العدد 3477 - الأربعاء 14 مارس 2012م الموافق 21 ربيع الثاني 1433هـ

نظام الزمان أم زمان النظام

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

العنوان أعلاه مقسومٌ على جزءين. الجزء الأول هو عنوان لكتاب ثمين (جدًا) للفيلسوف البولندي، والأستاذ في جامعات باريس وجنيف، كريستوف بوميان، يتحدث فيه عن الزمان وجوهره وطبقاته بشكل فريد. أما الجزء الثاني، فهو الذي سأتحدث عنه في هذا المقال، ويُعنى بتوصيف أحوالنا الحياتية، وما نقوم به من أعمال يومية، وممارسات تجاه بعضنا وأنفسنا حتى. وهو في حقيقته مرتبط بنظام الأخلاق العامة. فالحياة مُشكلة للحكيم وحلٌ للأحمق كما كان يقول الامبراطور الروماني ماركوس أوريليوس.

شعار تثبيطي لطالما ردَّدناه: مواعيد عَرَبْ. هذه الجملة مع الأسف يتداولها أشخاصٌ عديدون، وهي تشِي بنوع من المنتظم السلوكي، الذي أفضى إلى تطبُّع سيئ، ومن ثم المزاح به عبر التهكم بالنفس، والتسليم للقدَرِيَّة السلبية في عدم التغيير، على أننا أمة لا تتقن معنى احترام الوقت. والحقيقة الجسيمة، أنه من الخطأ، ربطها بجنس العرب ومادتهم، لأن ذلك معناه، تقليل من شأن أمَّة كاملة، لها وجاهة حضارية سابقة كغيرها من الحضارات، ارتبطت بدين سماوي خاتم. بينما الصحيح، أن عَرَبًا من العَرَب، هم من يخطئون التقدير (كآحاد)، فلا يلتزمون بما ألزَموا أنفسهم به، فيمارسون حياتهم وشئونهم بغير هدى.

لا شيء أكثر أهميَّة من النظام. بالتأكيد ليس المقصود هو النظام السياسي، وإنما كيفية أن يقوم الناس، بإدارة شئونهم وعلاقاتهم بشكل سليم ومتقدم. هذا الأمر، اهتمّ به الأقدمون، منذ أن وَسَمُوا سنينهم بحدث عظيم، يرجعون إليه كدالِّة على زمانهم، كعام الفيل وعام الكسف وعام الحرب. ثم وجدوا في التقويم الشمسي، أو الشعائري المسيحي، دليلاً على ذلك، فاتبعوهما، كي لا تضيع أيامهم وساعاتهم سُدى؛ لأنهم كانوا يعتبرون الوقت جزءًا من المال.

الحقيقة، أن الوقت قيمة أساسية في حياتنا. لاحظوا جيدًا، كل الأمور مرتبطة به. مواعيد أعمالنا اليومية، ومواعيد شرب دوائنا، وانطلاق رحلاتنا الجوية. بل حتى في المعارك العسكرية، تقوم الجيوش بتعيين ساعة الصفر لتحريك أرتالها ضد الخصم. أكثر من ذلك، فالوقت يتحكم حتى في حديثنا، وحُجَّته علينا، قانونيًا واجتماعيًا. وقد قال المخرج والمؤلف الأميركي ميل بروكس ان الذوق السيئ هو ببساطة أن تقول الحقيقة قبل الوقت المناسب لقولها. لهذه الدرجة، يلعب الزمن وتوقيتاته دورًا في حياة البشر.

هذا الأمر، يبدو غريبًا على الكثيرين من العرب، ومن هم في العالم الثالث. فهم لا يُدركون قيمة الوقت، إلاَّ في رحلاتهم بالطائرات، أو عند تسجيلهم للحضور والانصراف في أماكن العمل. أما عندما تتحدث عن بقية شئونهم الحياتية، التي هي من صُنعِ أيديهم، وخاضعة لتحكمهم مع عوائلهم وأصدقائهم وجيرانهم، فترى أنهم لا يقيمون لها وزناً أبدًا. وهي باتت سِمة، طبيعية في مسلكهم، حتى أصبح البعض، يُمهِر وقت أفراحه في الدعوات، بزمن أسبق، لكي يتسنى له الظفر بالمدعوين، في الوقت الذي يُحيِّنه هو مع نفسه، لإدراكه بأنهم لن يأتون إلاَّ بتضييع جزء من الساعة أو أكثر.

في الغرب، لا يبدو الأمر كذلك. يقول أستاذ جامعي عربي مرموق، ممَّن عملوا في جامعات الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، وله أزيد من خمسة وعشرين بحثًا مُحكَّمًا في أدق العلوم، انه وعندما كان يجري تجاربه البحثية مع طلابه، وتدعوه الحاجة إلى طلب بعض أدوات تلك التجارب، فإنه لا يقوم سوى بكتابة بريد الكتروني، وتعبئة استمارة مُخصصة، ليتسلم ما طلبه في اليوم التالي، بينما في بعض جامعات العالم الثالث، فإنه يتسلم تلك الأدوات بعد ستة أشهر من تاريخه، وقد تخرج طلابه من الفصل المعني، وبالتالي فهو يؤثر حتى على مستوى المخرجات العلمية.

اليوم، ربما نحن نستغرب من أن سويسرا على سبيل المثال، هي تأتي في طليعة الدول المصنِّعة للساعات الفاخرة في العالم. لكن الغرابة أكثر، سنجدها عندما نزور مدنها الكبيرة كجنيف أو بيرن وحتى ريفها، لنرى كيف أن الحياة هناك تسير على عقارب الساعة بدقة متناهية. وكل مَنْ قرأ التاريخ السويسري، سيجد أن هذا البلد، كان رائدًا في صناعة الساعات منذ العام 1600 عندما كان هناك ثلاثون ساعاتيًا يعملون في تلك الحرفة، ليرتفع إلى 1770 صانع ساعات في قرية معزولة بكانتون نيوشاتل السويسري، وبالتالي تطابق التاريخ مع الفعل.

أيضًا، الموضوع غير مرتبط بمسألة الوقت واحترامه فقط، وإنما مرتبط بطريقة حياة الناس ونظامهم. ماذا لو تحدثنا عن النظافة كمعيار أصيل من معايير تقدم الأمم والشعوب. فالجميع بيننا ينادي ويقول، ان النظافة من الإيمان، لكن واقعهم ومسلكهم يناقض ذلك تمامًا. فالبعض يرى أن النظافة في جسمه ومنزله فقط، وبالتالي فهو لا يتمنع فيما لو جعل الشوارع والأزقة مَكَبَّاً لنفايات بيته وراحلته. فالشارع بالنسبة له ليس طريقًا مُعبَّدًا للسير، وتسهيل المرور والتنقل بحرية، وإنما مزبلة من مزابل الأوساخ، وفتات الموائد، ورُوث الحيوانات.

أخبرتني إحداهن ممن يتعلَّمنَ الآن في إحدى الجامعات الأوروبية المرموقة، بأن نظام الحياة في المنطقة التي تسكنها، قد لا يحتملها من رَفِلُوا في اللاقانون، وامتهان اللامبالاة. فلكل شيء نظام، بما فيه مسألة التخلص من نفايات المنازل. فأكياس القمامة على عِدَّة ألوان، حيث يفردون كلّ لون لجزء مُحدَّد من النفايات، فالكراتين والأوراق لها لون كيسي خاص، وقنينات الزجاج كذلك، والأشياء الصلبة أيضًا. وعندما تجد شركات النظافة أحدًا وقد خالف ذلك النظام بخلطه الحابل بالنابل، فإنه يُحاسَب حسابًا قانونيًا، يضطر بسببه لدفع غرامات مالية.

في المحصلة، فإن مثل هذه المسائل مرتبطة بثقافة الأفراد والشعوب، وأيضًا بالنظام العام للدولة. وهي أيضًا ممارسة قبل كل شيء، حيث يستطيع الفرد أن يجد نفسه وقد اندمج في مثل هذا المنتظم السلوكي، وبالتالي، فإن الموضوع مُركَّب، ما بين إرشادي وقانوني وثقافي وناجزيَّة الدول وتحوّلها كمثال يُحتذى، وإذا ما اختلّ واحدٌ منها، فإن المعادلة تختل في توازنها، لتصبح عرجاء.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3477 - الأربعاء 14 مارس 2012م الموافق 21 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:36 ص

      كيف نحل مشاكلنا بدون نظام

      دخل رجل على طبيب الماني للأمراض الجلدية يشكو إليه التهاباً شديداً بين أصابع رجليه، وحالة من التعفن الكريه.. فسأله الطبيب الألماني المسلم: هل أنت مسلم؟ قال المريض: نعم.. فقال له الطبيب: اخرجْ.. ليس لك عندي علاج. لماذا؟ أيها الطبيب وأنت تخصص الأمراض الجلدية؟! فقال الطبيب المعالج المسلم: لو أنك تتوضأ كل يوم خمس، أو ثلاث مرات للصلاة ما حدث لك ذلك. اذهب وتوضأ وضوءاً صحيحاً.. وسوف ترى أثر النظافة. في بلدنا أحنا حتى قوانيننا ليست بنظيفة ولا بقانون فكيف نحل مشاكلنا .

    • زائر 6 | 6:08 ص

      الوضع مختلف

      من قبل لا يوجد ازدحام في الشوراع لذا كان الناس يصلون في الاوقات المناسبة اما اليوم فالوضع مختلف

    • زائر 5 | 5:58 ص

      لكل زمان دولة و رجال ... و لو دامت لغيرك ما وصلت لك!!

      هذه المفاهيم الواقعية لا يُدرك فحواها ذوو العُقول المُتحجّرة أمثال القذأفي و (.............).

اقرأ ايضاً