إن الانتقال من الحالة الدكتاتورية وسيطرة الحزب أو النظام الواحد تعد مسألة صعبة، لما للقيم الدكتاتورية السائدة في أي مجتمع من سطوة وتأثيرات أصبحت متأصلة ومعيقة للتحول نحو دولة المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات المكفولة بموجب الدستور والقوانين.
ومما يزيد من صعوبة الانتقال من مرحلة إلى أخرى وجود جماعتين في المجتمع، غالباً ما توصف الأولى بالموالاة والثانية بالمعارضة، وكلا الجماعتين تتشكلان في حالة انسجام وتضاد في الوقت ذاته، مع الأسس التي تقوم عليها الدكتاتورية. بمعنى تتأسس قوى الموالاة من جماعات وأفراد، غالبهم يرون مصلحتهم الذاتية في بقاء الدكتاتورية التي توفر لهم سبل العيش والنماء، وبالتالي فهم يفضّلون المحافظة عليها وتكريس صلاحياتها كنظام شمولي يحفظ لهم «مكاسبهم». وبالمقابل هناك جماعاتٌ وأفرادٌ آخرون، يؤمنون بأن تأسيس دولة المواطنة المتساوية هي الطريق السالك من أجل تحصيل الحقوق المتساوية. وعليه تجد في هذا الطرف أو ذاك مختلف مكونات المجتمع القائم على أساس المنفعة.
هذه النظرة ليست قاعدةً علميةً يمكن الارتكاز عليها لفهم طبيعة ومنطق علاقة المعارضة والموالاة في أي مجتمع من المجتمعات، إلا أنها عنصر مهم لا يمكن تجاوزه في فهم جوهر أي صراع سياسي، وأي صراع بين من يملك ومن لا يملك.
لاشك مرت شعوب كثيرة بهذه المعضلة وإن اختلفت في طبيعة صراعاتها سواءً أكان قائماً على أساس عنصري بين البيض والسود، كما في جنوب إفريقيا، أو عرقي في رواندا بين قبائل الهوتو والتوتسي، أو حزبي أو طائفي أو عائلي كما هو السائد في بعض الدول العربية. بيد أنها تشترك في مسألة استئثار مجموعة بالسلطة مقابل مجموعة ثانية تُنتهك حقوقها بموجب سلطة الأولى.
وحيث وفّرت التجارب الإنسانية جملةً من الحلول للانتقال من مرحلة الديكتاتورية إلى مرحلة الديمقراطية، استناداً إلى أسس فرضتها عوامل متعددة، ولعل من أبرزها تجربة جنوب إفريقيا.
في المنتدى العالمي الذي نظمته الاسكوا بالتعاون مع جامعة الدول العربية نوفمبر الماضي، تحت عنوان «التنمية بالمشاركة وتسوية النزاعات: مسار الانتقال الديمقراطي»، تناولت إحدى الأوراق تجربة جنوب إفريقيا في تحقيق الاستقرار السياسي والدور الذي لعبته مؤسسات المجتمع المدني في تحقيق الأمن.
وإن كانت تلك التجربة ليست الحل الأمثل لإنهاء أي صراع سياسي في أي مجتمع آخر، سواء تشابها أو اختلفا في توصيف طبيعة الأزمة، حسب الورقة، إلا أنها تشكل مؤشرات وملامح عامة يمكن الاسترشاد بها، أو بأقل تقدير، تهيئة الظروف المناسبة لتعزيز عوامل تحقيق المصالحة.
الورقة تشير إلى أن أبرز العوامل التي ساعدت في تهيئة ظروف نجاح المصالحة الوطنية والانتقال إلى المجتمع الديمقراطي، أن الترابط بين المواطنين السود والبيض وتوجههم نحو مستقبل يسوده السلام والاستقرار، والاحتقان السياسي المتمثل في جمود العلاقة بين القوى السياسية فرضت على الطرفين ضرورة البحث عن حلول بديلة عن الاحتكام للعنف. وتحسّن ميزان القوى بين حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وحكومة دي كليرك، بالإضافة إلى وجود مؤسسات مجتمع مدني قوية وذات نفوذ، وقادة سياسيين أقوياء.
أدّت تلك العوامل، إضافةً للضغط الدولي الجاد لإنهاء الأزمة، إلى توصل مختلف القوى السياسية إلى أرضية تم في ضوئها صياغة الدستور الجديد، وبموجبه انتقلت البلاد من مرحلة سمو المواطن الأبيض على نظيره الأسود، إلى «دولة مواطنة»، يحكمها دستور قوي صيغ بيد أبنائه، كما بدأت المصالحة والإنصاف قائمة على توفير الشعور لدى المواطن الأسود بأن حقوقه لن تنتهك في المستقبل.
وبالنظر للحالة البحرينية، سنجد أن النزر اليسير من تلك العوامل متوافرة بين أطراف الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ 14 فبراير/ شباط، فالمجتمع منقسم بفعل ما أحدثته آلة الإعلام الرسمية بتحوير الصراع من أساسه السياسي إلى البعد الطائفي. كما أسهمت الدولة، بسياساتها الممنهجة، إلى تقليص دور مؤسسات المجتمع المدني، لتشكيل مؤسسات تتماهى والحالة الطائفية وما سبق إليه من ولاءات، وصولاً إلى الجمود السياسي في علاقة الحكم والمعارضة.
إن تحقيق الأمن لا يجلب بالضرورة الاستقرار، وبالتالي أي حل للأزمة السياسية في البحرين لابد وأن توفر له سبل استمراره، بمعنى ألا يكون حلاً آنياً وتأجيلاً للأزمة، وهذا يستوجب حسب خلاصة أوراق المنتدى، البدء بحوار وطني جاد يعالج قضية شكل ومضمون الوثيقة التي تضع مبادئ الدولة وتنظم العلاقة بين المجتمع والدولة، وأقصد هنا الدستور، الذي يجب أن يكون ذا طبيعة ديمقراطية شكلاً ومضموناً، وأن تضمن الفلسفة الدستورية في الوثائق التأسيسية، وأن يُفكَّر فيها وتُصاغ أحكامها ومقتضياتها بالحوار والتوافق والتسويات المشتركة.
وكي يتحقق الاستقرار طويل الأمد، فلابد من إعادة بناء المؤسسات من برلمان وحكومة وقضاء وفقاً لروح الدستور المصاغ بالتوافق، فضلاً عن إقرار مبدأ المواطنة الكاملة بتوفير شروط إعمالها في الممارسة شرطاً واقفاً وفرض عين لإعادة ردم الفجوة بين المجتمع والدولة، ورفع كل مظاهر التوتر بينهما، وخصوصاً أن المواطنة الكاملة ظلت الفريضة الغائبة في المجال السياسي العربي، وبالتالي فإن الاعتراف بها وإقرارها دستورياً وقانونياً وتعزيزها في الممارسة، تمثل شرطاً تدفع باتجاه انتقال الدولة من دولة رعاية إلى دولة مواطنين، ما سيعيد ترتيب الولاءات بصورة متوازنة وسليمة، ومنه إعادة صياغة ثنائية الحكم والموالاة من جانب والمعارضة من جانب آخر، إلى نظام حاكم ومعارضة، بحيث تتغير مواقع كلا الطرفين بعد كل 4 سنوات في الانتخابات.
إقرأ أيضا لـ "خليل بوهزاع"العدد 3474 - الأحد 11 مارس 2012م الموافق 18 ربيع الثاني 1433هـ
ان مطلبنا حق وعدل
لا يختلف على ذلك اي واعي ومنصف لكن نقول للموالاة التي تعرف الحل ما قاله علي-ع-: من ضاق به العدل فالجوربه أضيق ...اي ان هذا الجور والظلم وانواعه سيصل اثره للموالاة هذا ان لم يصل وكلما طال الامد سترونه بعمق وبشدة اكثر من جورهم بالمعارضة
بوهزاع
وضعت يدك على جذور اصل لمشكلة السياسية وطرحت الحل المعارضة تسعى له بشوق ولهفة واكثر الشعب يريده لكن الطرف الاخر الحكومة واتباعها صموت وصمود في التعامي وعدم اعارتنا اذنها مع علمها بالحل لكنه يخسرهم كثيرا من المواقع فهل سيسكت الشعب وهل للحكومة نفس طويل على تحمل الشعب؟؟؟
الموالاة الموالاة اضاعت وفرطت
الموالاة اساءت أكثر مما نفعت
ولعل رفعهم للسلاح وتجمعاتهم في الساحات وغيرها من المظاهر كالمشانق وغيرها اساءت
كما يبدو ان الغالب على الموالاة من لا اصل لهم في الوطن ولا نصيب والصور ناطقة بتلك الحقيقة
العدل العدل العدل
العدل هو الاساس لو طبق العدل بين الجميع لساد الامن والامان
أسعدني حضورك على ساحة الوسط
نتوقع المزيد وسننتظر................