أكَلَت الأيام الأربعة الماضية خبرًا «رئيسيًا» واحدًا من إيران. الخبر، هو «مساءلة» الرئيس محمود أحمدي نجاد في البرلمان الإيراني، قدَّم لائحتها ذات الأسئلة العشرة، 79 نائبًا في المجلس، يُشكلون خليطًا نيابيًا، ما بين محافظين مناهضين للرئيس، وإصلاحيين، اتفقوا مع سابقيهم على مخالفته، حول أعمال تنفيذية كثيرة. بالتأكيد، فإن خبر المساءلة، لا يُمكن أخذه بشكل مُجرَّد، دون ضَربه بخبر (أو مجموعة أخبار إيرانية مترافقة) لكي تتضح الصورة أكثر.
بداية، يجب أن نقول، أن ردود الرئيس أحمدي نجاد على نواب المجلس، كانت خارج سياق الرد الطبيعي، ولا يناسب مقالها المقام، عاكسًا بذلك أمريْن اثنين. الأول: نمط إدارته التنفيذية، القائمة على الإقصاء والإزاحة، والتي دَرَجَ عليه، خلال دورتيْن رئاسيتيْن، بدأت منذ العام 2005 ولغاية اليوم، عبر تسريح أزيد من خمسة عشر وزيرًا ومسئولاً في حكومته، كلَّلها بقراره عزل وزير خارجيته (السابق) منوشهر متقي من منصبه، وهو لم يزل بعد يؤدي مهمَّة رسمية في السنغال!
فقبل أن يُنهي ردوده على أسئلة المجلس قال أحمدي نجاد متهكِّمًا، وموجهًا كلامه للنواب «من أجل توفير عشاء ليلة آخر السنة للمواطنين، جئت لأجيب على أسئلة الامتحان التي وضعتموها لي، ولم تكن صعبة، وأعتقد بأن من وَضَعَها لم يحصل على شهادة الليسانس في شكل مشروع. ولو استشرتموني، لساعدتكم في طرح أسئلة أفضل. أجبت على جميع الأسئلة، والآن إذا منحتموني علامة أقل من 20 (على 20)، فهذا هو عين الغبن والجبن».
هذا الخطاب، يعيد إلى الأذهان، طريقة ردود الرئيس نجاد، ودفاعه عن نفسه، خلال المناظرات التلفزيونية المباشرة، التي كانت تجمعه مع منافسيه الثلاثة خلال انتخابات العام 2009، مير حسين موسوي، مهدي كروبي ومحسن رضائي. ثم يعيد إلى الأذهان أيضًا، الخطاب الذي ألقاه أمام حشد غفير من مؤيديه، بُعيْد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأخيرة، في إحدى ساحات طهران، وتحدث فيه عن غريمه هاشمي رفسنجاني بشيء من السلبية الفاقعة، حتى خُتِمَ الحشد بالهتاف بالموت لرفسنجاني، (وهو الرجل القوي في النظام) بحضور الرئيس نجاد نفسه!
الأمر الثاني، بيَّنت ردود الرئيس الحادة في المجلس، انفعالاً مكتومًا، بات ملازِمًا لأحمدي نجاد، بسبب التضييق، الذي أصبح النظام الإيراني، يبني سياجه المدَبَّب، حول عنق الرئيس، وتياره من المحافظين التعميريين. فالنظام يعتقد، أن أحمدي نجاد وتياره، جاؤوا إلى السلطة، بطريقة غير تقليدية، لا تقوم على آلية التحالفات بين مراكز القوى، مستعينًا بشعبيته القائمة على «الشعبوية» السياسية، ومخاطبة الناس، بغير ما كانوا يسمعونه طيلة ثلاثين عامًا، من انتصار الثورة الإسلامية، وبالتالي التمايز عن الجميع، وإزاحتهم أخلاقيًا في الوقت نفسه.
وقد منحه ذلك، أن لا يكون مُطالَبًا، لا قانونيًا ولا عرفيًا، أن يتقاسم السلطة التنفيذية مع أحد، وبالتالي تحوّله إلى مُركَّب جديد، يسير بموازاة مُركَّبات الدولة الإيرانية، ومراكزها الضاغطة على حواف السلطة ونفوذها. هذا الأمر، خلق ما يُمكن تسميته بالصَّولجان، أو المِحْجَن السياسي، الذي يتصارع اعوجاجه مع سَمْت الدولة، وبالتالي تحول الصراع، إلى صراع على ما هو أولى أن يسود من نظام بيروقراطي، تنتظم عليه الدولة، وتسيِّر شئونها.
خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كانت الحصيلة النهائية، هي فوز 225 نائبًا نالوا العتبة الانتخابية القانونية، وأجِّلَت جولة انتخاب النواب الـ 65 المتبقين، لشهر إبريل /نيسان المقبل. لكن اللافت، أن 140 نائبًا من النواب الفائزين في الجولة الأولى، ينتمون إلى الجبهة المتحدة للأصوليين التي يساندها رئيس مجلس الخبراء، ورئيس جمعية روحانيت مبارز، الوعاء الحزبي التقليدي للمحافظين، آية الله مهدوي كني. كما فازت قائمة النائب المحافظ، والغريم لنجاد، علي مطهري بعشرين نائبًا. وفاز أربعون نائبًا «مستقلاً» نصفهم (أو أكثر) موالون لليمين التقليدي، في حين، فاز خمسة عشر نائبًا من الداعمين إلى أحمدي نجاد. هذا الترقيم يعني، أن الغالبية العظمى من الفائزين، هم ليسوا على هوى الرئيس نجاد، ولا تياره السياسي.
حادث آخر، يُدلِّل على ما نقوله، بشأن التضييق على عنق الرئاسة النجادية، وهو التعيين الأخير، الذي صَدَرَ عن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، والذي حَدَّد فيه أسماء أعضاء مَجْمَع تشخيص مصلحة النظام. فبقراءة سريعة لمرسوم التعيين، سنرى أن خامنئي قام بتعيين أشخاص لهم خصومة تاريخية مع أحمدي نجاد، كهاشمي رفسنجاني (الذي تم تعيينه رئيسًا للمجمع لدورة أخرى) وعلي أكبر ناطق نوري، وحسن روحاني، وقربان علي دري نجف آبادي، ومجيد أنصاري، ومحسن رضائي. وهؤلاء جميعهم، كانت لهم معارك ضارية مع نجاد وتياره منذ أزيد من عشرة أعوام خلت.
أكثر من ذلك، فقد تضمَّن التعيين، أسماء وزراء عَزَلَهم نجاد من حكومته، وتخاصم معهم في الميكرفونات، وعلى صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية، كداود دانش جعفري الذي كان وزيرًا للمالية، ومحسني إيجي الذي كان وزيرًا للأمن، ومحمد حسين صفار هرندي الذي كان وزيرًا للثقافة، فضلاً عن وجود علي لاريجاني بصفته أحد رؤساء السلطات الثلاث، وكذلك رئيس اللجنة البرلمانية المكلفة بشئون المجمَع. وهنا، يُطرَح السؤال مرة أخرى: هل سيحضر الرئيس أحمدي نجاد اجتماعات مجمع التشخيص، الذي سيرأسه «رئيسه» وخصمه اللدود هاشمي رفسنجاني، أم أنه سيقرر مقاطعته مثلما فعل، في الفترة التي تلت الانتخابات الرئاسية؟
الذي يبدو، أن أحمدي نجاد، سيبقى على خصوماته السابقة. فهو لم يبق له في السلطة سوى عام واحد. كما أن تياره، لن يحظى بدعم ولا فرص، للفوز مرةً أخرى في الانتخابات الرئاسية القادمة، إلاَّ إذا اعتمد ذات التكتيك الذي اعتمده في السابق، لكنه سيدخل إلى باحة دولة، بلا مقعد ولا ركن، حينها سيكون رئيسًا أبكم، تلقى عليه جميع الإخفاقات.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3479 - الجمعة 16 مارس 2012م الموافق 23 ربيع الثاني 1433هـ
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ولّين، ردّينه على طير ياللي !!
لصاحب المداخلة رقم 3
هل انت مقتنع بأن الكاتب لم يتطرق للوضع البحريني؟؟؟؟؟؟؟؟؟ بالتأكيد لست قارئا باستمرار
الهروب من الداخل
يا سبحان الله لم نقرا للكاتب اي موضوع او تعليق عن الوضع الداخلي في البحرين بل علي العكس انقلب ثلاثمائة درجة حتي تغيرت ملامح كتاباته عن السابق فالأبيض اصبح أسودا والأسود اصبح ابيض ....
قد لا تكون رغبة او طريقة ازاحة الرئيس هي المثلى ولكن
شعوبية سياساته (و إن نفعته في ولايته الأولى) إلا أنها كان لها نتائج كارثية اقتصاديا وعلى السياسة الخارجية ، و قد أصبح رئيس ايران بما فيه الكفاية ، فإن أراد الأيرانيون (شعبا و سلطة) أن يقللو من الخسائر (خصوصا على صعيد القوة الناعمة و الأخلاقية) أن يسمحو بانتخاب رئيس غيره اقل تصادمية مع الجيران و له استقلالية معقولة عن مراكز القرار المعتادة ، بالأضافة إلى سياسات اقتصادية تكبح جماح التضخم اللذي يدمر اقتصاد ايران
وين المشكلة
فهذه الديمقراطية ، فليس كل من يختلف معك في الرأي أو القناعات هو خصم لك ، فذهه سياسة المتغطرسين
تحياتي / أبو سيد حسين