لقد أصبح الحوار المرتقب بين القيادة السياسية وبين الجمعيات السياسية الشغل الشاغل لأهل البحرين، وحديث القرية والمدينة، وعادت البحرين من جديد تحت الأضواء الكاشفة للمجتمع الدولي. فالحوار الوطني القائم على التكافؤ مصلحة وطنية في المقام الأول، من أجل رأب الصدع الذي وصل مع الأسف إلى عظم المجتمع البحريني، ومن يرفضه أو يعطله لأي سبب أو يضع شروطاً مسبقة، فإنه يرتكب خطأ تاريخياً بحق الشعب البحريني. وهو أيضاً مصلحة إقليمية ودولية، وذلك لتهدئة مناخ التوتر في المنطقة الذي رفع من درجة وتيرة تداعيات الربيع العربي وانعكاساته على سياسات ومصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك الدول الإقليمية ذات المصالح السياسية والاقتصادية وربما المذهبية والراغبة في أخذ دور ريادي لقيادة المنطقة.
وعلى رغم أن الحوار الجاد المرتقب كما أسلفنا في مقالاتنا السابقة هو المخرج الوحيد ولا غيره من الأزمة بعد فشل الحل الأمني، فإن هناك مسئولين وتيارات أو أجنحة أو مجاميع أو شخصيات متطرفة أو راديكالية، ترفض الحوار، بل وتحرّض على إفشاله من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنابر الدينية والإعلامية، وتحريض أو تحريك مجموعات شبابية هنا وهناك، وذلك من أجل إرسال رسائل للفرقاء السياسيين أن الحوار المرتقب تجاوزه الزمن والأحداث.
ولنا الحق هنا أن نتساءل: لمصلحة من يتم رفض أو تعطيل الحوار المرتقب الذي يتطلع أهل البحرين إلى أن يخرجهم من النفق المظلم؟ ومن المستفيد من تعطيل قطار المصالحة الوطنية والحوار الجاد المنتج؟ ولماذا تستميت بعض الجهات والشخصيات النافذة ومن لفّ لفهم في تلويث المساعي التي تبذل لتنقية الأجواء من أجل الإعداد للحوار المرتقب؟
وللإجابة على تلك التساؤلات، دعونا نستحضر بعض ما توصلت إليه نتائج العديد من الدراسات في مجال علم الاجتماع السياسي التي أجريت على عدد من المجتمعات التي مرت بأزمات سياسية أو طائفية أو عرقية شبيهة لما تمر به البحرين حالياً. حيث خلصت بعض نتائج تلك الدراسات إلى أن من إفرازات الأزمات التي يمر بها أي مجتمع عندما يمر بأية أزمة، هو بروز فئة يطلق عليها الفئة الانتهازية أو المتسلقة أو المتسلطة، والتي تعمل على قاعدة «مصائب قوم عند قوم فوائد». هذه الفئة بالطبع تقاوم المصالحة والتغيير والإصلاح الجذري الذي من شأنه أن ينقل المجتمع إلى مرحلة العدالة الانتقالية، ومن ثم المصالحة الحقيقية والاستقرار المجتمعي، الذي يجعل المواطن يشعر بالاطمئنان على مستقبله ومستقبل أسرته. الاستقرار المجتمعي الذي يحقق العدالة الاجتماعية ويعيد الحقوق إلى أهلها. الاستقرار المجتمعي الذي يحارب الفساد والفاسدين.
إنني اعتقد جازماً ومن خلال تلمس نبض الشارع، بأن قلوب وعقول أهل البحرين المخلصين مع الحوار الجاد والمنتج، وأن معظم من تم غسل أدمغتهم من أهل البحرين الطيبين باستخدام فزّاعة «الشيعة فوبيا» و «السنة فوبيا»، أخذوا رويداً رويداً يعودون من اللاوعي إلى الوعي، ويتصالحون مع أنفسهم ومع إخوانهم من الطائفة الأخرى، سواءً كان ذلك في (الفريج) أو العمل أو الأندية... إلخ. وهذا مؤشر في تقديري على عودة الروح للمجتمع البحريني.
إن الأزمة التي مرت بها البحرين منذ فبراير/ شباط 2011 أوجعت قلوب معظم البحرينيين الطيبين، وملأت قلوبهم بالحسرة على ما أصاب بلدهم ويتمنون ويدعون الله أن يعود الاستقرار والتعايش السلمي إلى مدنهم وقراهم، وأن يتوجه ويتفرغ الجميع للعمل والتنمية، وأن ينعم الجميع بربيع بحريني حقيقي. ولكن مع الأسف هناك شخصيات نافذة ومسئولون وقيادات دينية وإعلاميون كما ورد في تقرير بسيوني، يقومون بالتحريض الرخيص على كراهية الآخر واستخدام الفزّاعة المذهبية والاستقواء بالخارج وغيرها من وسائل رخيصة من أجل إبقاء البحرين في حالة من الاحتقان والجمود السياسي! ولكن لماذا تعمل تلك الشخصيات النافذة والمجموعات التي تنفذ أجنداتها بشكل أعمى ضد مصلحة الوطن وأهله؟
الجواب: ابحث عن السبب يبطل العجب! إنها الأنانية و «الأنا الأعلى»، والمصلحة الشخصية الضيقة التي تقدم على مصلحة الشعوب. فالحوار المرتقب متى ما أنتج حلاً مستديماً، يجعل دون شك تلك الشخصيات وأتباعها من قيادات سياسية ودينية وإعلاميين وصحافيين ومن يريد أن يقتات على دماء شعبه في خبر كان. فالحل السياسي المستديم يهدّد مصالحهم بل وجودهم ويضعهم على الهامش حيث يصبحون غير قادرين على الاستيلاء على الأراضي المخصّصة للمنفعة العامة دون وجه حق، وغير قادرين على التلاعب بموازنات المشاريع الضخمة كما حصل في مشروع مستشفى الملك حمد الجامعي، ومن قبل ذلك ملف التأمينات الاجتماعية وملف شركة ألبا وملف محطة كهرباء الحد وملف طيران الخليج... التي أصبحت - وأعني تلك الفضائح - تزكم الأنوف وتهدد الاقتصاد الوطني.
وبالتالي إذا استطاع الشعب البحريني بعد الحوار المرتقب أن يكون مصدر السلطات جميعاً كما ورد في المادة الأولى من دستور البحرين، تصوروا كيف يستطيع أن يعيش من يرفض الحوار ويطالب بمقاطعته... بالطبع سوف يقعد ملوماً محسورا! فمن يرفع الشراع؟
إقرأ أيضا لـ "عيسى سيار"العدد 3483 - الثلثاء 20 مارس 2012م الموافق 27 ربيع الثاني 1433هـ
شكرا أخي الكريم على مقالك الصريح ( أصبت )
لقد أعجيتني هذه الفقرة ( هناك مسئولين وتيارات أو أجنحه أو مجاميع راديكاليه ترفض الحوا بل وتحرض على إفشاله من خلال استخدام وسائل التواصل الإجتماعي والمنابر الدينيه والإعلاميه وتحريض أو تحريك مجموعات شبابيه هنا وهناك وذلك من أجل إرسال رسائل للفرقاء السياسيين أن الحوار المرتقب تجاوزه الزمن والأحداث. وأنا أقول إنهم معروفين ( واللي على راسه بطحه يتحسسها ). محرقي / حايكي
أنت ممن يرى بعينين
أنت ترى بعينيين فترى الصورة واضحة
وغيرك مع الاسف ممن هم محسوبين على الوطن ولو بالظاهر لا يرون الا بعين واحدة
وبالطبع ستكون الصور مختلفة بين من يرى بعينيين
ومن يرى بعين=واحدة وهكذا اراد هو الصورة
في الساحة
مخلصون لوطنهم ومواطنيهم
انتهازيون اغرقتهم الانا ( غرباء ووافدون على الوطن )
معارضون لكل مطلب اصلاحي
بطانة سوء تسعى الى اغراق الوطن كلما اراد ان ينهض
متاجرون بالدين ويلبسون زيه ولا حظ لهم منه
دول تدعو صداقتها لكنها ....
مسؤولون صموا اذانهم أمام النصيحة ووقائع التاريخ
اذا كنا حريصين على الوطن فالنبدأ الحوار الجاد ذي المغزى
«الأنا الأعلى»
مقال رائع أستاذ عيسى وأصبت كبد الحقيقة ، البحرين لا تزال بخير بوجود أمثالك البررة لهذه التربة ، أسأل الله أن يلم شملنا وأن يركس مخطط الأنانيين وأن يرد كيدهم في نحورهم ، لتبقى البحرين كما كانت ، وحتى تصبح كذلك لابد أن يكون الشعب مصدر السلطات .
الدولة ليست جادة في الحوار
السلطة تعول على الحل الامني فقط وفقط ولا يوجد لديها في قاموسها اي شيء غير ذلك وهي لا تملك غير ذلك
الحوار وما أدراك ما الحوار
الجمعيات السياسيه لها أجندات خارجيه وعمرها ما فكرت فى المواطن . وعلى فكره الموطن آخر من يفكره فيه ولو كانو حقا يريدو مصلحة الموطن كان من زمن دخلو الحوار وخرجوا بفوائد كثيره
ولكن ما ذا نقول الا الله على الظلام الذين يفكرو فى مصالحهم فقط
الحل الوحيد ..
استئصال , ازاله , انعزال , علاج نفسى , تأهيل . هذه النقاط التى من شأنها ان يقوم الشعب تفعيله لهذه النوعيه من الأفراد فى المجتمع للفكاك من الأعاقه .و غير الشعب لا يستطيع احد ان يرفع الشراع .
اصبت يا بن سيار
لقد ضربت على الوتر الحساس. هؤلاء الانتهازيون هم اليوم يمسكون بمقدرات البلد وممسكين بالمواقع الحساسة من توظيف وادارات وشركات وسرقة اراضي والقائمة تطول . لذا ليس من مصلحتهم حكم القانون لان راح يخسرون كل هذه المميزات