العدد 2483 - الأربعاء 24 يونيو 2009م الموافق 01 رجب 1430هـ

خليج توبلي وتعمير حديقة كارمن!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نقلت «الوسط» قبل يومين خبرا نشرته صحيفةٌ فلبينيةٌ مؤخرا، عن مشروع بحريني لإنتاج الروبيان والأسماك بمبلغ عشرة ملايين دولار في الفلبين.

الخبر يوضح أن رئيسة الفلبين غلوريا أرويو تسلّمت الأسبوع الماضي مشروعا بحرينيا للاستثمار في حديقة الفلبين لإنتاج الروبيان في منطقة (كارمن) التي خصصت للاستزراع السمكي. في المقابل كان عندنا خليج دافئٌ وغنيٌ بالروبيان والأسماك، جرى تدميره بشكلٍ ممنهجٍ على أيدي أصحاب المصالح الخاصة.

المساحة المخصّصة للاستزراع تشمل مناطق غير صالحة للزراعة بسبب انغمارها بالمياه... من هنا جاءت فكرة استغلالها لزراعة الأسماك أو الروبيان. في المقابل كان عندنا خزانٌ قديمٌ وموئلٌ كبيرٌ للثروة السمكية اسمه خليج توبلي، ظلّ يغذّي البحرين مئات السنين، قمنا بتدميره في العقدين الأخيرين وتحويله إلى مصرف لمياه المجاري، وسط صمتٍ عامٍ عن هذه الجريمة البيئية الكبرى.

نجاح عملية الاستزراع في كارمن سوف يوفّر فرص عمل جديدة للمزارعين من مناطق برانجيز آيزنج ونيوكاميلينج وتوقاناي وسالفاشن وسان آيزدرو، بينما تدمير الخليج ألحق الضرر بمئات الصيادين من مناطق البلاد القديم وتوبلي والكَوَرة وأم الحصم والنبيه صالح وقرى جزيرة سترة، كانوا يعتمدون في كسب رزقهم على ما يوفره هذا الخليج.

إذا كان مشروع تعمير حديقة «كارمن» قائما على رأس المال البحريني الخاص، فأصحابه أحرارٌ في الاستثمار ولو على سطح القمر... أما إذا كان رأسمال حكوميا، فهناك أسئلةٌ تهم الرأي العام لابد أن تُثار، في مقدمتها: لماذا تسقي عذاري البعيد وتترك القريب.

إذا كان لدينا أموالٌ عامةٌ فائضةٌ للاستثمار، لماذا لا نوجّهها لترميم وإصلاح البيئة البحرينية أولا؟ ألم يطرح البيئيون والصيادون مثل هذا الخيار قبل عدة سنوات دون أن يُسمع صوتهم؟ ألم يستشهدوا بما تقوم به الكويت الشقيقة مثلا من توفير بيئةٍ صناعيةٍ جديدةٍ للحفاظ على الثروة السمكية الآخذة بالانقراض؟

بلادنا مجموعة من الجزر، يحيطنا الماء من كل جانب، وبيئتنا من أفضل الموائل الحاضنة للأسماك تاريخيا، ولكن مع زيادة معدّلات التلوث وعمليات الدفان وتوزيع البحر إلى قطائع خاصة، اختفى الكثير من الأنواع، وأصبح الجزء الأكبر من الأسماك على المائدة البحرينية مستوردا من الخارج. وأصبح الصياد البحريني يضطر للخروج من حدودنا الإقليمية لكسب رزقه، ويركب الأخطار، مع ما يحمله ذلك من مصاعب ومغامرات تهدّد حياته كما حدث مؤخرا. فالصيّاد الذي فقد حياته قبل أسبوعين، كان يكسب قوته وقوت عياله من هذا الخليج لسنوات مضت، قبل أن يتحوّل إلى مكبّ لتصريف مياه المجاري.

هذا التحول الدراماتيكي، جرى خلال السنوات السبع الأخيرة، متزامنا مع زيادة معدل السكان وتسريع سياسة التجنيس غير الطبيعي، والذي تلته زيادة ضخ مياه الصرف الصحي، التي هدّدت بيئة الخليج المنكوب. وبدل أن تستنفر وزارات الصحة والبلديات والزراعة والإسكان والاشغال لمعالجة هذه الكارثة، أخذنا نتعامل معها على طريقة تخدير الأعصاب. زيارات دورية من وزراء ومسئولين، إطلاق تصريحات، وعود بتنظيف الخليج، والوضع على الأرض يتدهور من سيئ إلى أسوأ. والأسوأ من ذلك دخول بعض الكتّاب الشجعان للدفاع عن هذه الجريمة البيئية المكتملة الأركان.

أخيرا... لا نطالب بمشروعات استزراع أسماك ولا روبيان، ولا حتى حراسين... فقط نطالب بتنفّيذ الوعود التي قطعها ثلاثة وزراء على أنفسهم: تنظيف الخليج.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2483 - الأربعاء 24 يونيو 2009م الموافق 01 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً