العدد 3480 - السبت 17 مارس 2012م الموافق 24 ربيع الثاني 1433هـ

المحرق أطلقت مظاهرات تأييد القضية الفلسطينية وحرّكت المنامة في أواخر الأربعينات

بين فريج «الشيوخ» وغرفة معلم القرآن «ملاه» بسوق القيصيرية مرتع الصبا... الحاج قاسم الشيخ صالح:

قاسم الشيخ صالح متحدثاً إلى «الوسط»
قاسم الشيخ صالح متحدثاً إلى «الوسط»

كان من بين شباب المحرق الذين ساهموا في تشكيل الوعي الوطني والقومي منذ أواخر الأربعينات من القرن الماضي... القضية الفلسطينية بالنسبة له وللكثيرين من شباب البحرين هي القضية الأولى التي بثت فيهم روح العمل النضالي، وكانت صورة تلك الروحية هي المشاركة في مظاهرات طلبة المرحلة الثانوية منذ العام 1948 تضامناً مع الشعب الفلسطيني ولجمع التبرعات وتنظيم اللقاءات التي كانت تنتقل إلى المنامة... كانت المحرق هي التي قادت المظاهرات وحركتها إلى العاصمة لتكبر وتقوى.

الحديث مع ضيفنا الحاج قاسم الشيخ صالح (أبوحافظ)، سيبدأ من فريج «الشيوخ» بالمحرق حيث مسقط رأسه...

ولعلنا نسأل ضيفنا أولاً عن «ملاه» و«السيد» وفريج «سمادوه» وذكرياته... فما الذي يبرق منها في الذاكرة؟

- ولدت في المحرق العام 1930، في فريج يسمى «فريج الشيوخ» والبعض يسميه «فريج سوق الخارو»، وهو قريب من جامع الشيخ عيسى، وطبعاً في ذلك الوقت كنا نتعلم في الكتاتيب، وبعد أن نختم التعليم في الكتاتيب نلتحق بمدرسة الهداية الخليفية، وبالنسبة لـ«مولاه» و «السيد» فهما من المطاوعة الذين تعلمت في كتاتيبهما، فكتاب السيد كان يقع في فريج «سمادوه» بالقرب من مجلس الناصر المعروف، وأيضاً أكملت ختم القرآن الكريم لدى المطوع «مولاه» وكان يعمل في غرفة قريبة من سوق القيصرية، ثم انتقلت إلى مدرسة الهداية الخليفية وكان التعليم فيها على ثلاث مراحل: تمهيدي، وتحضيري ويأتي بعدها الابتدائي.

لاشك في أن هناك من المعلمين الذين لاتزال تتذكرهم تتلمذت على أيديهم في تلك المراحل، هل تعرفنا عليهم؟

- هذه مرحلة مهمة بالنسبة لي، فقد تعلمت على أيدي بعض المعلمين ثم مارست مهنة التعليم معهم بمدرسة الهداية الخليفية، منهم المرحومون عيسى بن جاسم الجودر وعيسى المحميد والشيخ ماجد وعبدالرحيم روزبه وعبدالرحمن الحسن، وكان طلبة المدرسة يأتون من مختلف مناطق المحرق وقراها... من الحد وسماهيج والدير وغيرها، وكانت الصداقات متنوعة وكثيرة وفي تلك المرحلة نشأت علاقتي بصديقي رجل الأعمال علي راشد الأمين وأبناء جمشير وأبناء الشيخ محمد بن عيسى الخليفة ومن العوائل: المري وسيادي وهؤلاء ربطتنا علاقة طويلة بهم إلى أن أنهينا الدراسة وبدأنا حياتنا العملية.


شباب المحرق يلتقون في المنامة

يقال إنك كنت واحداً من قادة النشاط الطلابي في المرحلة الثانوية وخصوصاً في تنظيم المظاهرات لدعم القضية الفلسطينية في فترة الخمسينيات؟

- في المرحلة الثانوية، كنت واحداً من الطلاب الذين نشطوا في دعم القضية الفلسطينية منذ أواخر الأربعينات، وكان الكثير من الطلبة في المرحلة الثانوية متحمسين جداً للمشاركة في أية فعالية أو نشاط تحت عنوان مناصرة الشعب الفلسطيني، فنظمنا واشتركنا في المظاهرات، ولربما بدأ طلاب المحرق قبل طلاب المنامة، والذي حرك المنامة هي المظاهرة التي قادها المرحوم الشيخ عبدالله بن محمد الخليفة شقيق المحامي الشيخ عيسى بن محمد الخليفة أحد مؤسسي جمعية الإصلاح، وقادها من مدرسة الهداية إلى المنامة وقد وصلت المظاهرة إلى مدارس المنامة وتحولت إلى مظاهرات شعبية، وتم تنظيم حملة تبرعات وعقدت اجتماعات كثيرة بين الطلاب، وللعلم كان المشاركون في المظاهرات يسيرون مشياً على الأقدام من المحرق إلى المنامة على جسر الشيخ حمد، ثم كنا نتابع في ذلك الوقت حركة انفصال باكستان في مطلع الخمسينات، وهذه الحركة أثرت في الوعي السياسي للشباب، وكذلك حركات النضال في الجزائر وتونس ضد الاستعمار الإيطالي والفرنسي والبريطاني لنيل الاستقلال، وكنا نشكل الجمعيات للمساعدات وللتوعية وللإعلام وفق ما كان متوافراً آنذاك من إمكانيات.

كانت القضية الفلسطينية منذ ذلك الحين وإلى الآن هي الأهم بالنسبة لي... بالطبع الشعور الوطني والقومي والإسلامي من تلك الحقبة بدأ يتبلور عند أهل البحرين وأهل الخليج وكذلك الدول العربية والإسلامية وكان الجميع تقريباً يجمعهم شعور واحد من ناحية التضامن والمشاركة في المظاهرات.

هل بدأت العمل في التجارة حال إنهائك مراحل التعليم بالمدرسة آنذاك؟ وما هي قصة إضراب المعلمين بمدرسة الهداية الخليفية تضامناً معك... هل يمكن أن نعرف ما حدث آنذاك؟

- أود أن ألفت نظركم إلى أنني أنهيت دراستي الثانوية في العام 1950 والتحقت بالتدريس بمدرسة الهداية الخليفية، لكن العمل لم يستمر أكثر من عامين بعد أن نشبت بين بعض المعلمين الوطنيين مشاكل مع مدير المدرسة آنذاك المرحوم غانم عبدالرحمن، وكبر الخلاف إلى أن تحول إلى إضراب.


أوقفت عن التدريس!

وما هي الأسباب التي أدت إلى نشوب ذلك الخلاف مع مدير المدرسة؟

- بصراحة كانت المشاكل الرئيسية تتعلق بأسلوب إدارة غانم عبدالرحمن للمدرسة وما يتبع ذلك من أعمال إدارية لم نوافق عليها، بالإضافة إلى عدم قبولنا ببعض الإجراءات التي لا تساعد الطلبة في تحصيلهم الدراسي، وكبر الخلاف إلى أن تم إيقافنا عن العمل أنا والمرحوم إبراهيم الصباح، وكان لقرار إيقافنا ردة فعل كبيرة ومفاجئة! فقد أضرب المدرسون تضامناً معنا، وبعد ذلك تطورت الأمور وتم نقلي إلى مدرسة الحد ومديرها آنذاك المرحوم يعقوب القوس، كما تم نقل صديقي المرحوم إبراهيم الصباح إلى المدرسة الجنوبية وكان مديرها آنذاك المرحوم إبراهيم المهزع، لكن بعد النقل عملت لمدة عام كامل ثم قدمت استقالتي وتوجهت للعمل التجاري.

بدأت العمل في التجارة منذ العام 1953 مع المراحيم الوالد والعمام في تجارة القماش وخياطة الثوب العربي وللعلم كان أول محل لنا في الثلاثينيات بسوق المحرق قبل أن ننتقل إلى المنامة، وفي الحقيقة، كنت قبل العمل بالمحل، وفي فترة المدرسة، أشارك في العمل مع أبناء أعمامي ونتعلم ونكتسب الخبرة والتعامل، وهذا المحل الذي أنت فيه بشارع باب البحرين يزيد عمره على 50 عاماً، وهناك فكرة لطيفة، وهي أن سوق المنامة بالنسبة للبحرين كبومبي بالنسبة للهند، حتى أن الكثير من أهل المحرق وخصوصاً أهل الحد كانوا يسمون المنامة «بمبيوه لصغيره»! كونها مركز تجارة البحرين هي المنامة، وأول ما انتقلنا إلى المنامة اخترنا موقعاً في شارع باب البحرين وعملنا فيه سنوات، ثم انتقلنا إلى محلنا بشارع أبي العلاء الحضرمي المتفرع من شارع باب البحرين، والوالد رحمه الله ابتاع هذين المحلين وبناهما من جديد.

والعمل التجاري فتح لي باب التعارف والعلاقات مع العوائل التجارية كالمؤيد وكانو والمديفع والزياني والقصيبي والزامل وفخرو وغيرها، وكنت على صلة وثيقة في التعامل مع العديد من الشخصيات البحرينية والتجارية في البيع والشراء، وكنا في ذلك الوقت نستورد الأقمشة والمستلزمات من إنجلترا وسويسرا وفرنسا والهند، ولكن رحلاتي التجارية لجلب البضائع كانت بالدرجة الأولى إلى الهند.


المعاودة والموسوي والبوحيمد

ألم يبعدك العمل التجاري عن نشاطك السياسي والثقافي والاجتماعي في ذلك الوقت؟

- على العكس، ففي فترة الخمسينات كنت عضواً في نادي الإصلاح، وشهدت تلك الحقبة نشاطاً متصاعداً حيث تم تشكيل اتحاد الأندية الوطنية والتي ضمت الأهلي والعروبة والبحرين والإصلاح ونادي النهضة الذي هو نادي الحد، وكان لدينا نشاط ثقافي واجتماعي كبير، وركزنا كثيراً على ملتقيات التضامن مع القضية الفلسطينية، واستقطبت الأمسيات الشعرية والثقافية الجمهور، وفي ذلك الوقت كان الشعراء المرحومون من أمثال عبدالرحمن المعاودة ورضي الموسوي والشاعر السعودي البوحيمد يشعلون الحماس بقصائدهم العروبية القوية... كانت أيام فيها ذكريات كثيرة في المجالات الثقافية والاجتماعية، وكنت شغوفاً جداً بمتابعة كل الكتب الجديدة التي تصدر في مجال الفكر والإسلامية والوطنية والقومية، وكان الكتاب الإسلاميون من دون استثناء يجذبونني وخصوصاً أولئك الذين يقدمون فكراً عميقاً في القضايا الإسلامية.


حقبة صعبة وكلمة واحدة

يقال إن الوحدة الوطنية في الماضي، هي الصورة التي يفتقدها المجتمع البحريني في الوقت الحاضر؟ كانت فيما مضى أصدق وأقوى ركيزة مما هي عليه الآن، هل هذا صحيح؟

- في ذلك الوقت كان الأساس بالنسبة لنا جميعاً هي الوحدة الوطنية وبث روح التضامن والتعاون والتطلع إلى المستقبل، وهذه هي أهم المحاور في التواصل مع أفراد المجتمع مما نحتاجه اليوم، وانطلاقها هو صدق النوايا وحسنها، ولكنني لا أستطيع أن استعرض القيادات من الشخصيات السنية والشيعية فقد كانوا كثيرين، ولم تكن هناك أية تفرقة بين سني أو شيعي، وكانت حقبة صعبة لكننا كنا على كلمة واحدة وقلب واحد بل ورأي واحد... شاركنا مع بعضنا البعض في السياسة وفي النشاط الاجتماعي والتجاري وفي أنشطة التنوير الثقافي والمساعدات... على قلب واحد... هذا هو المطلوب اليوم.


عيالنا وأحفادنا لن يتركوا المنامة

ها نحن في سوق المنامة... وتبقى هذا السوق قضية كبيرة فكل تجارها القدامى يجمعون على أن فقد هويتها كارثة؟! وها أنت إلى الآن متمسك وجدانياً بسوق المنامة... هل من حيلة لإنقاذ هوية السوق؟

- مرت على سوق المنامة فترة أهملتها السلطة إهمالاً كبيراً جداً، ومع ظهور المجمعات التجارية الكبيرة في كل مكان، زاد وضع السوق سوءاً! فالزبائن الذين كانوا يقصدون سوق المنامة أخذوا يكتفون بالمجمعات القريبة من مساكنهم، وأكثر الأخوة من التجار ومن أصحاب الأعمال انتقلوا إلى أنشطة أخرى، وأخذوا يؤجرون محلاتهم للوافدين، والآن لو نظرت إلى سوق المنامة ستجد ما نسبته 90 في المئة محلات وسجلات مؤجرة، ولذلك الهوية تأثرت وهذا بعلم وزارة التجارة والصناعة، وحتى بعد أن تم تدشين مشروع تطوير سوق المنامة وإلى الآن لم نجد انفراجة لإعادة الحياة إلى السوق، ولكن ما سأقوله هو أن عيالنا وعيال عيالنا لن يتركوا سوق المنامة إلى أن تعود إليه الحياة من جديد كسابق عهدها.

العدد 3480 - السبت 17 مارس 2012م الموافق 24 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 3:33 ص

      لك طولة العمر

      الله يطول بعمرك عمي بو حافظ .. ذكرتني بالوالد رحمه الله .

    • زائر 5 | 3:24 ص

      حوار جميل

      باسم اهالي المحرق وتحديداً جيران الوالد الحاج قاسم بن الشيخ صالح نتقدم للوسط بالشكر الجزيل، الحوار جميل وفيه محطات مهمة وكنا نتمنى التركيز على شخصية والده رحمه الله الشيخ صالح.. نتمنى تخصيص مساحة في المستقبل لشخصية الشيخ صالح

    • زائر 4 | 3:20 ص

      الى الوالد الشيخ قاسم بن صالح أطال الله عمرك

      ولانكم فى عهدكم الزاهر كنتم تطلقون على سوق المنامة حينها "بمبيوه لصغيرة" فهاهي الان تتحول بمبيوه لكبيرة بفعل التجار الذين هجروها واسسوا لانفسهم ربحا يدر عليهم من خلال تأجير محلاتهم وسجلاتهم للبمبيون"للمواطنين" الجدد وللاسف عند زياراتنا للتسوق بالسوق القديم لا نجد ما نشتريه سوي الاشياء الباهته والبالية من البمبيون وتجارة كلها بماركات مزورة مثل الساعات"بدينار وهي رولكس" والاحذية وسواها واصيب السوق بمقتل فعليا وياريت تعود ايام لول

    • زائر 2 | 1:04 ص

      قلت لأحد المصرين اننا نقوم ثورتكم بموقف مصر الجديد من القضية الفلسطينة والصدقة الامريكية

      فقال:
      ياه فلسطين .... هذه مال أول.

    • زائر 1 | 11:16 م

      رحم الله فلسطين

      قول العمة اسرائيل فلا يجوز ان تذكر فلسطين لانها من التاريخ ولا يجوز نبش التاريخ جزاك الله خير وكما قال الشاعر يا فلسطين لا تخافي الاعراب تحت اللحافي

اقرأ ايضاً