الطفل يتعلَّم من أقرانه، وقديماً تنبَّه العالم والفيلسوف أبوعلي ابن سينا إلى هذه الحقيقة عندما قال: «إن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ، وبه آنس، وأدعى للتعلُّم».
ثمة أسئلة تدور في مخيلة الكثيرين من المربين والقيادات التعليمية عند الحديث عن ضرورة إدماج ثقافة حقوق الإنسان في العملية التربوية، من قبيل: هل انتهت القضايا التربوية ومبادرات تطوير التعليم ومشاريع تحسين أداء المدارس لنأتي اليوم ونتحدث عن تدريس حقوق الإنسان لطلبة المدارس؟ ألا تثير موضوعات حقوق الإنسان التوجس والخوف في نفوس هؤلاء الطلبة؟ باعتبار أن هذا التوجه يختزن في طياته ـ كما يرى البعض ـ بُعداً سياسياً؟
الخطأ الكبير الذي وقع فيه البعض أنهم خلطوا بين تعلم الطلبة الثقافة السياسة أو المهارات السياسية، وبين السياسة الحزبية أو التكتلات الايديولوجية، وبالتالي كان لزاماً علينا النظر إلى تعليم حقوق الإنسان بوصفه نشاطاً إيجابياً متى ما توافرت الآليات والاستراتيجيات الملائمة لتنمية الوعي بهذه الثقافة ضمن سياقاتها العلمية والمنهجية الصحيحة.
«المعلم الصغير» لحقوق الإنسان واحدة من الاستراتيجيات الفعالة في الحقل التربوي، ونقصد بالمعلم الصغير هنا «ذاك الطالب الذي يقوم بمهمات تدريس مبادئ حقوق الإنسان تماماً كما هو المعلم أو المدرب الكبير صاحب المهنة والاختصاص».
من أبرز الملاحظات التي تُثار في أوساط العاملين بالميدان التربوي أثناء تقييم أداء المعلمين في الزيارات الصفية أن «ما يجري هو تدريس وليس تعلُّماً»، لذا فعندما يقوم الطالب بتمثُّل دور المعلم فإنه سيساهم حتماً في خلق جو تعلُّمي منفتح ومحفز في الوقت نفسه لغيره من أقرانه لتقمُّص هذا الدور أكثر من المعلم، وعلى حد تعبير المثل القائل: «مطرب الحي لا يطرب».
الهدف الرئيسي من تبني استراتيجية «المعلم الصغير» لحقوق الإنسان هو خلق جيل واعٍ من طلبة المدارس وتدريبهم على ثقافة حقوق الإنسان ليكونوا معلمين ومدربين وقادة في المستقبل، متشربين بهذه الثقافة الإنسانية.
ولكي تكون هذه الاستراتيجية ذات جدوى فإن على المعلم إعداد الطلبة وتدريبهم على الثقافة الحقوقية من خلال منابعها الأصيلة، وأعني بها المواثيق والمعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وأفضل الممارسات التربوية عليها، والتي يراد منه تعليمها وتوصيلها إلى أقرانه في الصف، وذلك لن يتم إلا إذا كان هو مستعداً للقيام بهذه المهمات، بأن تكون لديه القدرة على المواجهة (لا يكون خجولاً مثلاً)، وأن يمتلك من مهارات الإبداع والابتكار والحداثة والطموح لأن يكون معلماً مبدعاً وملهماً في المستقبل.
هذه الاستراتيجية من شأنها تعزيز مفهوم «التعلم الذاتي» لدى الطلبة وتشجيعهم على أن يكونوا معلمين في سائر المواد الأخرى، وكسر الجمود أو الروتين لديهم من خلال تعويدهم على مهارات الإلقاء وفن الخطابة، واكتشاف الموهوبين منهم ومنحهم حق التعبير عن الرأي والتفكير الناقد، والتخفيف من أعباء التدريس على المعلم، كما ستكون حليفة للمعلم في حال وجود أكثر من طالب يحتاج إلى متابعة، فهي نوع من أنواع المذاكرة بالنسبة للطالب في التحضير للمادة العلمية التي يدرسها والارتقاء بمستواه في التحصيل العلمي والأكاديمي والاستعداد لعملية التقييم والامتحانات، كما تنمِّي ـ على الصعيد النفسي ـ روح التنافسية والشعور بالارتياح والاعتزاز والثقة بالنفس؛ لأنه قد يصبح يوماً ما معلِّماً متميِّزاً ومبدعاً.
«المعلم الصغير» لحقوق الإنسان وسيلة جيدة لربط الطالب بزميله وأخيه على مقاعد الدراسة، للوصول إلى الهدف الكبير «التعلُّم من أجل الاحترام» ودور المعلم في هذه العملية يتمثل في متابعة أداء «المعلم الصغير» داخل الصف وتوجيهه الوجهة التربوية المطلوبة.
رؤيتنا المستقبلية أن تتبنى الجهات المسئولة عن التعليم هذا المشروع ومن ثم تعميمه، على مستوى تأسيس اتحاد «المعلم الصغير « لحقوق الإنسان، بأن يخصص له مقر يجمع كل المهتمين بهذه الثقافة؛ وطالما كان رهاننا على المستقبل فإن علينا أن نرضع هذا الطفل في المدرسة وهو في المهد صغير مبادئ حقوق الإنسان؛ ليكون فقيهاً محترفاً في التربية على حقوق الإنسان، وليستقطب لنا صفوة شباب هذا الوطن العزيز.
هذه الرؤية وطنية، وهي تلتقي إلى حد كبير مع أهداف الحملة التي أطلقتها كلية البحرين للمعلمين في العام 2010 تحت عنوان «كن ملهماً... كن معلِّماً».
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3473 - السبت 10 مارس 2012م الموافق 17 ربيع الثاني 1433هـ