العدد 3484 - الأربعاء 21 مارس 2012م الموافق 28 ربيع الثاني 1433هـ

العشرون من مارس

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مَنْ يذكر منا فجر العشرين من مارس/ اذار الذي مرَّ علينا قبل يومين؟ ربما لا أحد يتذكر! بل لا أحد قادر على أن يربط هذا التاريخ بحدثه الأهم، إلاَّ لِمامًا من البشر. بعضهم يتذكر، ولكن بطريقة أخرى، وفي عوالِم مختلفة. سألت أحدهم فقال: أتذكر، أن العشرين من مارس يصادف ذكرى حادثة إطلاق منظمة أوم شنريكيو اليابانية الإرهابية لغاز سام في مترو طوكيو، الأمر الذي أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. قال آخر: ربما يذكرني بنجاح برنار بيكار وبريان جونز في الدوران حول الأرض ببالون في بحر عشرين يومًا فقط. هكذا ينظر البعض إلى الـ 20 من مارس!

لكن، هل تذكر أحدٌ أن في ذلك التاريخ سالَ جرح وطن؟! هل تذكر أحدٌ أن قوات أميركية وبريطانية مشتركة، قوامها 300 ألف جندي، نفذت حملة عسكرية مسعورة للسيطرة على بلد، يقع في الغرب الآسيوي، وهو عضو في مجلس الأمن، وفي الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وله حدود مشتركة مع ست دول، هي الكويت، السعودية، تركيا، سورية، الأردن وإيران. بلد، صاحب حضارة متقدمة شهدت بناء المدن المأهولة قبل أربعة آلاف سنة قبل الميلاد. الحضارة التي كتبت أول قوانين البشرية وأصول حياتهم وأدبياتهم. نعم... إنه العراق.

في ذلك التاريخ، اتفق الشَّر الإمبريالي على تحريك جيوشه علانية، ودون حياء، للسيطرة على آبار النفط جنوب العراق، ومعها محافظة البصرة، ثم السير باتجاه نهرَي دجلة والفرات والأهوار وصولاً للعاصمة بغداد، بينما يقوم خمسون ألف جندي آخرون بالزحف نحو الشمال الغربي من العراق، للسيطرة على تكريت، لإحكام السيطرة على المركز، بالتزامن مع قصف جوي مُدمِّر بالطائرات، وقصف بحري لا يهدأ عبر صواريخ توماهوك تطلقها البوارج الحربية. هذا ما جرى في ذلك التاريخ، وهو الحدث الأهم من بين كلّ أحداث الزمن القريب، وحتى البعيد.

أتذكر، أنه وخلال تلك الفترة، أنذرَت واشنطن صدام حسين بضرورة مغادرة السلطة هو ونجليه عدي وقصَي، خلال 48 ساعة، وإلاَّ واجَهت بلادهم الحرب. ردَّ العراق بوصف ذلك التهديد بـ «الخاسئ»، بينما ردَّت أسرة صدام، بأنها تقترح أن يرحل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش (الابن) وأسرته عن الولايات المتحدة بالتزامن. خرَجَ المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض آري فلايشر حينها وقال «واشنطن لم ترَ حتى الآن أي مؤشر على أن (الرئيس العراقي الأسبق) صدام سيُذعن لمهلة الإنذار. إن قوات التحالف ستدخل العراق لنزع أسلحته» ثم انتهى كلّ شيء. بعدها خرَجَ جنرال أميركي كبير شارحًا الموقف العسكري، وقال: «إن النصر في العراق قد يتحقق خلال أيام».

بعد تلك التهديدات والاستعدادات نزحَ الناس عن مساكنهم، في أربيل وعموم الشريط الكردي، تزامن ذلك مع إعلان المندوب الأميركي لدى المعارضة العراقية زلماي خليل زاد، أن الفصائل الكردية العراقية ستضع قواتها تحت إمرة قيادة القوات الأميركية خلال الحرب. خاف الأكراد أن يُؤخذوا بجريرة قادتهم، فتقع عليهم مذبحة ثانية كالتي جرت عليهم في مارس من العام 1988. أيضًا، نزَحَ جزء من أهالي بغداد فزعًا، ووضِعَت البلاد كلها تحت نظام الحرب.

اعترضت فرنسا (جاك شيراك) وألمانيا (غيرهارد شرودر) وروسيا ( فلاديمير بوتين) والصين (هو جين تاو) على إعلان الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا الحرب على العراق، فردَّ وزير الخارجية الأميركي حينها كولن باول على المعترضين، بأن 45 دولة تدعم قرار واشنطن في الحرب ضد العراق. اجتمع مجلس الحرب الأميركي (بوش، باول، رامسفيلد وتينيت) وقرروا: إضرب الآن!

هذا المشهد من التاريخ العربي شكَّل مأساة حقيقية، وهزيمة قومية بامتياز، وقبلها إنسانية للبشرية كلها. فقد كان العرب شِيَعًا لا يلوون على شيء. وكانت دول العالَم الأول المتقدم، ينظرون إلى الجريمة بصمت، وكأنهم لا يملكون نصف اقتصاد الأرض، ونصف جغرافيته، في الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأميركية تستعين بأدنى وسائل الإقناع، وأوهن الحجج، في أن ما تقوم به بحق قِطر عربي ما هو إلاَّ تلفيق يُراد منه النهب والاستحواذ، وإعادة توصيف موقعه الجيوسياسي في المنطقة. هذا هو المشهد الذي كان حاضرًا في تلك الفترة.

الأميركيون وخلال موجة جنون العظمة، كانوا يقولون ان حربهم على العراق لن تستغرق سوى أيام قليلة، لكنها استغرقت 3193 يومًا، كأسوأ تقدير تضعه دولة ما لسياساتها الخارجية وخططها العسكرية! قالوا إن العراق يملك أسلحة كيماوية، ثم ظهر أنه لا يملك. ثم قالوا ان نظام البعث أباد شعبه، ثم ظهَرَ أنهم قتلوا مليونا ونصف المليون عراقي، وهجَّروا أربعة ملايين إنسان، ورمَّلوا مليوني امرأة، ويتَّمُوا أربعة ملايين طفل! أكثر من ذلك، فقد ثوَّروا غرائز العراقيين على بعضهم، حتى أصبحت مأساة طوائفهم يتندَّر بها العالم، من غزارة الدم الذي أراقوه. جرى كلّ ذلك، أمام أعين الأميركيين، وبإمرتهم، التي كان يمثلها آنذاك بول بريمر.

اليوم، وبعد سنين عدة يُمكن تلمظ الذكرى أفضل من قبل. فما دفعه العراق لا يُساوي ثمن الحرية المقبوضة أبدًا. فالحرية التي يساوي ثمنها ثمن الوطن وأمنه واجتماعه وسلمه الأهلي ومستقبل أجياله، والقتل بتلك الطريقة الهمجية وعلى يد «المغيِّرِيْن» أنفسهم، هي حرية لا خير فيها. فالزمن كفيل بأن يُغيِّر الحال، كما غيَّرت التعرية الأرض. لسنا قدريين، ولا ضد التغيير والتحديث، لكننا ضد هذا النوع من التغيير العَدَمِي، الذي لا حدَّ ولا سقف لخسائره.

في كلّ الأحوال، فإن الأحداث (وبالخصوص التجارب الكبيرة كاحتلال العراق) هي تجارب، تضاف إلى ذاكرة العالم. فالبشر لا تكفيهم الحياة، ومسلكها اليومي فقط، وإنما يهمهم أيضًا، أن يعيشوا وهم يتفادوْن ما عاشوه بأخطاء صغيرة أم كبيرة، وإلاَّ فإنهم لا يعيشون أطوار الزمن الحقيقية، ولا حقب التاريخ المفترضة. ومادام الزمن والتاريخ باقيان، فإن الأحداث أيضًا باقية، ولا يبقى أمامنا سوى ألا نلدغ من الجحر مرتين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3484 - الأربعاء 21 مارس 2012م الموافق 28 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 2:59 م

      سوريا

      نأمل الا يكون مصير سوريا مثل مصير العراق عندها على الدنيا العفا

    • زائر 6 | 5:39 ص

      qustion

      قالوا إن العراق يملك أسلحة كيماوية، ثم ظهر أنه لا يملك.

      Now they say that Iran have a nuclear bomb

      and she dosen't

      hhhhhhhh bad U.S.A

    • زائر 4 | 2:18 ص

      لماذا اللوم فقط على الأمريكيين

      لماذا لا نلوم طغاة الأرض الذين دمروا وأهلكوا الحرث والنسل..
      لماذا لا نلوم أصحاب الأحزمة الناسفة الذين يريدون الغداء مع النبي..
      لماذا فقط الأمريكان، أين نحن عن هؤلاء الأعراب الذين هم أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله..

    • زائر 2 | 12:21 ص

      هذه الدنيا فيها عبر.. تنقلب على الظالم من قبل أصحابه فيشرب من نفس الكأس..

      زعمت أن الدَّيْنَ لا ينقضي
      فا سْتَوْفِ بالكيل أبا مجرم
      اشرب بكأس كنت تسقي بها
      أمرَّ في الحلق من العلقم

    • زائر 1 | 11:37 م

      سؤال

      وماذا عن التفجيرات الارهابية التي ضربت العراق؟

اقرأ ايضاً