صاحب العمل أخبر «البلديات» بأنه أخلى المبنى بمنطقة القضيبية وهو لم يخله... هكذا كانت البداية ولكن لم تنته فصول الحكاية، ولذا كان للقدر كلمة الفصل في ذلك حينما شبّ حريق في (17 يوليو/ تموز 2006) عند ساعات الفجر بالمبنى الذي يستخدم لسكن عمال وتسبب الحادث بوفاة 16 عاملا هنديا قضوا معظمهم اختناقا أثناء نومهم فيما تمكن أكثر من 200 عامل آخر من النجاة بعيد اكتشاف الحريق، حيث أصيب بعضهم جراء القفز من النوافذ.
هذه الفاجعة ليست الأولى من نوعها ولكن وقعها كان كالصاعقة على الجميع وفتح وقتها الكثير من التساؤلات بعدما أكدت وزارة العمل أن سبب الحادث كان واضحا، وهو غياب اشتراطات السلامة والصحة المهنية، وطلبت من النيابة العامة تحميل صاحب العمل المسئولية الكاملة.
عند ساعات الفجر الأولى من فجر الجمعة (7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008) اندلع حريق بشكل مفاجئ بمسكن للعمال بمنطقة جدحفص وتمكن وقتها ما لا يقل عن 17 عاملاً من الهرب من داخل المبنى، فيما نجح 25 إطفائيا بصحبة 7 ضباط من الإدارة العامة للدفاع المدني مدعومين بثماني آليات إطفاء في إخماد الحريق الذي كان قد انتشر قبيل الإبلاغ عنه وقد أسفر عن مصرع 3 عمال آسيويين من بينهم شقيقان. ومن خلال تحقيق قسم السلامة المهنية في وزارة العمل تبين أن المسكن كان عبارة عن منزل آيل للسقوط تم استئجاره وتجهيزه لعدد كبير من العمال الآسيويين من دون إخطار الوزارة عن عنوان السكن بما يعد مخالفة واضحة لجميع القوانين والقرارات المتعلقة بالشروط بمساكن العمال، كما كان بمثابة جرس الإنذار لأن يفتح قسم السلامة المهنية في وزارة العمل تحقيقاً موسعاً عن التزام أصحاب الأعمال بتوفير مساكن للعمال مستوفية لاشتراطات الصحة والسلامة فيها وخاصة مع ازدياد معدلات حوادث الحريق بالمساكن.
نظراً إلى انخفاض درجات الحرارة وزيادة البرودة في مساء يوم الاثنين (23 يناير/ كانون الثاني 2012) قام العامل الآسيوي سينل (26 عاماً) مع 4 من رفاقه بإشعال بعض الجمر في دلو للصباغة ثم تركوه بالغرفة التي يقطنون فيها بمسكن للعمال بمنطقة سوق واقف، وعندما تأخروا صباحاً لافتتاح الورشة التي يعملون فيها، ذهب بعض من زملائهم للاطمئنان عليهم، فوجدوا أن 4 منهم توفوا اختناقاً بغاز أول أوكسيد الكربون السام، فيما نقل سينل الذي كان يعاني من صعوبة كبيرة في التنفس للمستشفى لتلقي العلاج، بينما سينل غادر مؤخراً البحرين تاركاً وراءه ذكرى مؤلمة ودفع فيها 4 من رفاقه الثمن غالياً وليفتح الباب مصراعيه مرة أخرى على المنشآت غير الملتزمة باشتراطات الصحة والسلامة بمساكن العمال، حيث تبين من تحقيق قسم السلامة المهنية في وزارة العمل أن قسم السلامة المهنية تلقى بلاغاً من الجهات الأمنية يفيد بوفاة 4 عمال اختناقاً في سكنهم بمنطقة سوق واقف، وعلى الفور توجهت وحدة التحقيق بغرض الكشف والمعاينة، وتبين من خلال التحقيق المبدئي أن انخفاض درجة الحرارة دفع بالعمال لإشعال بعض الجمر في غرفتهم وتركها بالداخل وهم نائمون، ما تسبب بزيادة كمية غاز أول أوكسيد الكربون السام الذي تسبب باختناقهم ووفاتهم.
وأفاد وقتها مدير التفتيش والنقابات العمالية في وزارة العمل أحمد الحايكي بانه «عند معاينة الغرفة تبين أنها مغلقة بإحكام ولا يوجد أي منفذ للتهوية، ما تسبب بنقص كمية الأوكسجين وزيادة نسبة الغاز السام بالغرفة وتوفي على إثرها 4 عمال آسيويين مسجلين على منشأتين مختلفتين، وفي ضوء تلك الحيثيات؛ فإن التحقيق لايزال جارياً في الحادث وللتأكد من المخالفات القانونية للقرار الوزاري رقم 8 للعام 1978 بشأن تنظيم الصحة والسلامة بمساكن العمال، ومن بعدها سيتم إعداد التقرير النهائي بالحادث وسيتم تسليمه إلى النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم في مثل هذه الحالات».
إلى ذلك، قال ممثل الدائرة الثالثة بمجلس بلدي العاصمة صادق رحمة: «من حقنا أن نتساءل عن المسئول عن هذه المساكن وعما يحدث فيها من حوادث وما يرافقها من ضحايا وأراوح وخسائر مادية، حيث نرى الوزارات والجهات الحكومية تتملص من المسئولية وتلقي اللوم على جهات أخرى، بينما نرى أن وزارات العمل والداخلية والصحة والبلديات هي المسئولة عن الموضوع وتفاقم الأزمة».
وأضاف «الجميع يتذكر مأساة حريق القضيبية الذي أودى بحياة 16 عاملاً وحريق جدحفص الذي توفي فيه 3 عمال، ومؤخراً حادث سوق واقف الذي راح ضحيته 4 عمال اختناقاً بالاونة الأخيرة، وجميع تلك الحوادث اتضح بعد التحقيق فيها أن لها قاسما مشتركا، وسببا واحدا يجمعها وهو عدم الالتزام بالاشتراطات في هذه المساكن».
وقال رحمة: «إن الحكومة هي مسئولة بالدرجة الأولى عن المشكلة بأكملها وذلك عبر الجهات المعنية في الوزارات، فمثلاً وزارة العمل مسئوليتها متابعة سكن العمال من ناحية السلامة وتطبيق الاشتراطات، والوزارة تتعلل بأن هذه البيوت ليست سكن عمال، ولكن نرى أن التبريرات تتهم الجهة المسئولة وهي الجهة الكفيلة كما حدث في حريق جدحفص. والوزارة أخلت المسئولية وألقتها على صاحب العمل. وبالدرجة الأولى فإن متابعة هذه الأمور هي من مسئولياتها ولا يمكن تبرير الموقف وإخلاء المسئولية».
وأضاف «أما مسئولية وزارة الداخلية فتشمل متابعة سلامة البيوت واحتواءها على الاشتراطات اللازمة، ولكن الملاحظ أن هذه البيوت لا تحوي أبسط اشتراطات السلامة ونرى المواقد تحت الأسرة. كما أن وزارة البلديات مسئولة عن هذه البيوت الكثيرة من ناحية الاشتراطات الفنية، ووزارة الصحة مسئولة عن انتشار الأمراض وعن حال البيوت السيئ التي لا تقبل الحيوانات السكن فيها، ونلاحظ انتشار بق الفراش في هذه المناطق، وبالتالي المعاناة لاتزال مستمرة ولم يحل حتى الآن ولذا نحن نتساءل لماذا ترفض الحكومة مشروع النواب بشأن مساكن العمال».
من جهتها، قالت وزارة العمل في مرئياتها إلى لجنة الخدمات بمجلس النواب بشأن المشروع بقانون، إنه نظراً لصغر المساحة الجغرافية لمملكة البحرين، ترى الوزارة أن تخصيص مناطق معينة لسكن العمالة الوافدة يترتب عليه بعض الآثار الاقتصادية على سوق العقار في مملكة البحرين، علاوة على التأثير على شبكة الطرق وزيادة الاختناقات المرورية في بعض المناطق، لذا يتطلب الأمر إجراء المزيد من الدراسات الاقتصادية للوقوف على إمكانية تطبيق هذا المقترح. مشيرة إلى ضرورة الالتفات إلى أن وجود تجمع كبير بين العمالة الوافدة من نسيج واحد في منطقة محددة يمكن أن يؤدي إلى بعض الآثار السلبية على الصعيد الأمني كتكون العصابات والشبكات التي تمارس أنشطة محظورة كالدعارة وغيرها. وعليه، ترى الوزارة ضرورة العمل على إجراء المزيد من الدراسات الاجتماعية ومناقشة التأثيرات الأمنية على المجتمع بالنظر إلى تجارب الدول الأخرى في هذا المجال كدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث قد يتطلب الأمر توفير خدمات الأمن بشكل مكثف في مثل هذه المناطق للسيطرة على الجرائم والحفاظ على النظام.
أما غرفة تجارة وصناعة البحرين فاعتبرت أنه على رغم نبل الأهداف التي يرمي إليها المشروع، إلا أن تطبيقه عملياً صعب نسبياً، فأغلب المستثمرين أو أصحاب الشركات الكبرى من حيث عدد العمال كشركات المقاولات وغيرها لديها مساكن لعمالها. لافتة إلى أن تكتل العمال - العزاب خاصة - في أماكن محددة يؤدي إلى مشاكل بعيدة الأثر من الناحية الاجتماعية والسياسية وغيرها، مشيرة إلى أن المسئولية تقع على مفتشي وزارة الصحة وبقية مأموري الضبط المختصين في التأكد من اشتراطات الصحة والسلامة في المساكن. مؤكدة أن تركز العمال في منطقة معينة يعني زيادة كلفة تنقلهم أو نقلهم من مكان إقامتهم لمكان عملهم والعكس صحيح، وختمت بأن وجود العمال في أماكن محددة قد يؤدي لتكتل هؤلاء العمال لأجل مصالح معينة تخالف مصالح القطاع الخاص.
من جهتها رأت وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني أن المخرج والحل الناجع لهذه المشكلة يكون بتفعيل القرار الوزاري رقم (8) لسنة 1978 بتحديد الاشتراطات والمواصفات الصحية لمساكن العمال الذي يعتبر الأساس القانوني لسكن العمال في مملكة البحرين. وجدد ممثلو الوزارة تأكيدهم ضرورة معالجة ما يشوب المشروع بقانون من شبهة دستورية، إضافة إلى معالجة التعارض مع الالتزامات الدولية لمملكة البحرين بموجب الاتفاقيات الدولية من خلال ما يثار بشأن الإخلال بمبدأ المساواة بين العمال، مشيرين كذلك إلى ضرورة اتخاذ تدابير وإجراءات عاجلة لحل هذه المشكلة في الوقت الراهن، وذلك من خلال استخدام الأدوات البرلمانية المتاحة كالاقتراحات بقوانين لحين صدور هذا القانون، مستشهدين في الوقت ذاته بما شهدته بعض الدول المجاورة من تبنيها لفكرة المدن العمالية وما ترتب عليها من أضرار سلبية.
استغرب عدد من المواطنين رفض الحكومة وغرفة التجارة المشروع بقانون المقدم من مجلس النواب بشأن مساكن العمال، مؤكدين أن معظم مساكن العمال أصبحت تحاصرهم من كل جانب، بالإضافة إلى افتقار معظمها لاشتراطات الأمن والسلامة، الأمر الذي أدى لتكرر الحوادث المميتة فيها، كما أن معظم المساكن أصبحت وكراً لصناعة الخمر وأرضية خصبة للانفلات الأخلاقي ومحطات الدعارة.
فمن جهته قال الشاب فيصل السابودي من قرية الصالحية: «حقيقة أستغرب رفض جهات حكومية الموافقة على قانون النواب بشأن تخصيص المساكن، فالأجانب عموماً ولاسيما الآسيويين، أدخلوا على المناطق السكنية الكثير من العادات والتقاليد الغريبة عن الأنماط المعروفة والشائعة في أوساطنا، وعلى رغم الطرح المتواصل من مختلف طبقات المجتمع بما فيها مجلس النواب السابق فإن المشكلة تبدو عالقة من دون حل جذري لحد الآن، والسبب الرئيسي في ذلك هو الرفض الرسمي».
ويوافقه في ذلك المواطن عيد البري من سترة، قائلاً: «عندما نطرح مشكلة سكن العمال فإننا نقرع الجرس للجهات الحكومية بشأن المخاطر المحدقة بالمواطنين، فكم سمعنا عن أناس لقوا حتفهم بسبب غياب اشتراطات الأمن والسلامة في تلك المساكن والتي عادة ما تكون مجاورة لمنازل الأهالي بالقرى، وبالتالي فإن الحل لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال سد الثغرات بالقانون بعد تشريعه والأهم تفعيله من قبل الجهات والوزارات المعنية».
أما المواطن عبدالحسن عيسى من قرية العكر، فقال: «هناك مطالبات من قبل المواطنين لإيجاد حل جذري ودائم لمشكلة سكن العمال وانتشالهم من الأحياء السكنية، وخصوصاً بعد انتشار حوادث الحرائق الخطرة والمميتة في الآونة الأخيرة، وهذا لن يكون إلا بإقرار قانون يحمي المواطنين من هذه الآفة التي باتت تحاصر المواطنين بدءاً من الحرائق ووصولاً للانفلات الأخلاقي وصناعة الخمر وليس انتهاءً بمحطات الدعارة في الكثير من تلك المساكن التي تفتقر لأبسط مقومات العيش».
المشكلة لها جانبان أولاً الفراغ التشريعي المتمثلة بالثغرات العديدة بالقانون المطاط المعمول فيه حالياً والجانب الثاني هو المؤجر والمستأجر حيث إن الثقافة بين الجانبين مفتقرة لأبسط مقومات القانون، ويتجاهل فيه الطرفان السلبيات الكبيرة جراء مساكن العمال التي تفتقر لاشتراطات الأمن والسلامة، بالإضافة للسلبيات الكبيرة على المواطنين أيضاً، وبالتالي ترى أن الكثير من المؤجرين لا يلتزمون بإعلام الجهات المعنية عن أماكن ومساكن عمالهم، كما أن جل هؤلاء العمال لا تحمل بطاقات هوياتهم العنوان ذاته الذي يقطنون فيه، وما إن يشتعل حريق أو يشهد المسكن أية قضية يهرب جميع القاطنين بأغراضهم، لتبقى القضية فارغة من محتواها وتسجل ضد مجهول في أغلب الأحوال.
مشاكل لا حصر لها ولا تعداد في تلك المساكن تجذبك وتجعلك تقف متسائلاًً عن السبب الذي يمنع وجود قانون ونص تشريعي ينظم مساكن العمال في البحرين، ولكنك أيضاً ستصعق، عندما ترى رفض جهات حكومية وغرفة التجارة من وجود هذا القانون وإقراره، لتتأكد حينها أن ذلك بادرة شؤم وعلامات تنذر بكارثة أخرى عما قريب مثل حادث القضيبية الذي أودي بحياة 16 عاماً آسيوياً أو واقعة جدحفص أو حتى واقعة سوق واقف مؤخراً.
وبينما يستمر أعضاء المجالس البلدية في جهودهم لإيجاد حل جذري لهذه المشكلة نرى أن جهات حكومية تتملص لتهرب بعيداً بعد أن قامت بتجميل المشكلة لتبقى كما هي عالقة دونما حل قريب.
العدد 3488 - الأحد 25 مارس 2012م الموافق 03 جمادى الأولى 1433هـ