ما يميز المرأة البحرينية اليوم أنها أعلنت بكل قوة عن ذاتها، دافعت عن خيارها بكل حق، بينت عزمها وإمكانياتها التي فاجأت الجميع بأنها تملك ما لا يملك غيرها، بأنها صاحبة مبدأ لا تحيد عنه وأنها تحرك من حولها، هي تعيش اليوم إشراقتها التي لا تغيب عنها الشمس، إشراقة تبدو جديدة وفاعلة، إشراقة فيها من السمو البعد الكبير، إشراقة يلوح فيها المبدأ على الذات، فهل غدها يكون أكثر إشراقاً؟

المرأة البحرينية على مر التاريخ كانت تكرس صورة إنسانية على قدر كبير من الوعي والتأثير، فقد ظهرت في كثير من المواقع مالكة لناصية نفسها، بليغة في حجتها، مؤثرة في حضورها، واعية بواقعها، بل ساعية من أجل حقها السياسي وعزتها وكرامتها، لذا خرجت تطالب، وخرجت لتصحح المسار.

لقد دخلت المرأة البحرينية في التعليم الرسمي العام 1928، ربما لم يدون التاريخ الحديث أية مبادرة لتحرك نسائي بحريني معلن إلا في الخمسينيات من القرن الماضي وبالتحديد في العام 1953 حين أعلنت زوجة المستشار البريطاني تشارلز بلغريف «عن تشكيل ما يعرف «نادي البحرين للسيدات» قوامه من نساء المجتمع المخملي، جوبه هذا التشكيل برفض مجتمعي كبير خوفاً من «إفساد المرأة».

من قاد الحراك السياسي في الخمسينيات وستينيات القرن الماضي في الوطن العربي - والبحرين لم تخرج من هذا السياق - هم طلبة المدارس وخريجو الجامعات من مؤيدي الحركات الليبرالية، والقومية العربية، والتيارات الشيوعية ولم تكن المرأة البحرينية بعيداً عن هذا التوجه، لكن ما يؤخذ عليه أن خطابه النسائي قرن بين مخاطر الاستعمار الأجنبي والتيار الديني الذي يسميه بالرجعي فقد كتبت شهلا خلفان - ناشطة في الخمسينيات - «فمطالبنا نحن النساء هنا بالحرية تحدد وفق مفهومنا لتحرير مجتمعاتنا من الاستعمار والرجعية وما تخلفه هاتان القوتان من آثار في جسد المجتمع والمطالبة بالحريات وربط مصير الحركة النسائية هنا بمصير الحركات النسائية المماثلة في العالم»، هذا الخطاب أصبح لصيق هذه الحركات ما أفقده الكثير من الفئات النسائية إما إيماناً بعصيانه أو خوفاً من أطروحاته العاتية.

لقد ساهمت المرأة البحرينية في هيئة الاتحاد الوطني في نضالها ضد الاستعمار البريطاني وكان للتطورات السياسية في الوطن العربي دور كبير في التأثير على المسار النضالي في البحرين كالعدوان الثلاثي على مصر العام 1956، والقضية الفلسطينية، وثورة ظفار 1971، لم تظهر البحرينية في الساحة السياسية بقوة إذ إنها لجأت للعمل الخيري عن طريق تأسيس الجمعيات الاجتماعية النسائية فقد أعلنت العام 1955 قيام جمعية نهضة فتاة البحرين تلتها جمعية رعاية الأمومة والطفولة في العام 1960. وتعددت بعدها الجمعيات النسائية، لقد كان للمرأة البحرينية حق الانتخاب في المجلس البلدي العام 1951 إلا أن هذا الحق سلب منها فيما بعد، وعلى رغم عدم تمثيل المرأة في المجلس التأسيسي 1972 إلا أن الأخير طالب الحكومة بتوضيح نص المادة (1)البند (هـ) من الدستور والمتعلق بحق الانتخاب وذلك بأن يحدد كلمة المواطنين بذكور وإناث، لكن قانون الانتخاب الذي صدر لتنظيم الانتخابات منع المرأة من حق الترشيح والانتخاب هذا الأمر دفع بجمعيتي نهضة فتاة البحرين وجمعية أوال النسائية رفع احتجاجهما إلى المجلس الوطني الذي لم يستمر طويلاً. انكفأت المرأة في الجمعيات الاجتماعية وانخرطت في الثمانينيات في الجمعيات المهنية وهي تحاول بين الحين والآخر طرح قضايا المرأة في أروقة الصحافة والندوات العامة، هذا التيار النسوي على رغم نشاطه والأعمال الخيرية التي يقدمها للمجتمع، لكنه لم يستطع اختراق القرى ولم يخرج خارج أسواره، ربما يرجع السبب إلى مناكفته للتيار الديني وطرح قضية الحجاب وحرية المرأة في أغلب أطروحاته. ومع الصحوة الإسلامية التي سرت في الخليج العربي مع مطلع الثمانينيات، خرجت المرأة الإسلامية بثوابت لا تلقي مع المرأة الليبرالية في الفكر والاتجاه، وبدا الشك بينهما يعصف بالتيارين. ومع مطلع التسعينيات وبعد توقف الحياة البرلمانية في البحرين طيلة عشرين عاماً شهدت البحرين حراكاً اجتمعت فيه جميع القوى واقترب الإسلامي من الليبرالي وكانت المرأة البحرينية خاضت هذا المعترك علانية لكن العبء الأكبر هنا وقع على المرأة الإسلامية التي خاضت الميدان وتواجدت في المسيرات وجاءها من التنكيل ما جرى، لكن وحدة الملتقى جعلها لأول مرة في تاريخها تشارك نساء قومها بالتوقيع على عريضة 1994 المطالبة بالديمقراطية وبعودة الحياة البرلمانية بنسبة 20 في المئة.

اليوم تعيش المرأة في البحرين حالة مختلفة وتلتقي مع المختلفة معها ايديولوجياً في سبيل الوطن، مع هذا الحراك الجديد لم تتعرض المرأة البحرينية في تاريخها بمثل ما تعرضت له من انتهاكات فنحو 200 طالبة فصلن من التعليم الجامعي، و308 نساء فصلن من عملها في القطاع العام و47 من القطاع الخاص، و400 امرأة تعرضن للاعتقال، وآلاف منهن تعرضن للتحقيق في لجان تحقيق في العمل ومراكز الشرطة بصورة حاطة للكرامة، لذا قدمت المرأة البحرينية بعملها صورة مشرقة عنها، هي بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى أن ترسم لغدها مستقبلاً مختلفاً، مستقبلاً يجعل منها رقماً صعبة في المعادلة البحرينية القادمة