جهد خارق ذلك الذي بذله العمال لجرف الطبقة السطحية من المنطقة الجبلية الرعوية شمال شرقي اليابان، التي نال منها التلوث الإشعاعي إثر أسوأ كارثة نووية شهدتها اليابان. لقد أزالوا التربة السطحية في المناطق السكنية في فوكوشيما تلك المدينة التي تبعد 55 كيلومتراَ شمال غربي مصدر التلوث الإشعاعي «محطة فوكوشيما دايتشي النووية».
وبعد أن انتهى العمال، تراجعت قراءات الإشعاع من 5ر1 ميكروسيفرت إلى 2ر0 ميكرو/ساعة، مقارنة بـ 04ر0 ميكرو قبل الكارثة. ويقول أحد العمال: «طلب منا مسئولو المدينة أن نواصل إزالة الطبقة العلوية إلى أن تتراجع القراءات لما دون ميكروسيفرت واحد في الساعة». كميات هائلة من المواد التي تحتوي على نسبة تلوث إشعاعي مرتفعة، يتعامل معها أولئك العمال كل يوم، لكنهم يرتدون قفازات وأقنعة وملابس عمل عادية بدلاً من الملابس الواقية من الإشعاع. ويقول المنتقدون إن مسئولي الحكومة والشركات والعمال أيضاً يقللون من تقدير المخاطر المرتبطة بأعمال الإزالة والتطهير التي بدأت أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد ستة أشهر كاملة من زلزال الحادي عشر من مارس/ آذار 2011 وموجات المد العاتية (تسونامي) التي أعقبته وتسببت في كارثة محطة فوكوشيما النووية. وكانت المحطة قد تعرضت لسلسلة حرائق وانفجارات أسفرت عن إطلاق مواد مشعة، وعانت المحطة من انصهار ثلاثة من مفاعلاتها الستة. وقال عامل في العشرينيات من عمره عندما سئل عن الآثار المحتملة للتعرض للإشعاع: «لا ينتابني الكثير من القلق إزائها». الشاب الذي يعمل لحساب شركة «شونكو- إن» المحلية للتخطيط ، قال إنه على دراية بأن الأمر ينطوي على بعض المخاطر «لكن يجب أن يقوم أحد بهذا العمل».
ويقول رئيس الشركة، كازو موريتو إنه حريص على تقليل تعرض عماله لمستويات مرتفعة من الإشعاع للحد الأدنى. وأضاف موريتو: «نؤمن بأن الاهتمام بصحة عمالنا أمر مهم ونعمل عن كثب مع مسئولي المدينة». وقال مسئولو المدينة إن الحكومة المركزية صاغت إرشادات لأعمال الإزالة والتطهير، غير أن المسئولية الأخيرة تقع على عاتق الشركات في الحفاظ على صحة عمالها. ويقول هيرواكي كويدي وهو أستاذ مساعد في معهد المفاعلات البحثية بجامعة كيوتو، إن كلمة جرعة آمنة من الإشعاع هذه ليس لها وجود. وقال كويدي إنه يستحيل إزالة آثار الإشعاع من الأرض بشكل كامل، والعملية التي تقودها الحكومة لا تعدو كونها نقلاً لمادة ملوثة من مكان لآخر. وأضاف: «لكن كي نحمي الأطفال، من الضروري أن نزيل آثار الإشعاع من المناطق المحيطة بنا، وإحدى الوسائل الموصلة لهذا الهدف هي إزالة الطبقة العلوية من تربة ساحات المدارس».
وبدأت الحكومة المركزية أيضاً التركيز بشكل أكبر على إزالة آثار الإشعاع من المناطق المحيطة بالمحطة بما في ذلك المنطقة المحظورة بنصف قطر عشرين كيلو متر حول المحطة. وتريد طوكيو عودة سكان المنطقة، الذين يزيد عددهم على الثمانين ألف نسمة، إلى منازلهم قريباً. وتردد أن الحكومة تعتزم إنفاق أكثر من تريليون ين (3ر12 مليار دولار) على جهود التخلص من المواد المشعة والتي يتوقع أن تستمر حتى مارس العام 2014. وكان من المفترض أن يبدأ العمل في المنطقة المحظورة في يناير/ كانون الثاني الماضي، غير أن تساقط الجليد حال دون التنفيذ، حسبما أفاد مسئولو وزارة البيئة.
وقال منتقدون إن الحكومة منحت أول عقود أعمال التطهير لشركات المقاولات الكبرى التي كانت تتولى بناء محطات نووية واستفادت من تلك المشروعات كثيراً. وتتطلب أعمال إزالة المواد المشعة أن تحدد الحكومة موقعاً لتخزين التربة الملوثة بالإشعاع والنفايات النووية الأخرى، غير أن طوكيو تواجه صعوبة بالفعل في حل تلك المشكلة. وتحتفظ فوكوشيما بشكل مؤقت بتلك النفايات في موقع سري في جبالها، لكن الكمية التي سيتم إزالتها من الأتربة الملوثة تبين أنها أكبر بكثير من توقعات الحكومة، حسبما صرح مسئولو المدينة.
وكانت صحيفة «فوكوشيما مينبو» المحلية، نقلت عن وزير البيئة، هيديكي ميناميكاوا قوله أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي إن طوكيو بحاجة إلى إيجاد أو بناء موقع تخزين يسع تسعين مليون متر مكعب من النفايات المشعة، أو ما يعادل مساحة 72 من استادات البيسبول. وقال السكان إنهم قلقون من تسرب المواد المشعة بسهولة من الجبال التي تحيط بمدن وبلدات المنطقة وتلوث الأرض ثانية. وعلى الرغم من هذه المخاوف، أعلن رئيس الوزراء، يوشيهيكو نودا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي إن مصنع فوكوشيما بلغ مرحلة «الإغلاق المبرد» وهو ما يعني عدم حدوث أي ردود فعل نووية وأن قدراً ضئيلاً من الإشعاع يتسرب إلى البيئة. وأعرب كثير من سكان فوكوشيما عن استيائهم البالغ إزاء تصريحات نودا، ذلك أن مستويات عالية من الإشعاع لا تزال تسجل في مناطق كثيرة من المدينة. وتساءل أحد سكان مقاطعة أونامي بالمدينة: «عم يتحدث ؟» إن عملية إزالة المواد المشعة «بدأت لتوها... الكارثة بعيدة كل البعد عن نهايتها».
العدد 3473 - السبت 10 مارس 2012م الموافق 17 ربيع الثاني 1433هـ