العدد 3474 - الأحد 11 مارس 2012م الموافق 18 ربيع الثاني 1433هـ

تقرير الأمم المتحدة في 2004 توقع «صرخة الحرية» العربية

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

انتفاضات وثورات «الربيع العربي» عمت البلدان العربية في 2011 من أقصى المغرب العربي وتونس، إلى البحرين ودول الخليج، وشكلت منظومة حقوق الإنسان ومفاهيم الحرية في إطارها وفي صميمها وحدة غير قابلة للتجزئة خلال الصحوة العربية التي أكدت الترابط بين مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء المجتمعات المتحضرة وأنظمتها السياسية العادلة. ولقد توقعت الأمم المتحدة «صرخة الحرية» في 2004، قبل سبعة أعوام من الحراك التاريخي الذي شهدناه في 2011.

لقد أصبح منظور الحرية وحقوق الإنسان جزءاً لا يتجزأ من تطور التنمية البشرية إذ إن عدم تأمين الحد الأدنى من الحقوق الأساسية كالحق في الحياة وفي الأمان الشخصي يحيل الحرية إلى التعامل معها في الترويج عنها بنظرة توظف للاستهلاك الدعائي أو الإعلامي للأنظمة التي لا تعترف بتفعيلها ولكن باستخدامها لتحسين صورتها الخارجية فقط أمام المحافل الدولية.

إن مستوى الحرية في بلدان المنطقة العربية يختلف من بلد لآخر وذلك نتيجة لخلل بنيوي متعدد ولأسباب سياسية تدخل في غالبها تشكيل المجتمعات وكيفية نظرتها إلى الحرية والتعامل معها بدءاً من الحريات الفردية وصولاً إلى الحريات الجماعية.

وقد جاء في تقرير «التنمية الإنسانية العربية» للعام 2004 - نحو الحرية في الوطن العربي - أن إحدى مصائب المنطقة العربية هي غياب الحرية وأن صرخة الحرية ستدوّي.

التوقعات التي جاء ذكرها في التقرير الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحققت على أرض الواقع في المشهد السياسي العربي الذي انفجر في تونس ثم امتد ليشمل دولاً عربية كثيرة وذلك بسبب التراكمات والترسبات التاريخية المذهلة التي حولت فيها المواطن العربي إلى مواطن مسلوب الحقوق لا يمكن أن يكون حراً في أفكاره ولا حراً في اختياراته، ببساطة قيمته لا تساوي شيئاً أمام نظامه السياسي الذي يهاب موضوع الحرية والحقوق التي بدورها قد تخلّ توازن النظام السياسي القائم على عدة عناصر منها الفساد والقمع ومعاناة الناس وانتهاك الحريات بأنواعها.

ولقد أشار تقرير التنمية الإنسانية في 2004 إلى موضوع الخلل في بنية الدول العربية وبخاصة في المشرق العربي بالقول: تشكلت في معظمها تحت وطأة أحداث تاريخية لم تكن إرادة الإنسان العربي بالغة الأثر فيها ولم يكن المواطنون في الواقع مصدر سيادتها، فمع بدء انهيار السلطنة العثمانية، تمكنت المصالح الاقتصادية الأجنبية من خلال اتفاقية «سايكس - بيكو» من تقسيم المنطقة العربية إلى دول دون أن تأخذ بالاعتبار مصالح الشعوب وعلاقتها بالأرض تاركة جيوب توتر على معظم الحدود العربية هذا من جهة ومن جهة أخرى لم يشمل إرادة المواطنين في رسم الأنظمة السياسية فكان العقد الاجتماعي اعتباطياً يفتقر إلى الشرعية».

وأضاف التقرير: «إن ضعف فكرة التعاقد في المجال السياسي العربي أدى إلى شيوع اقتناع شعبي عام بأن السلطة السياسية قدر مفروض لا مفر منه ولا سبيل لتداولها أو حتى تقييدها، والدولة العربية الحديثة تعاني هي نفسها من عجز في الفكرة أي في تأسيس هذه الفكرة على الإرادة الحرة لأعضاء الجماعة وهي الفكرة التي قامت على خلفيتها الدولة الوطنية في الغرب وتطورت واستقامت حياتها الدستورية والسياسية».

وينوه التقرير إلى أن جزءاً كبيراً من مشكلة الحرية وحقوق الإنسان في أنظمتنا العربية ترجع إلى أنها صدرت بغير الأساليب التي تعطي للمشاركة المكانة التي تستحق فهي إما صدرت بإرادات شخصية للحكام في شكل مراسيم أو وثائق أو عطايا ممنوحة تكرم هؤلاء على شعوبهم أو قدمت للشعوب للاستفتاء عليها بنعم أو بلا بعد أن وضعت وتمت صياغتها بشكل لا يقبل النقاش.

ويعود هذا الأمر إلى أن قيم مشروعية الحوار وتداول السلطة ظلت محصورة في إطار لم يستطع إضاءة الطريق بما فيه الكفاية لبناء ثقافة التعاقد السياسي التي تؤسس لشرعية الاختلاف ومشروعية الحوار وحتمية تداول السلطة بين النظام والشعب في دول المنطقة العربية.

إن معظم الدساتير التي وضعت من قبل الأنظمة العربية لم ترجع إلى شعوبها إلا في حالات رغم أن هذه الدساتير تؤكد مبدأ السيادة للشعب والمساواة والعدل بين المواطنين استناداً إلى القانون والدستور.

أن الخلل الذي صاحب العلاقة بين المواطن العربي ودولته قد ازداد في ظل استمرار آلية ضعف مشاركة المواطن في الحكم وآليات الاقتراع وهامشية المجالس التشريعية وتبعيتها للسلطة التنفيذية التي تختزل بشخص الرئيس لا غير، لذلك فإن القانون ينتهي دوره بأنه لا يمثل سيادة الشعب وسلطاته، وبالتالي أصبحت مسألة المحاسبة والفساد وغيرها من الأمور التي لا يمكن أن تؤسس دولة القانون في ظل علاقة غير متكافئة بين الطرفين وغياب العوامل التي تم ذكرها.

وخلال عام كامل في 2011 وحتى اليوم أصبح المواطن العربي مواكباً على المطالبة بالحقوق التي سلبت منه وهو لا يمد يديه متسولاً ولا مستنجداً أو مستغيثاً ولكنه يطلب الحقوق التي أخذت منه بغير حق حتى والإنسان العربي لن يتوقف عن مطالبه من أجل أن يحظى بحياة تحفظ كرامته الإنسانية أولاً وحقوقه المدنية الكاملة ثانياً دون أي نقص، والاستفادة من ذلك لا تتم في ظل استمرار قيود سياسية.

إن هناك دولاً غير ديمقراطية تحاول تبني مبادئ الحقوق التي يطالب بها المواطن حفاظاً على نظام الامتيازات الذي تتمتع به على حساب شعوبها وهو ما شدد عليه تقرير التنمية في 2004 بالقول: «هذه الدول تجد صعوبة في تأقلمها مع خصوصية عربية تصاغ على مقاس المرحلة من سلطة سياسية قمعية وقوى مجتمعية تخشى الحرية وتكرس التقليد الذي يخدم استمرار القبيلة وتحريم الابتكار».

والتقرير نبه أيضاً إلى أن «نظام الامتيازات الدولي الممنوح لقلة من الدول يجيز لها التسلط على إرادة الأكثرية حتى ولو كانت أكثرية مطلقة وتعطيها القدرة على تعطيل القرارات العادلة لمجرد أنها تتعارض مع مصالحها ما أضعف العديد من المبادئ التي قامت عليها الشرعة الدولية»، وكل ذلك أضعف الأمل بتمتع الناس بالحرية والعدل والسلام ولكن تبقى منظومة حقوق الإنسان منطلقاً ومرجعية وهي تمثل بارقة الأمل رغم المناخ الخانق الذي يحد من فعاليتها.

التحديات التي تواجه المواطن العربي اليوم هي معوقات تحدّ من تأسيس نظام سياسي يحترم حقوق الإنسان والحريات وهو ما صنفها التقرير إلى نوعين هما: سلطة أنظمة غير ديمقراطية وغير مبالية بشعوبها وأخرى سلطة التقليد والقبلية المتسترة بالدين أحياناً، وهو ما قد أدى إلى تضافر السلطتين على الحد من الحريات والحقوق الأساسية أي إضعاف مناعة المواطن الصالح وقدرته على النهوض.

ببساطة الحرية بنظر حكومات المنطقة العربية من النوع الذي تم الإشارة إليه هي امتياز للسلطة بينما المواطن في نظرها يبقى كائناً مطيعاً، لا يشارك، تستعبده السلطة بصورة مستمدة في سيادتها من سيادة النظام الأبوي المعمول به داخل الأسرة أو القبيلة التي يقابلها موجب الطاعة على كل فرد بعيداً من دون مفاهيم أو قيم إنسانية محقة، ولذا فإن مفهوم الحرية وتفعيله في المجتمعات العربية يصطدم بواقع متخلف سياسياً، وهذا قد ينتج ثقافة العنف والقمع مقابل عدم الطاعة. وما يميز الصحوة العربية - رغم بعض الإخفاقات ومحاولات اختطافها أو قمعها - أنها مصرّة على لغة متطورة إنسانية تنشد حقوق الإنسان والديمقراطية وتلتزم بالسلمية. فشكراً لتقرير التنمية الإنسانية للعام 2004 الذي انتبه إلى «صرخة الحرية» قبل أن تدوي في 2011.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 3474 - الأحد 11 مارس 2012م الموافق 18 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 23 | 9:35 ص

      كلمات الحق تحاصرهم فاين يفرون ؟؟

      اينما اتجهوا وجدوا من يرفع كلمة الحق في شرقها وغريها وجنوبها وشمالها حتى انهم لايجدون سوى جهة واحدة تلك هي جهة من يزين لهم عملهم ويدفعهم الى حيث نهايتهم التي يخافونها وعندها ينفض من حولهم المصفقون والمادحون ناظمو الشعر والمغنون

    • زائر 22 | 5:55 ص

      أمل البحرين

      أهلا برجوعك ياشريفة المهنة والقلم.

    • زائر 21 | 5:51 ص

      وعدتم والعودة أحمد.. وما يصح إلا الصحيح

      بعد غياب طويل عن مقالات الوسط الصحيفة المتميزة. هاهو القدر يكتب لك ان تعودي للكتابة ثانية بعون الله وتوفيقه ونقول لك ولزملائك الصحفيين الذين يحملون أمانة القلم المدافع عن الانسان أين ما كان مهما اختلف دينه أو عرقه أو مذهبه. نقول لك ولهم شكراً لكم جميعاً ودمتم مشعلاً للحرية والتقدم والازدهار لصحافتنا الحرة ولوطننا الحبيبة وعتم والعود احمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

    • زائر 19 | 4:35 ص

      صباح الورد و الياسمين,,,,,

      و كما قال الشاعر:-
      ان عهد الظالمين يشيده اثنان ,,
      ابناء التخاذل,,
      و العبيد,,

    • زائر 18 | 4:23 ص

      ياهلا بحارقتهم

      اهلا بالسيدة الاولى التي وقفت وقالت لهم لا للظلم
      سنعطيك لقب حارقتهم لانك فعلا حارقتهم

    • زائر 17 | 4:14 ص

      إضاءة راقية

      إضاءة راقية يسقطها الكاتب على واقع متخلخل عشناه لسنين طوال. الكاتب والتقرير تنبآ بهذا النسق الثوري قبل أعوام والذي فيه دلالة صاخبة على أن القمع لا يولد مواطنا خانعا بل يولد ثورة جياشة خلاقة إن اقترنت بإعلام صحيح قائم على التأثير الاجتماعي

    • زائر 16 | 3:34 ص

      هلا وغلا

      لكم افتقدناك وافتقدنا قلمك الحر ، فاهلا ومرحبا بك , ودمتمي سالمة .

    • زائر 15 | 3:18 ص

      عودة حميده

      اهلا بعودتك ايتها الشريفة يا صاحبة القلم الشريف والى الامام

    • زائر 14 | 3:10 ص

      وتبقى الحقيقة

      يا هلا بها الطلة، منورة عزيزتي، ولا يخلى هاالمكان من قلمك
      ويبقى للحقيقة دائماً أبطالها
      منى عباس فضل

    • مواطن مستضعف | 2:56 ص

      بوركتِ يا أختي الفاضلة الكريمة "ريم"

      عُدتِ و العود أحمدُ.
      مع فائق التحيّة و الودّ

    • زائر 11 | 2:53 ص

      يا ألف نهار أبيض!!

      و أنا أقول الوسط منوّرة ليه؟
      أتراكي رجعت تاني يا "ريم" .. ألف الحمد لله على السلامة.

    • زائر 10 | 2:47 ص

      الحق يعلا ولا يعلا عليه

      نورة صحيفة الوسط بالاقلام الحرة الشريفة

    • زائر 9 | 2:26 ص

      عدت و العود احمدي !!!!!!

      هلا أستاذه .......افتقدنا قلمك

    • زائر 8 | 2:24 ص

      مطول الغيبات چاب الغنائم

      هلا بيچ هلا وبچيتك هلا

    • زائر 7 | 2:22 ص

      هلا وغلا

      هلا بعزيز تنا الصحفيه الشريفة .....

    • زائر 6 | 2:22 ص

      مرحبا بالسيدة والكاتبة المتألقة ريم خليفة ( نونو الصغير )

      عدت لعرينك مرة اخرى فمرحبا بك وتحية اجلال واكبار لمواقفكم المشرفة والف تحية لصحيفتنا الأولى الوسط .

    • زائر 5 | 2:15 ص

      اهلا وسهلا بالأقلام الحره الشريفة

      مرحباً بعودتك مرفوعة الرأس. .......افتقدنا قلمك عزيزتناااااا.

    • زائر 4 | 2:07 ص

      صباحك خير يا أستاذة

      هلت وأنورت وأشرقت الشمس وضاء القمر على صفحة الاعمدة بجريدتنا الغراء فكم سعداء بنور فكرك الذي أضاء أول اطلالة ببلسم الكلمات التى تشدو بحق عبق النور والتنوير - فياأهلا وسهلا بهالطلة المباركة - موضوع قيم ويشد القاريء فشكرا لك شكرا لك

    • زائر 3 | 1:16 ص

      Welcome

      welcome back dear Reem

    • زائر 2 | 1:06 ص

      يا حلا الصباح برجعتج

      أحلى شي نصطبح بهالوجه الحلو الأستاذة ريم، عادت والعود أحمد

      منورة ياسيدتهم وتاج رؤسهم

      أهلا فيج ودوام التوفيق يارب

    • زائر 1 | 1:06 ص

      قبل أن اقراء

      نقدم لكم كل التهانى للرجوع الى ديار الوسط . كنا ننتظرك يشوق .......

اقرأ ايضاً