ولم يجد الشعراء الناطقون باللغة الفارسية بُداً من استخدام المفردات العربية بل إن الشاعر (أبوالقاسم الفردوسي المتوفى سنة 409هـ (1018م)والذي يُعرف بعدائه للغة العربية لم يتمكن من الكتابة إلا بلغة أبجديتها هي العربية، كما أنَّ أكثر من ثلاثين في المئة من كلمات ملحمته المعروفة بالشاهنامه هي كلمات عربية). وهذا الشاعر احمد بن قوص الدامغاني المنوچهري المتوفى سنة 432هـ (1041م)استخدم الأوزان العربية التي لم تكن بعد مستخدمة في الشعر الفارسي، وهذا الشاعر محمد بن إسماعيل اللامعي الكركاني المتوفى بعد العام 465هـ كان ضليعا باللغة العربية واستعملها في أشعاره، وهذا الشاعر أبوالطيب الباخرزي المقتول سنة 467هـ(1075م) كان ينظم بالعربية والفارسية وله ديوان بالعربي باسم ديوان باخرزي، ومثله كان الشاعر محمود بن آدم السنائي المتوفى سنة 545هـ، (1150م)وضم ديوان الشاعر ظهير الدين طاهر بن محمد فاريابي المتوفى سنة 598هـ أربعة آلاف بيت باللغتين الفارسية والعربية، والشاعر مشرف بن مصلح الشيرازي السعدي المتوفى العام 691هـ (1292م)الذي يمثل أحد أضلاع مثلث الأدب الفارسي إلى جانب الفردوسي وحافظ الشيرازي اشتهر في استخدامه الكلمات العربية، ومثله كان حافظ الشيرازي محمد بن بهاء الدين المتوفى سنة 791هـ (1389م)وبخاصة تأثره الشديد بالقرآن الكريم الذي كان يحفظه عن ظهر قلب فسمي بالحافظ، والأسماء كثيرة في هذا المجال كالشاعر أبوالقاسم بن عيسى قائم مقام الفراهاني المتوفى العام 1251هـ(1835م)، والشاعر علي اسفندياري المتخلص بـ: «نيما يوشيج» المتوفى سنة 1379هـ، (1960م)وغيرهم.
ولأن العراق مجاور لإيران ومنه دخل الإسلام إليها وتأثر الأدب الفارسي بالأدب العربي، فإن النقاد يقسمون تاريخ الأدب الفارسي وتطور لونه وسبكه حسب القرون نسبة إلى جغرافية التأثير ومكانه، فيقولون اللون أو السبك الخراساني أو التركستاني الممتد من القرن الرابع الهجري حتى القرن السادس وكان مصدره خراسان، والسبك العراقي المنتشر في أواسط القرن السادس الهجري حتى القرن التاسع، وسمي بالسبك العراقي لاستعمالهم الكلمات العربية والاستعارة والكناية والأغراض العربية التي وردت إليهم من العراق، والسبك الهندي الذي بدأ في القرن التاسع الهجري حتى أواخر القرن الثاني عشر وانتشر في أفغانستان والهند، وثنائية السبك العراقي والخراساني والممتد من أواخر القرن الثاني عشر حتى يومنا هذا. والأدب الفارسي المنظوم المحاكي للوزن والقافية كما هو معروف في الشعر العربي، وإن كان قد نشأ في القرن الثالث الهجري، لكنه مرّ في مراحل عدة أشار إليها الأديب الكرباسي حسب القرون الهجرية، فالذين وضعوا اللبنات الأولى للنظم في الفارسية هم الشعراء الذين عاشوا في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجريين، والأخير كان تمهيدا للقرنين الخامس والسادس حيث ازدهر فيهما الشعر الفارسي وبخاصة في القرن الخامس الذي شهد انتشار النظم الفارسي في الأقاليم وخارج حدود إيران وخصوصاً في الهند التي تعاطت شعوبها مع اللغة الفارسية الوافدة مع الإسلام كلغة مقدسة إلى جانب العربية فبالفارسية أسلموا وبالعربية قرأوا القرآن. وفي القرن السادس الهجري ازداد عدد الشعراء باتساع رقعة الجغرافية الناطقة بالفارسية، ولكن الشعراء في القرن السابع اتجهوا إلى النظم في التصوف والعرفان، كما أن الأمراء والملوك في القرن الثامن الهجري اتجه بعضهم إلى نظم الشعر كالسلطان أويس الأول الجلائري المتوفى سنة 776هـ، (1374م) والسلطان عماد الدين المظفري المتوفى سنة 789هـ. ومع حركة عجلة الزمن ارتفعت أعداد الشعراء الناظمين بالفارسية كما هو الأمر في القرن التاسع الهجري، ويليه القرن العاشر الهجري الذي شهد لوحده بروز 1599 شاعراً كما يذهب إلى ذلك الأديب سعيد بن علي أكبر النفيسي المتوفى سنة 1386هـ (1966م) في كتابه تاريخ نظم ونثر در إيران ودر زبان فارسي. واستمر الحال كما هو عليه من تزايد الشعراء في القرن الحادي عشر الهجري، لكن الأدب الفارسي تعرض في القرن الثاني عشر الهجري إلى نكسة كبيرة جرّاء الهجمات العسكرية الأفغانية على إيران، غير أنَّ تحولاً جديداً حصل في القرن الثالث عشر الهجري مع قيام الدولة القاجارية التي: (رعت الشعراء والأدباء وبذلت العطاء لمن مدحوهم وفتحوا باب البلاط بمصراعيه لهم مما أعادوا للإيرانيين مجدهم الأدبي)، وفي هذا القرن بالذات: (بدأ الشعر الحسيني يتوسع إنشاءً وإنشاداً). ومع حلول القرن الرابع عشر الهجري الذي شهد حركة المشروطة في إيران العام 1324هـ لتنظيم صلاحيات الحاكم، تم استخدام الشعر كوسيلة سياسية للوصول إلى الأهداف، لكن الأدب المنظوم في نهاية القرن شهد انتكاسة جديدة بسبب الصراع بين المؤسستين الدينية والسياسية الحاكمة وتوجه الحكم الإيراني نحو الغرب: (لكن الشعراء الحسينيين لم يتوقفوا عن النظم رغم أن التعازي منعت لعقود من الزمن فبرزت هناك طائفتان من الشعراء يمكن أن نصنفهم بالعلمانيين وبالإسلاميين بسبب ممارسات الدولة والوسائل الإعلامية التي استخدمها النظام الحاكم)، وفي القرن الخامس عشر الهجري الذي شهد قيام الجمهورية الإسلامية: (وفي ظل هذه الدولة الإسلامية بدأ تحول كبير وجذري في كل مناحي الحياة وكان الأدب إحداها وتوجه الكثيرون نحو الثقافة الإسلامية حيث يمكن تسميتها العودة إلى أصولهم وجذورهم وانشق قسم ضئيل عن الظهور العام حيث اختاروا لأنفسهم العلمنة منهجاً والغرب ملجأً).
استشراقات واستشرافات
ولا يقتصر حديث المدخل إلى الشعر الفارسي عن الشعر العمودي القريض، فالمؤلف يتطرق إلى كل الموضوعات ذات العلاقة بالشعر الفارسي، ومن ذلك «الشعر الحر» الذي ظهر بين الناطقين بالفارسية في القرن الرابع عشر الهجري بعد أن شاع بين الناطقين باللغة العربية، ولا يعارض المؤلف هذا النمط من الشعر كلياً فهو نوع من أنواع أدب الكتابة وإن رفضه آخرون ولكنه يعيد شيوع الشعر الحر إلى أسباب عدة: (أهمها تدني وضع الأدب بشكل عام)، وفي الأدب الفارسي كان الشاعر علي اسفنديار نيما يوشيج من أوائل الذين وضعوا أسس الشعر الحر وقد تأثر بالمدرستين الفرنسية والعربية حيث كان يجيد الفرنسية والعربية، ولا يعني هذا أن الأدب الفارسي لم يعرف الشعر الحر بل إن الشعر الفارسي المقفى بدأ نثراً مسجعاً أشبه بشعر التفعيلة أو الشعر الحر وهو يعود في بداياته الأولى إلى العهد الساساني، وفي العصر الحديث يعود إلى شعر البند، ولهذا يرى الأديب الكرباسي: «إن الشعر الحر أصله فارسي وأخذه العرب من الفرس، وأما الشعر العمودي أصله عربي وقد أخذه الفرس منهم».
العدد 3486 - الجمعة 23 مارس 2012م الموافق 30 ربيع الثاني 1433هـ