أنهت دول مجلس التعاون قبل أيام مفاوضات مكثفة استمرت إلى ما يزيد على ثلاثة أعوام، انتهت بالتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع رابطة التجارة الحرة الأوروبية (إفتا). وهي كما يعرفها موقع (
هذا على مستوى التبادل التجاري بين الكتلتين، أما على مستوى بعض الدول كل على حدة، فنجد أن حجم الصادرات السويسرية إلى دول مجلس التعاون الخليجي قد بلغ 2.9 مليار فرنك سويسري في العام 2004. كما بلغ حجم الصادرات السويسرية إليها إلى المملكة العربية السعودي 1080.8 مليون فرنك في العام 2008.
لاشك أن تعزيز التعاون بين مجلس التعاون والكتل السياسية الأخرى، ومن بينها (إفتا) هو خطوة إيجابية من شأنها أن تحقق مجموعة من الأهداف على الصعيدين الداخلي والخارجي. فعلى الصعيد الداخلي يمكنها أن تساعد على إذابة الكثير من الفوارق في القوانين والأنظمة التي تنظم حركة التجارة البينية بين دول مجلس التعاون، بما يشمل ذلك قوانين وأنظمة إعادة التصدير. ذلك لأنه كي تستطيع دول مجلس التعاون أن تتصرف ككتلة اقتصادية متناغمة، عليها أن تنظم العلاقات بين أسواقها بما يضمن انسياب الواردات إليها والصادرات عنها عبر حدودها المختلفة دون أية معيقات بيروقراطية. أما على الصعيد الخارجي، فمن الطبيعي أن الحديث عن سوق متكاملة كسوق دول مجلس التعاون من شأنه أن يزود دوله، كل على حدة، أو ككتلة منراصة عناصر تفاوضية قوية تؤهلها لانتزاع المزيد من المكاسب لصالحها في أي حوارات تعاقدية تلجها.
لكن ما يجعل المراقب غير قادر على أن يأخذ مثل هذه الاتفاقات الخليجية مأخذ الجد، هي طبيعة العلاقات القبلية «غير الناضجة سوقيا» بالمعنى التجاري للتعبير التي لا تزال تتحكم في العلاقات القائمة بين بلدانه. ولن يحتاج مثل هذا المراقب إلى بذل الكثير من الجهد كي يكتشف عدد الثقوب التي تمزق جسد مجلس التعاون الخليجي على الجبهة التجارية - الاقتصادية، دع عنك السياسية.
آخر تلك الثقوب، كان الانسحاب الإماراتي من اتفاقية الوحدة النقدية، كي تصبح الثانية بعد سلطنة عمان، وسوية تشكلان ما لا يقل عن 30 في المئة من حجم الاقتصاد الخليجي. ليس القصد هنا الخوض في الحكم على مبررات الانسحاب، بقدر ماهو الإشارة إلى أحد عناصر تفكك الجسد الخليجي من جراء أسباب لا يقبلها منطق وحدة السوق أو قوانين الاقتصادات المعاصرة.
أما أكثر تلك الثقوب اتساعا، فهو قانون تأسيس الشركات في دول مجلس التعاون، فباستثناء البحرين، لا يزال المواطن الخليجي في بلد خليجية ما غير قادر على تأسيس شركة في دولة خليجية أخرى غير دولته، دون مشاركة أحد مواطني تلك الدولة بنسبة تصل إلى 50 في المئة. السيئ في الأمر أن ذلك الشريك، «يستولي» على تلك الحصة مجانا، دون أن يتحمل أية كلفة تتجاوز قبوله بالمشاركة، التي يتلقى بموجبها مبلغا سنويا تحدده مجموعة من العوامل، مثل طبيعة نشاط الشركة، وطبيعة الأنشطة التي تنوي ممارستها، والدخل السنوي المتوقع تحقيقه. ما يثير السخرية هو أن الفرق بين الخليجي وبين غير الخليجي هو 1 في المئة فقط من قيمة تلك الشركة، إذ يتمتع من هو غير خليجي بكل الحقوق على أن لا تزيد حصته على 49 في المئة.
تبقى هناك علامة استفهام كبيرة تبرز أمام المواطن الخليجي، وهو يتابع قراءة وسماع أخبار توقيع مثل هذه الاتفاقيات وهي: ما هو القصد من وراء توقيعها، إذا استبعدنا الضجيج الإعلامي، وما مدى استعدادنا للدخول فيها؟
فكما هو معروف، وكما تنص بنود تلك الاتفاقيات، على البلدان الموقعة عليها أن تفتح أبواب أسواقها على مصراعيها أمام تدفق البضائع والخدمات بينها. ولا يحتاج المرء إلى الكثير من الحصافة والمعرفة، كي يكتشف أن لدى دول (إفتا) الكثير من البضائع والخدمات التي في الوسع تصديرها إلى دول مجلس التعاون. لكن بالمقابل، هل أعدت دول المجلس، كل على حدة أو هي مجتمعة، مالذي سوف تصدره إلى (إفتا)، إذا استثنينا النفط ومشتقاه؟ وأبسط من ذلك هل هناك قائمة أخرى بالواردات التي تحتاجها دول المجلس من (إفتا)؟
ففي غياب تحديد دقيق للقائمتين، تفقد الاتفاقية الكثير من قيمتها، وتتحول إلى لا شيء أكثر من ورقة إعلامية تفقد جذوتها بمرور الزمن.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2483 - الأربعاء 24 يونيو 2009م الموافق 01 رجب 1430هـ