المجتمعات العربية أصبحت متخلفة حضارياً بسبب القمع والفساد، وتأتي صحوة الديمقراطية التي فجرت الربيع العربي في 2011 لتعيد مكانة الوطن العربي على الخارطة الحضارية للعالم.

لقد حدت إجراءات التضييق على الحراك السياسي في المجتمعات العربية من العمل بشفافية وحرية في كشف بؤر الفساد، وتوجهت كثير من دول المنطقة إلى وضع مجموعة من القوانين تغيرها بحسب طبيعة المرحلة وبشكل يخدم الأنظمة القمعية ويعرقل حياة المواطن الذي يفرض عليه العيش تحت رحمة قوانين فرضت لصالح حماية الفساد. وهذه القوانين خلقت أجهزة بيروقراطية معقدة مهمتها تنفيذ الحظر عل الحياة الطبيعية للمواطن والتضييق عليه، وتم استحداث وسائل لضرب أي رأي يعارضها.

وهكذ نرى أن مهمة الأجهزة الأمنية في الدول العربية تختلف عنها في الدول المتقدمة التي تحمي أمن المواطن وبالتالي فإن حماية الوطن تكون نتيجة لذلك، أما في مجتمعاتنا العربية فتتحول الأجهزة إلى تهديد لأمن المواطن وتمثل رأس الحربة في استراتيجية الضبط والحظر والمراقبة وخنق الحريات العامة، وذلك من خلال تطويع المادة القانونية للجهاز التنفيذي أو حتى التلاعب بها من خلال منح صلاحيات إدارية أو حتى مطلقة تصاحب قوانين الطوارئ، وحتى بعد الإعلان عن رفع حالات الطوارئ تبقى الآليات القمعية على ما هي عليه بما فيه التحايل على القوانين من خلال تلفيق التهم الجنائية للمعارضيين ونشطاء مؤسسات المجتمع المدني. ولهذا فإن الكثير من نشطاء العمل السياسي والحقوقي المحكوم عليهم لا يفرج عنهم بسهولة وإن تم الافراج يتم استدعاؤهم بتهم وحجج واهية فقط من أجل إهانتهم وإذلالهم.

إن تفشّي ممارسات تنتهك القانون وتذل المواطن مهدت الطريق لتفشّي فساد اقتصادي وسياسي، وأصبح التلاعب بالانتخابات مثلاً ليس صعباً والتلاعب بالمال العام وبالمشاريع مهنة تخصصية لمن يفترض منه أن يتولى خدمة الصالح العام. وليس مستغرباً أن الدول العربية احتلت على مدى عقود طويلة مواقع متقدمة في التعذيب وقمع الحريات وسرقة المال العام، وانتشرت مظاهر العنف التي تنهك البلدان وتضيع عليها فرص اللحاق بالمجتمعات المتحضرة.

لقد جاءت انتفاضات الربيع العربي في 2011 (الصحوة العربية الديمقراطية) لتقول كلمتها للتاريخ، وهذه الانتفاضات بدأت سلمية وظلت فلسفتها سلمية، والأمل أن تبتعد عمّن يحاول اختطاف مشروعيتها من خلال جرها إلى العنف. ففي تقرير نشرته منظمة العفو الدولية في (9 يناير/ كانون الثاني 2012) تخوفت المنظمة من أن يستمر اللجوء إلى العنف خلال العام 2012 في الدول العربية لقمع الحركات الاحتجاجية، وخصوصاً أن بعض الأنظمة مصممة على البقاء مهما كان الثمن.

وقال مدير فرع المنظمة بالوكالة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيليب لوثر: «أظهرت حركات الاحتجاج في المنطقة والتي قادها في حالات عدة شبان ونساء عبر الاضطلاع بدور مركزي، مقاومة مذهلة في مواجهة قمع يثير الصدمة أحياناً». وأضاف لوثر قائلاً «لكن إصرار بعض الدول على محاولة تقديم تغييرات شكلية أو التعامل بوحشية مع شعوبها لإخضاعها يظهر أن بقاء النظام لايزال هدف كثير من الحكومات».

وأوضح لوثر «ما كان صادماً العام الماضي في الشرق الأوسط أن التغييرات تمت في شكل واسع بفضل جهود سكان هذه الدول الذين نزلوا إلى الشارع، باستثناء حالات قليلة». وتابع أن «رفض الناس العاديين أن يحرموا نضالهم من أجل الكرامة والعدالة هو الأمر الذي يبعث الأمل للعام 2012».

انتفاضات وثورات الربيع العربي في 2011 في عدد من الدول العربية أفضت إلى تغييرات في قيادات عدد من الدول، بينما في أماكن أخرى مازالت تقاوم الإصلاح عبر اللجوء إلى أساليب أصبحت مكشوفة لكل العالم.

إن بروز الصحوة الديمقراطية الآن كقوة في مواجهة القمع والفساد أصبح معلماً في تاريخ العرب الحديث، وهو ما أشار إليه الكاتب البريطاني دافيد هيرست في صحيفة «الغارديان» البريطانية موضحاً بأن «العرب جميعاً وجدوا أنفسهم في طموحات الشعب التونسي وتملكهم إحساس بأنه إذا ما تمكن شعب عربي من تحقيق ما طمحوا جميعاً إلى تحقيقه فسيتمكن الآخرون».

إن الفساد والقمع أديا إلى تراجع المجتمعات العربية حضارياً، وجاء الربيع العربي في 2011 لتصحيح حركة التاريخ في بلداننا، وسواء انتصرت الصحوة العربية على واقعها المزري اليوم أو غداً، فإن عجلة التغيير الحضارية تحركت، والشعوب العربية استنشقت الحرية، والأجيال الصاعدة لن تقبل أن تعيش مستقبلاً في البيئة القمعية والفاسدة التي حرمت آباؤهم من العيش في حياة كريمة محفوفة بالحقوق الإنسانية والحريات العامة والخاصة.