مجدداً يعود الحديث بقوة، في أوساط النخب السياسية الخليجية، عن وحدة دول مجلس التعاون. مناسبة ذلك هي دعوة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز بخطابه، في افتتاح القمة للدورة الرابعة والثلاثين، لمجلس التعاون الخليجي، التي عقدت بالعاصمة الرياض، للانتقال بالمجلس من حالة التعاون التي استمرت ثلاثة عقود إلى مرحلة الاتحاد، حتى يتمكن أبناء الخليج من مواجهة المخاطر والتحديات التي تمر بعموم المنطقة.
والهدف من هذه الدعوة واضح وصريح.إنه دعوة إلى اندماج دول مجلس التعاون في كيان سياسي واحد، بصياغات تتسق مع روح العصر الذي ليس فيه مكان للضعفاء.
لقد تشكل مجلس التعاون الخليجي قبل أكثر من ثلاثين عاماً، في ظروف غاية في التعقيد .فقد انتهى عقد السبعينات من القرن الماضي بخروج مصر من دائرة العمل العربي المشترك، إثر توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين الحكومة المصرية والكيان الصهيوني، وشهدت المنطقة مع مطلع عقد الثمانينات اشتعال الحرب العراقية - الإيرانية، التي شكلت تهديداً مباشراً لأمن واستقرار الخليج العربي، وطالت بألسنتها بعض دوله.
في ظل هذه التحديات، توصل قادة دول الخليج العربي، باجتماع قمة عقد في أبوظبي، في (25 مايو/أيار1981) إلى اتفاق بتشكيل مجلس التعاون. وقد تضمن الإعلان الأول للمجلس إقرار صيغة تعاونية بين الدول الخليجية الست، تشمل التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة. وكان إعلان تأسيس المجلس نقلة مهمة على صعيد تعزيز علاقات التضامن والتكامل بين بلدان الخليج العربي.وقد أمل الخليجيون أن يكون تشكيل المجلس خطوة باتجاه إعلان المواطنة الخليجية الكاملة، وقيام نوع من الاتحاد الفيدرالي بين دول المجلس، بما يعزز الأمن والاستقرار في دول المجلس، ويسهم في الحفاظ على الهوية العربية، ويحقق التكامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي. وقد شجع على ذلك، التشابه الكبير بين دول مجلس التعاون في مجالات كثيرة، أهمها تقارب أشكال أنظمتها السياسية، والروابط الثقافية، وصلة القربى، والتواصل الجغرافي، والمصير المشترك.
إن الوحدة الخليجية، على هذا الأساس، ينبغي أن تكون استجابة بديهية لحاجة مواطني الخليج للأمن والاستقرار، وهي الوجه الآخر لليقظة التي تفرض منطق الوحدة، وهي التعبير عن حالة الوعي والتصميم، على أن نكون «على قدر المسئولية الملقاة على عاتقنا».
لقد سكن حلم تشكيل كيان سياسي موحد، يضم دول مجلس التعاون في الوجدان الجمعي لمواطني الخليج. فهذه الوحدة كما يرونها هي مركب النجاة لنا جميعاً، في وجه الأطماع والتدخلات الخارجية بمختلف أشكالها. وكانت على الدوام مطلباً استراتيجيّاً، غير محكوم بحالة ظرفية. فهي السبيل إلى المنعة والقوة، في وضع عالمي ليس فيه مكان للضعفاء والمتخاذلين، وهي أيضا السبيل لحماية الثروة الوطنية، وهي وحدها القادرة على إعادة تشكيل التركيبة الديمغرافية للخليج، بما يحفظ هويته، وانتماءه العربي الإسلامي.
إن تحقيق هذه النقلة سيقود إلى تأسيس جيش واحد، وسياسة واحدة وعملة واحدة، واقتصاد قوي واحد، وخطط تنموية واحدة، وبرامج تربوية واحدة. كما ستؤدي إلى انسيابية تدفق العمالة ورؤوس الأموال الخليجية، من وإلى هذه الدول بما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، وحماية الهوية العربية، ويقلل من فرص الاختراقات الخارجية، التي يمكن أن يتسبب فيها وجود عمالة أجنبية وافدة، غير متوازنة مع عدد السكان الأصليين، في عدد من بلدان الخليج العربي.
ما يجعلنا نتفاءل في المرحلة المقبلة؛ تزامن الدعوة له في القمة مع تقديم خمسة ملفات، من قبل وزراء الخارجية والمالية، تناولت التكامل الاقتصادي والمالي الخليجي والاتحاد النقدي ومشاريع قرارات تتضمن قواعد الإدراج المشترك للأسهم والسندات والصكوك، ووحدات صناديق الاستثمار في الأسواق المالية الخليجية، إضافة إلى توصية بتشكيل هيئة قضائية كإحدى آليات تسوية الخلافات أو المنازعات الاقتصادية.
إن أهمية هذا المشروع، ودوره الأساسي في صياغة مستقبل هذه المنطقة؛ يجعل من الجوهري والملحّ، الانتقال من مناقشته بين الرسميين في الأروقة الخاصة، إلى جعله شأناً عامّاً، يتناوله المثقفون والمهتمون بالشأن العام، بما يسهم في تعزيزه، وجعله معبراً بشكل حقيقي عن احتياجات وتطلعات الناس.
ومن البديهي؛ أن يكون المثقفون في مقدمة المهتمين بموضوع الوحدة. وسيكون مجدياً أن تفتح ملفاتها أمام الحوارات وتعقد الندوات لإثرائها. ويتوقع أن تكون سقوف هذه الحوارات عالية جدّاً، بما يفتح أمام المعنيين في القيادات الخليجية، بوابات وفرص جديدة، ربما لم تكن في حسبانهم، للسير في مشروع الوحدة، ويتيح اختيار الأفضل، بما يسهم في تشكيل دولة خليجية مدنية، يعتز مواطنوها ويفخرون بالانتماء إليها.
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "العدد 3473 - السبت 10 مارس 2012م الموافق 17 ربيع الثاني 1433هـ
التجارب الوحدوية
يا أخ يوسف ..الوحدة كانت ولا زالت حلم الشعوب العربية ، فالتجارب الماضية لمشاريع الدمج والوحدة أكدت وتؤكد ، بأن الوحدة لا يمكن تطبيقها بشكل فوقي ولا يمكن فرضها من خلال مؤسسات عسكرية وأمنية رسمية لحاجاتها الأمنية والعسكرية الماسة لها ، بل أن مشاريع الوحدة لا تتحقق إلا من خلال تأسيس المؤسسات الديمقراطية وخلق كيان مؤسساتي ديمقرطي يجمع ممثلي شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، فالوحدة لا يمكن أن تتحقق بدون وحدة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الممثلة لشعوبها ..سعيد دلمن
حقوق
لن يكون هناك كيان قوي ثابت الا بحترام حقوق الناس جميعاً
اما حكم الاقلية واتسبداد الاخرين لن يجدى على المستوى القريب والبعيد