بداية لا أظن أحداً لا يعرف قصة قوم يأجوج ومأجوج، وهما أُمّتانِ من البشر من ذرية آدم (ع) لم يسبق لها مثيل. وقال أهل اللغة العربية إن يأجوج ومأجوج اسمان أعجميان مشتقان من أجيج النار أي من التهابها ومن الماء الأجاج وهو الشديد الملوحة والحرارة، فشبهوهم بالنار المضطرمة المتأججة وبالمياه الحارة المحرقة المتموجة لكثرة تقلبهم، واضطرابهم، وتخريبهم، وإفسادهم في الأرض!
كما لا أظن أحداً منكم لا يعلم بأن الله قد ميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات بصفتين مهمتين لوجوده على الأرض وإعمارها، لا إفسادها، وهما النطق، أي الكلام، والحوار مع الآخر. وأكد الخالق على ذلك في آيات كريمة متعددة منها: ضرورة التحاور مع الأبناء، كما في سورة لقمان (ع) وهو يحاور ابنه: «يَا بُنَيَّ» (لقمان:13). وفي الحوار مع أهل الكتاب «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ» (آل عمران:64). وفي الحوار مع المشركين: «وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ» (التوبة:6).
ونخلص من هذه المقدمة إلى أن ثمرة الحوار لابد أن تكون بهدف الوصول إلى الحق وليس الباطل. ولذا فالقاعدة العقلية التي ستحكمك في الحوار هي كيف ينفصل عن الباطل من لم يتصل بالحق؟! فمن كان طلبه الحق وغرضه الحق وصل إليه بأقرب الطرق سلميةً وهو طريق الحوار الذي سلكه الرسول (ص) قبل أن يحمل السيف. بل إن الرسول العظيم تحاور مع المرأة الضعيفة المسكينة التي تشكو من زوجها، في قوله سبحانه وتعالى: «وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا» (المجادلة:1). ثم إن المولى عز وجل شدد في كتابه الكريم بقوله: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ» (الحديد: 25)، ولم يقل بالنار والسلاح والدخان أولاً.
ومربط الفرس في أي حوار بينك وبين الآخر، كما قال حكيم الزمان وكل زمان، هو أن تبادر الفُرصة قبل أن تكون غُصة، وإنما البصيرُ من سمع ففكر، ونظر فأبصر، وانتفع بالعِبَر! فيكون الهدف من الحوار هو إصلاح ما فسد بالطبع، ولذا فلا مناص من أن يكون الإخلاص والتجرد من أي تعصب فئوي أو نفعي هو سمة هذا الحوار. وعند إحضار الحجة في الحوار لا يجب أن يكون ذلك بمجرد كلام فضفاض وعاطفي وإنشائي حتى تقول إننا نحاور الآخر ونجادله وفي النهاية تكون جعجعة في فنجان. فإما أن تكون الحجة عقلية قاطعة أو لا تكون هناك حجة.
ويتبع ذلك أيضاً السلامة من التناقض، فكما يقول أهل العلم الديني والعقلاني إنه يجب على المحاور ألا يناقض كلامه بعضه بعضاً؛ ذلك لأن (نظرُ البصر لا يُجدي إذا عميت البصيرةُ) وبعض الناس -لانعدام بصيرته- يأتي بكلام ليس مترابطاً في موضوع واحد وإنما يتعارض مع بعضه. ولا تنسَ المحاورة بالحسنى، أي تعلم أن تركز في حوارك على قضيتك التي جئت من أجلها أساساً ولا تشغل نفسك بالصغائر التي يتعمد المحاور الآخر أن يشغلك بها أو تبقى تبحث عن أخلاقه ونسبه وحسبه وتنسى لب القضية الأم. واتبع قول حكيم الزمان (قد انجابت السرائِرُ لأهل البصائر).
ثم تنبه إلى أن الحجة لا تكون هي الدعوى، حيث إن بعضهم يحتج بأن قوّته بطول عمره. وقف عند الاتفاق على المسلّمات ومنها المظلومية التي وقعت عليك فيما سبق والمطالب التي قدمتها لرفع تلك المظلومية وإحقاق الحق دون غيره ودحر المعلول وغير الصائب. والأهم أن يكون المحاوَر الجالس أمامك أهلاً للحوار في الأساس فلا تقبل بأهل الجهل والنزق والطيش، لأن ذلك سيضيع الوقت ويطيل النقاش ويؤدي إلى طريق مسدود بل وتعود إلى نقطة الصفر، وكأنك يا بوزيد ما غزيت! ولا تنسَ الإنصاف في الوقت، فكن منصفاً حتى مع محاورك الذي تختلف معه، وإن كان من قوم يأجوج ومأجوج، فإذا حاورته فلابد أن تتفق معهم بداية، بأن تقول له: لابد أن تسمع مني بكل رحابة صدر كم أسمع منك حتى تنتهيَ. ولتعلم أنه من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ.
وهذا يحدد بدايةً بقولك لمحاورك: كما لك دقائق معدودة لي مثلها أيضاً فلا تقاطعني ولا أقاطعك حتى تكمل رأيك وأكمل رأيي. ولله در من أحسن الإنصات لمن اختلف معه كما يُحسن الإنصات لمن اتفق معه، فهذه من أفضل شمائل وخلق المؤمن الواعي بمشاكله ومطالبه وطرق تحقيقها بشكل حضاري راق جداً. وحتى لا تعيب على الآخرين، هم كذلك، إنهم لا يحسنون الإنصات لك ولا لصوت العقل عند أي أزمة أو مشكلة؛ ثم تقوم أنت بتبني نفس أخطائهم.
ولتعلم أخيراً، أيها المحاور الذكي، أن نسبة القرب والبعد من الحق ليست دائماً مئة في المئة! وضع في اعتبارك أن من حق الراعي أن يختار لرعيته ما يختاره لنفسه. أضف إلى ذلك أن من وقعت عليه الحجة في الحوار بالأدلة والبراهين فعليه أن يسلم بالنتائج ولا يعاند وإلا لن يحقق الحوار أهدافه أبداً. ولتعلم أنت ومحاورك بأن الله من فوق سماواته يسمع تحاوركما؛ لذا فلن يستطيع أحدٌ منكما أن يخفي أي شيء.
وأخيراً كما قال حكيم الزمان وكل زمان: الحرُ حُر وإن مسه الضُرُ. وسلامتكم من كل ضر.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3475 - الإثنين 12 مارس 2012م الموافق 19 ربيع الثاني 1433هـ
مقال جميل وفي غاية من الفائدة لمن القى السمع
شكرا لك ايها الكاتب على ما خطته يمينك فكلامك كلام من ذهب لمن يعي ويعرف ولأولي الالباب
لكن اين اولي الالباب الآن في البحرين؟
ما يطفوا على السطح هم اولي الاجندات الطائفية والمصالح الفئوية
عميق
قوية فكرتك و أسلوبك
يا استاذ
اشكرك على هذه النصائح المنطلقه من مبدء
ذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين
ملچاوي
عجيب يولد السلمان
فيه حوار مافيه حوار فيه امل مافيه امل كانه في حوار من وراء الكواليس لا مافيه هل البسبسات اللي نسمعها بس قرقعه لجم ونسمع الجعجعه ولا نرى الطحن على العموم استاذى ذكرتني بايام الدايات اول دايه وحده لكل القريه وتمر على الحوامل بالدور وتسئل فيها طلق لوما فيها وطلقها حار لوبارد وكانها تسئل عن كبشينوا المهم تلتهم كم فرده تمر تشرب فنجان قوهتها وتمشى لحامل غير وكم حامل مات الجنين في بطنها وماتت عقبه والدايه تسئل الطلق حار لوبارد اذا كان هناك حوار فلماذا الخجل والخوف لايتحاور الا العقلاء الشجعان..ديهي حر
اللهم بلغنا نعمة الأمن والأمان
يا أستاذ محمد والله إننا تواقون للحوار الجاد ، لكن نريد أن نبلغ المأمن والجدية لكي تبقى البحرين بلد الأمن والأمان . ولكن ما تقول إذا ما جوبهنا بالإنكار والممانعة