الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاش محروماً منها عاش في ظلمة حالكة، يتصل أولها بظلمة الرحم وآخرها بظلمة القبر. ليست الحرية في تاريخ الإنسان حادثاً جديداً أو طارئاً غريباً، وإنما هي فطرته التي فطِر عليها مذ كان وحشا يتسلق الصخور، ويتعلق بأغصان الأشجار.
إن الإنسان الذي يمدُّ يده لطلب الحرية ليس بمتسوّل ولا بمُستجدٍ، وإنما هو يطلب حقا من حقوقه التي سلبته إيّاها المطامع البشرية، فإن ظفر بها فلا مِنَّة لمخلوق عليه ولا يدَ لأحد عنده. هكذا يصف مصطفى لطفي المنفلوطي الحرية.
ففي الحرية فرحٌ غامرٌ يبعث في القلوب أملاً برسم النصر... في الحرية بريقٌ يتنصل لكل ألمٍ لا يريد للمرء أن يكون كما ينبغي.
في الحرية انتظارٌ لما لم يأتِ عندما يلوح نور الوطن، وانتصار لما انتُزِع عنوةً من الأفراد، وما أكثر الباحثين عن الحرية الراغبين في الحصول على حقوقهم.
في الحرية حاضرٌ لا يخشى ماضيه بقدر ما يفتخر به، ولا يلتفت إلى مستقبله بعين الخائف الوجل الذي يتربص بمن قد يتربص به.
***
أن تعيش حراً يعني أن تغني يوماً جديداً، وطناً جديداً، يتجددان كل يوم. وطنٌ يرتسم على جميع المناطق العاطفية في داخل كل امرئ منا.
أن تعيش حراً يعني أن تنتصر للمظلوم على الظلم، ولكلمة الحق على الباطل الذي قد يحاول اخراس صوتك كي يعلي صوته...
أن تعيش حراً، يعني أن تعيش نفسك كما هي، تعيش مشاعرك، أحاسيسك، رؤاك، جنونك وعقلك، أن تكسر حواجز الخوف والقلق، حواجز يبنيها قلقك من نظرة الآخر إليك، حواجز تبني أمامك جدراناً من حديد ضد النور والتألق والبياض.
***
في الأوطان الحرة، يعيش المرء واقعاً من انتصارات متتالية على الفشل كلما استنشق عبير الحرية، يعيش واقعاً يقدّر معنى النجاح ويُعلي معنى الإنسانية...
في الأوطان الحرة أقلامٌ وعقولٌ تعي ما تفعل وما تكتب، فتنتج ابداعاً وطاقاتٍ من تألق...
اقلامٌ لا تكتب ما يُراد لها أن تكتب بل ما تريد أن تقول... وعقولٌ تفكر بما يجب أن تقدم ولا تستكين إلى آلة التقليد.
عقولٌ وأقلامٌ تنتفض ضد الظلم وضد التهميش وضد التمييز، لتخلق أوطاناً تنحاز للتنمية...
***
الحُرّ من يتعلم من أخطائه، من يتناوب على فعل الخير مع نفسه قبل غيره، من ينتدب من حريته رسولاً ليعلم الآخرين معنى الحرية...
الحُرّ من لا يرضى لألمٍ أن ينال منه ولا لصدمةٍ أن تفتك بقلبه فتهزّ عقله...
الحُرّ من يتهيأ لترتيب غده ليكون أجمل من يومه من دون أن يسيطر عليه مجهول الغد فيحترق قلقاً...
الحُرّ من ينحني للمحتاج ليحنو عليه، ومن يرفع رأسه شموخاً ليقول للظالم كفى.
***
كونوا أحراراً كي يستقيم معنى الحق وتنتعش الحياة.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3472 - الجمعة 09 مارس 2012م الموافق 16 ربيع الثاني 1433هـ
حرة ابنة حر
احسنت استاذة توصيفك للحرية جميل بورك قلمك المتألق