضته هيئة الدفاع في الجلسة الأخيرة، وإيقاف محاكمة كل من لم يرتكب جرماً سوى أنه عبَّر عن رأيه، وانتهاءً بمحاكمة من ثبت تورطه في تعذيب المعتقلين أو كان سبباً في إزهاق أرواح مواطنين.
قائمة تطول وتطول يجب أن تنفذ لتؤكد حسن النوايا لا يمكن حصرها في مقالٍ واحد، وكثيرٌ من بنودها جاء ضمن توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق. وتنفيذها أول الطرق لتهدئة الخواطر والسير نحو العدالة الانتقالية المنشودة، للوصول إلى حلٍ سياسيٍّ مرضٍ ينهي الأزمة في البلاد.
أن يتم تخصيص مبلغ 10 ملايين دينار لتعويض المتضررين لهو أمرٌ مهمٌ وجديرٌ بالتنفيذ، برغم أنه يبدو غير كافٍ إذا ما نظرنا إلى حجم الانتهاكات والأضرار المادية والنفسية التي تعرض لها جزءٌ كبيرٌ من أبناء البحرين، خطوةٌ مهمةٌ إذا ما انتفى شرط التنازل عن القضايا المرفوعة ضد المتسببين في تلك الأضرار، فهذه التعويضات حقٌ من حقوق المتضررين المادية، كما أن محاسبة المسئولين عن المخالفات حقٌ مهمٌ من حقوقهم أيضا، وواجبٌ على أية دولة تدعي الديمقراطية والعدالة.
ومن يقبل بهذا التعويض/ الحق، لا يعني أنه يتنازل عن دماء الضحايا أو عن الحقوق كما أشيع مؤخراً، ولمن أشاعه بعض حق في ذلك، فكما ذكرت في بداية المقال إن الأمر يبدو صعباً حين نقابل الدم والحرية وسنوات العمر الضائعة والأضرار النفسية بالمال، ولكن هناك فرق كبير بين أن أقبل بأخذ حقي المادي وأن أتنازل عن قضيتي وحقي في محاسبة المذنبين، إذ لا دخل لهذا بذاك، خصوصاً أن المبلغ خُصِص اليوم، وبإمكان أي أحد أن يطّلع على الشروط المرفقة قبل توقيع أية استمارة أو ورقة، باعتباره حقاً من حقوقه.
البلدان العربية الأخرى سبقت مملكة البحرين في هذه الخطوة، فهي ليست جديدة على مثل هذه الأحداث، فحين قام ملك المغرب الحسن الثاني بإجراءات التحول والمصالحة مع المعارضة العام 1995، أنشئت «هيئة الإنصاف والمصالحة» لتقصي الحقائق، واختتمت أعمالها في دفع تعويضات للضحايا والعمل على إصلاح وتأهيل عدد غير قليل من المؤسسات في العام 2005، فكانت تجربة فريدة قام بها النظام نفسه لكي تحقق صالح المواطن العام.
إضافة إلى تجربة جنوب إفريقيا من خلال لجنة «الحقيقة والمصالحة» في 1995 أيضاً، والتي تشكلت للتعامل مع قضايا الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها السكان السود في جنوب إفريقيا في فترة التمييز العنصري الطويل.
وكلتا التجربتين كانتا حاضرتين في كلمة وزيرة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية حين أعلنت عن خطة عمل صندوق التعويضات، التي نرجو أن تقدمها بشكلها الجيد، وأن تقوم بتطويرها بما يتناسب وحجم الانتهاكات التي تعرض لها الشعب البحريني في تلك الفترة، يسبقها تنفيذ توصيات بسيوني كاملة، ومحاكمة جميع من ثبت تورطه في انتهاك حقوق الإنسان، إضافة إلى السير نحو الوصول لحلٍ سياسيٍّ يعيد للبلاد استقرارها وهدوءها، لتطبَّق به مبادئ الديمقراطية، فيكون الشعب مصدراً للسلطات.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3488 - الأحد 25 مارس 2012م الموافق 03 جمادى الأولى 1433هـ
جميل
التعويضات حق من حقوقكم طالبوا بها وخذوها ، وسنستمر في طريقنا ومطالبنا
التعويض المالي لا يسقط الحق
سجلوا ووثقوا واستلموا تعويضاتكم لكن لا ولا تتنازلوا عن حقكم في مقاضاة خصمكم
التعويض لا يسقط الحق
مهما كان الضرر صغيرا طالبوا بالتعويض وبالحق
لا يزال أطفالنا يصرخون
لا دين ... لا أخلاق .... لا قيم ... ولا دور عبادة ...
تحترم !!
.... فدماء الأطهار ....
تزهق !!
وصراخ الأطفال ....
تسمع !!
وأرواح الأجداد ....
تزهق!!
وعبيد الطفاة تبتهل .... فلا عجب ....
سنأخد حقنا
شكرا لك استاذه سوسن وحقنا سنأخذه من الدولة ومن المتسببين في قتل ابنائنا وسرقة اغراضنا وعتك اعراضنا
شكرا لانك طرحت هذا المقال ليعرف الناس اهمية ان شأخذوا حقهم من المعتدي فالمبلع من حقنا نحن ويجب ان لا نتنازل عن هذا الحق وكما ذكرتي لا دخل لاخد حقنا بتنازلنا عن دماء الشهداء