هناك قضايا يجب التعامل معها كما يتعامل الناس مع المقدَّس، والمقدَّس عادة يعلو فوق مقتضيات الظروف المؤقتة والمصالح الانتهازية والانشغال بالتفاصيل الهامشية والعبثية، هذا ينطبق على موضوع المقاومة العربية ضدَّ الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، من أيِّ بقعة تنطلق وتحت أيَّة راية تستظل.
فالمقاومة ضدَّ الصهيونية ليست حركة سياسية أو عسكرية وإنَّما حركة صراع وجود، وقد حسمت الصهيونية ذلك الأمر عندما أعلن قادتها منذ زمن طويل بعدم وجود شيء اسمه شعب فلسطيني. ولذلك فان حرف المقاومة العربية عن مهمَّتها الأساسية وهي تركيز كل قواعدها للانتصار في معركة الصّراع الوجودي، وإدخالها في عنعنات السياسة العربية أو الإقليمية، سيشوِّه المقاومة إن لم يدمّرها.
مناسبة هذا الحديث هو الجدل العقيم الدَّائر في وسائل الإعلام العربية عن تأثير ما يجري في الوطن العربي من ثورات وحراكات على مصير المقاومة من جهة وعن إمكانية حدوث تغيّر في استراتيجيات المقاومة وفي علاقاتها مع الأنظمة العربية أو الإقليمية من جهة أخرى، في اعتقادي أن جواب المقاومة على التساؤلات يحتاج الى أن يكون قاطعاً إلى ابعد الحدود:
1 - ان للمقاومة مهمة واحدة، لا غير، وهي مهمة الكفاح ضد الاستعمار الاستيطاني في فلسطين المحتلَّة.
2 - ان تكليف المقاومة وإثقالها بمهمات أخرى سيكون على حساب مهمَّتها الأساسية، وبالتالي فهو تكليف مرفوض بصورة قاطعة، ولذلك فان المقاومة ليست معنية بالوقوف مع أيّ نظام سياسي ضدّ معارضيه ولا بالوقوف مع هذه الثورة أو تلك ضدّ هذا النظام او ذاك، فالشعوب العربية ليست بحاجة لإقحام المقاومة في حراكاتها وثوراتها، فهي كفيلة بذلك، والأنظمة القمعية لن تحتاج لجهود المقاومة لإنجاح عمليَّات بطشها فلديها ما يكفي من المال والرجال والعتاد.
3 - ان علاقة حركات المقاومة بأي نظام حكم، في أي بلد، يجب أن يحكمها مقدار استعداد تلك الجهة بدعم كفاح المقاومة بالمال أو السلاح أو الدَّعم اللوجستي والسياسي ولا غير ذلك على الاطلاق. إن ذلك الدعم يجب ألا يكون مشروطاً بتبني المقاومة لسياسات أو مواقف أيّة جهة داعمة، وبالتالي فهي ليست معنية على الإطلاق بالدخول في صراعات الدول أو الأنظمة أو الأحزاب أو المذاهب أو الايديولوجيات. إنها ليست للبيع أو الشّراء أو الاستزلام أو المباهات وتبييض الوجه.
4 - ان المقاومة هي تنظيمات شعبية وبالتالي فعلاقاتها مع الشعوب، العربية والإسلامية والأخرى، ستظل علاقات أخوَّة في العروبة أو الإسلام أو الإنسانية. إنها لن تقف قط ضدّ مطالب ونضالات الشعوب ولكنها لن تقحم نفسها في دروب تلك المطالب والنضالات حتى لا يكون ذلك على حساب مسئوليتها الأساسية: دحر الصهيونية. ولا أعتقد بأن الشعوب التي تحترم نفسها ستطلب من المقاومة غير ذلك. لن تطلب منها الوقوف ضدّ حكوماتها ولا حمل جزء من مسئولياتها النضالية.
على ضوء ذلك كله فان الأسئلة التي تطرح على المقاومة حالياً ستثير بلبلة وتسّبب إحراجاً. من بين ما يطرح عليها: هل ان علاقاتكم مع أنظمة ما بعد الثورات العربية الناجحة، كمصر أو تونس أو ليبيا أو اليمن على سبيل المثال، ستقود إلى قطع علاقاتكم مع نظامي سورية وإيران؟ وهو سؤال لا معنى له إن كانت النقاط الأربع السابقة هي التي تحكم مسيرة المقاومة. فلماذا لا ينظر لأي دعم من قبل الحكومات العربية الجديدة للمقاومة على أنه إضافة إيجابية جديدة لقدراتها بدلاً من أن يكون إحلالاً محلَّ علاقات المقاومة السّابقة؟ لماذا الإصرار على إقحام المقاومة في الصّراع المذهبي العبثي السنّي - الشيعي، والصّراع السياسي في ساحات الخليج العربي أو العراق أو اليمن، والصّراع المأساوي المفجع في القطر السوري؟ لماذا على المقاومة أن تختار بين الجهات المتناحرة بدلاً من الحصول على دعم الجميع دون استثناء ودون شروط تملى عليها ودون إدخالها في متاهات المبارزات الإقليمية أو الدولية؟
هذه أسئلة لا توجه فقط إلى الحكومات والأنظمة، ولا إلى وسائل الإعلام التي تشغل العالم بمناقشات افتراضية لا نهاية لها، وإنّما أيضاً، وفوق كل شيء، توجه إلى المقاومة. إن تاريخ المقاومة العربية، وعلى الأخص الجزء الفلسطيني منها، مليء بالسماح لنفسها أن تجرَّ إلى صراعات جانبيّة لا ناقة لها فيها ولا جمل. الآن، وقد بدا في الأفق، إمكانات هائلة داعمة للمقاومة في صراع وجودي بالغ الضَراوة والتعقيد، فهل ستضع المقاومة العربية لنفسها خطوطاً حمراء لا تسمح لأحد بأن يتخطَّاها، ولا تسمح هي لنفسها بأن تتخطَّاها؟
إن قدسية موضوع الصّراع العربي الصهيوني يجب ألا يتلاعب بها أحد. أجيال المستقبل ستحكم علينا من خلال مقدار تعاملنا مع هذا المقدّس بسمو المشاعر، بنبل المنهج، بغياب الطَّيش والعبث، بعدم الضَّياع في متاهات الهوامش.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3484 - الأربعاء 21 مارس 2012م الموافق 28 ربيع الثاني 1433هـ
مقالات تثير الرهبة
دكتور مقالاتك تشير لوجود مخاطر خافية وتنذر بإشارات وأعلام حمراء ليتهم يستفيدون منها المشكلة ان وجود الإنسان كله في خطر ونحن ننحرف عن هذا الخطر في سفاسف وخزعبلات واخبار سطحية وتافهة فطبقة الأوزون تتأكل ونحن في حروب طاحنة تزيد من ذاك فكيف لهم أن يفهمو معنى الصراع لأجل البقاء طالما الفلسفة هي "أنا ومن بعدي الطوفان"
الحرّاس الجُدُد
مباشرةً وبعد حصولهم على بضعة مقاعد في البرلمان المصري صرحوا بأن كل المواثيق والمعاهدات التي تمت مع اسرائيل ستظل باقية !
بالكاد تسمع في خطبهم انتقاد للعدو الصهيوني بقدر ماهم مشغولون بمناكفة المعارضة اللبنانية وايران ! هنا في البحرين فلسطين ليست في قائمتهم مطلقاً ، ولوقدر لشخص أن يمارس رياضة المشي في شوارع البحرين وقت صلاة الفجر والجمعة لهاله ما يسمع من دعوات صريحة تحريضية ضد طائفة معينة ، ..