في البدء جاءت الكلمة لتبدد الصمت البشري، وكانت الأداة الوحيدة للاتصال بين الإنسان والآخر، ومن ثم كانت الكلمة المكتوبة، لتصبح قادرة على الانطلاق من محدودية الجغرافيا إلى عالم أوسع، عالم لا يحدها فيه مكان ولا زمان، انه الإعلام الذي يدخل كل البيوت عنوة، ويفرض نفسه بكل صورة، عالم غريب ومثير، عالم مؤثر ومتأثر، فمن يملك قراره فيه؟
بني الإعلام على تلقي المعرفة ونقل الخبر ورفع مستوى الثقافة وتطوير فكر المجتمع وتكوين الرأي العام، ونقل الحقائق والمعلومات ذات القيمة الحضارية، حرف الإعلام ليكون جزءا من الترفيه بحجة التنفيس عن الروتين اليومي وجهد العمل، لكن ذلك خلق مزيدا من الهبوط العام في المستوى الثقافي، ونشوء حالة هروب من الواقع المعاش، وهذا ما لجأت إليه الكثير من الحكومات في جعل الإعلام أداة لتخدير شعوبها وعزلها عن العالم والتأثير عليها ببعض القناعات والأفكار والتي تصبح بفعل الإعلام والزمن لدى قطاع كبير من الناس نوعا من المعتقدات الراسخة التي بقيت دهرا لم تغيير ولم تضعف.
الإعلام العربي سيطرت عليه السلطات الحاكمة دهراً، فهي المتحدث وهي صاحبة السيادة وهي في الوقت ذاته تحرك مقص الرقيب لترسم ما تريد، وقد ركز على بناء المعرفة بتنوعها الغث والسمين، وغفل عن التواصل وخلق جسرا بينه وبين المتلقين، فأصبح هو في واد وهم في واد آخر. هذه الفجوة التي استمرت طويلاً، هرب منها الإنسان العربي إلى عالم افتراضي يستوعبه هو ويستوعب طموحاته هو صاحب الكلمة فيه، ويحاور من يشاء فيما يشاء.
مع العالم الجديد بكل تلوناته من برامج التراسل والشبكات الاجتماعية والشاشات الفضائية انتقلت السلطة الإعلامية من يد المؤسسة إلى الفرد، فالمحتوى أصبح بيد الناس إنتاجاً وتوزيعاً، وهي المرسل والمستقبل في الآن ذاته. اليوم لم يعد أي خبر خافيا على أحد، ولم يعد حجب المعلومة ممكناً، فأصبح الإعلام كما يصفه الكثير من الإعلاميين (شعبويا) وقيل انه «إعلام الفقراء».
الربيع العربي حرر الإعلام العربي من قيوده، ومن سطوة النفوذ والمال، فقد حرك الشباب إلى الساحات والميادين جماعات اتخذت مسميات شتى متحدية حالة الإحباط والخوف من السلطات، فالشباب هم المحرك الحقيقي لهذا الحدث وهم من تفاعل مع الإعلام الجديد ورسم ملامحه وصاغ مفرداته وفرض مصطلحاته، وتداولت عباراته القصيرة الفضاء وجال بصوره أرجاء المعمورة، فأصبحت لغة الخطاب هي لغة الجماهير التي فرضت هذه اللغة على المزاج العام. الصانع الحقيقي لا يمكن له أن يروج لما صنعه طويلا، فهو يشكل رأس حربة في مواجهة التغيير، لذا فان الثورات قد تحرر الإعلام ولكنها لا تضمن إعلاماً حراً حقيقياً محترفاً، وخصوصاً مع ضبابية الدور الحكومي في التعامل مع الإعلام الجديد والذي لن يستمر في الأفول بعيدا، فقد يعود بتأثير أقوى، لذا فان المعول على الفاعلين في مؤسسات المجتمع المدني من الجمعيات الثقافية والسياسية والمهنية والحركات النقابية والحقوقية في إدارة الإعلام الجديد لترشيد الخطاب القصير ليحمل فكرا ناضجا يتعامل مع المتلقي بصدق دونما استغفال أو تجيير نحو وجهة واحدة.
واقع فرض علينا أن نتعامل معه بصدق ومسئولية، فقد فتح الباب على مصراعيه، وحفز المواطن على الإعلان عن نفسه، لأنه شعر بان مطالبته بالحقوق جزء من مواطنته، وهذا دافع كبير نحو التغيير، لكن هل الإعلام البديل قادر على التكيف السريع والمستديم لكي يستطيع الصمود، وهل هو قادر على الإجابة على الأسئلة الصعبة في الزمن الصعب؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 3476 - الثلثاء 13 مارس 2012م الموافق 20 ربيع الثاني 1433هـ
الاعلام المختلط
اصبح الاعلام العربي مسير و ليس مخير و و كل فئه تسعى لوصول كلمتها لكل العالم ،، و لكن الغرب شكلوا طريق واسع لانبثاق الحريات و التأكيد عليها و تكون بحسبه غير ثابته بأختلاف النظرة العامه لهم و الربيع العربي كان سببا مباشرا لتحريك الاعلاام بين يد الجميع
لا يوجد لدينا اعلام عربي
ما يوجد لدينا هو اعلام عبري و ليس عربي لان العرب عرف بالشهامة و النخوة و الغيرة و لكن ما نشاهده او نتابعه في الاعلام العبري هو عكس ذلك