العدد 3481 - الأحد 18 مارس 2012م الموافق 25 ربيع الثاني 1433هـ

الصحافة الحرة بوصفها ضرورة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام، قِيل في تل أبيب كلامٌ جريء جداً. فقد بثت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، لقاءً مع نوعام شاليط، وهو والد الجندي الإسرائيلي (الفرنسي) جلعاد شاليط، الذي خطفته ثلاث فصائل فلسطينية مسلحة منذ يونيو/ حزيران العام 2006 ولغاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2011، أنه «لو كان فلسطينياً، لحاول اختطاف جنود إسرائيليين لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين». وزاد «إننا أيضاً خطفنا جنوداً بريطانيين، عندما كنا نقاتل من أجل حريتنا»!

ربما يكون هذا الحديث، الذي أدلى به الرجل غريباً جداً بالنسبة لنا نحن كعرب، بسبب صورة الإعلام وشكله ومداه وأصوله لدينا. فحديث شاليط بهذه الطريقة، عن قضية خاضت من أجلها تل أبيب صراعاً أمنياً وسياسياً واجتماعياً هائلاً، طيلة ستة أعوام، وأفرَجَت من أجل تسويتها عن 1027 أسيراً فلسطينياً، يُمثل «صدمة» لمن لا يفقه معنى حرية التعبير في الدول الليبرالية. فهذه الدولة العبرية، التي تعيش تحت نظام الحرب، منذ العام 1948، وتطبق نظاماً أمنياً حديدياً على أراضيها وحدودها، وأمنها القومي، لا تخشى أن يُقال فيها، وفي إعلامها الرسمي مثل هذا الكلام وبهذا النحو.

هذا الموضوع، مدعاة للتأمل فعلاً، في أوضاع حرية التعبير لدى الدول العربية. فمشكلة الإعلام في النظام الرسمي العربي أنه لا يُدرك ماذا تعني كلمة إعلام، ولا كلمة صحافة، ومشتقاتها من تحقيقات واستطلاعات وأخبار ولقاءات. هم يعتقدون أن وظيفة الإعلام والصحافة، تقوم على «التعبُّد بالأشخاص»، وكَيْل المديح الفائض، وصناعة الترميز للذوات عنوة، على رغم الفشل. هذه الثقافة، مغلوطة تماماً، ولا تتناسب مع أصل الإعلام والأخبار، القائم على الوصول إلى أقصى نقطة داخل منظومة التفكير والتأثير، التي يمكن أن تصل إليها المعلومة، ويصل إليها الخبر والتحليل، وبالتالي منحه كل التسهيلات الممكنة.

الغربيون يجيدون لعبة الإعلام جيداً. هم خبروا الصحف المطبوعة منذ العام 1465. كما أنهم يُميِّزون اللغة الإعلامية «الرشيقة والنزيهة» عن تلك اللغة الإعلامية «الصفراء» التي تدافع عن أفكار وشخوص، وخصوصاً في الشرق المهووس بعبادة الفرد، والتقديس الأعمى للذات. ولطالما نشرت الصحافة الغربية تحقيقات ومقالات أطاحت برؤساء ومسئولين كبار في تلك الدول، أو حتى في القطاع الصناعي الرأسمالي. لذلك تجدهم – الغربيين - يقرأون ما تكتبه الصحافة المحسوبة على الأنظمة الحاكمة في العالم العربي بمزيد من التعليق والسخرية والاستهجان، بل وحتى التسلية (لاحظ الصحف البريطانية بالذات).

ترى، ما الذي يجعل الصحافة مهمَّة لهذه الدرجة في الدول الغربية؟ باختصار، فإن أهميتها تنبع من إيمان ذلك النظام السياسي الغربي، بأن الدولة لديه ذات بعد وظيفي، وقائمة على النسبية في الأداء. ولأنها دولة غير ريعية، فإنها تتحوَّل إلى كيان تتوالى عليه القوى السياسية المختلفة في المجتمع الغربي، والتي تتبدل مواقعها ما بين حكم ومعارضة، وبالتالي، فإن دورة النشاط والبيروقراطية الخاصة بالدولة، تغطي المجتمع بأكمله. ولأن الصحافة، هي زاوية رئيسية من زوايا المجتمع/الدولة في الغرب، فهي تصبح كغيرها من الزوايا، من حيث امتلاك النفوذ والتأثير على سلوك الدولة والسياسيين، وكأنها سلطة معنوية، أو محكمة شعبية، لذا، فهي تحظى باهتمام وثقة غير عادية لدى الغربيين.

هذا الأمر غير متوافر لدينا نحن في الدول العربية. بل إن عدم توافره، لا يتوقف على عدم وجوده المادي فقط، وإنما في انتفاء أصل عمله، مع وجود هذه الصيغة المغلوطة من الحكم، القائمة على الأوليغاركية، وتشطير المجتمع على أساس تقسيمات قديمة، تتعلق بالطوائف والإثنيات، وكأن الدولة، كيان مقسوم في شرعيته، وموزَّعة بين ولاءات متعددة، بعضها فرعي، وآخر مصنوع بالقوة. هذا الإشكال جد مهم، ولا يُمكن معالجة هذا إلاَّ بذاك. فالقيم الرئيسية في الدولة، إذا ما تم تسييرها أو صياغتها بشكل معقوف، فإن النتيجة ستكون معروفة سَلفاً.

المشكلة الأكثر تعقيداً، هي أن مثل هذا الوضع سيقود حتماً باتجاه حصول فتق، أو انفصال، ما بين تفكير الدولة وتفكير المجتمع، وخصوصاً مع الفتوة النابِهَة فيه. والتجارب في ذلك كثيرة. فالأنظمة عادةً ما تضع رؤى وتقديرات وخططاً، إلاَّ أنها تتفاجأ، بأن ما وضعته لا يعني الناس لا من قريب ولا من بعيد، وهذه بحد ذاتها مشكلة بنيوية لا يمكن علاجها بالترقيع، بقدر ما هي قائمة على التشاركية في القرار، وفتح الدولة للإدارة الأكثر اتساعاً.

لقد تفاجأ الحكم التونسي (زين العابدين بن علي) والمصري (حسني مبارك) والليبي (معمر القذافي) والسوري (بشار الأسد)، بأن الصورة التي كانت لديهم، تختلف كلياً، مع الصورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي كانت تحملها شعوبهم، حتى جاءت اللحظة التي ظهر فيها ذلك التباين الحاد، لكنها كانت لحظة محكومة بالجموح البشري الذي لا يمكن لجمه إلاَّ بالرضوخ إليه، لذا، حصل ما حصل في تلك البلدان.

اليوم، وبفضل التكنولوجيا الحديثة، ووسائل الاتصال الاجتماعي، لم تعد مسألة قتل أو اعتقال أو تهجير المعارضين، أو التضييق عليهم مسألة معالجة أمنية «واجبة ومفهومة» وانتهى الأمر، وإنما اليوم هناك حالة رصد لحظية، ومتابعة حثيثة تقاس بأجزاء الثانية، لكل حالات الانتهاك الإنساني، ثم تنتقل إلى ملفات مؤسسات ومنظمات ومحاكم جنائية تنتظر مثل هذه الأوضاع، وتبت فيها بشكل نافذ. مؤسسات ذات صلة وثيقة بدائرة الحكم الغربي الليبرالي، التي خلقتها حركة حياته السياسية العامة، حتى أصبحت سِمة طبيعية فيه.

في كلّ الأحوال، فإن الإعلام هو سلطة. وقد أصبحت قيمة هذه السلطة أكثر تحرراً بوسائل الاتصال الحديثة. فهي لم تعد تحتاج إلى تسويغات، أو إجازات من الأنظمة، لكي تبرِز سلطتها، وبالتالي، فإن منحها صفة الموضوع المطابق لمصداقها بات أمراً ضرورياً، كي تستطيع أن تتحوَّل إلى جزء من السلطة وشرعيتها، وتدير عملها بشكل طبيعي، لتعزيز الشفافية، والمراجعة والتصويب لما تقوم به أجهزة الدولة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3481 - الأحد 18 مارس 2012م الموافق 25 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:35 ص

      رب ارجعوني,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

      الصحافة الحرة ضرورية ولكن, ليس كل حق غير مصيري وغير ضروري يجب أن ينشر فيها, فتكون عواقبها السيئة تطغى على فوائدها الحميدة, وتكون بذلك بمثابة كلمة حق يراد بها باطل ولو دون قصد, فليس من اللباقة ولا من مفاتيح الوجاهة أن نعسعس بين شاهقات الجبال لنبحث عن صغائر العيوب كي نخدش بها أنظمة إسلامية لم ت(قم) إلا من أجل إنسانية الإنسان.

    • زائر 1 | 11:37 م

      11

      كلام سليم وجميل

اقرأ ايضاً