هناك حاجة حاسمة إلى حل طويل الأمد قادر على البقاء، للعنف النابع من الشرق الأوسط. السلام في الشرق الأوسط ضروري لنا جميعاً لأن المنطقة أصبحت، في معاناتها الطويلة، أرضاً خصبة لإنتاج التطرف الديني والإرهاب.
إلا أننا بحاجة إلى خطة ناجحة لا تزيد من دائرة العنف. شن الحروب على المدنيين بهدف اجتثاث التطرف لا ينجح.
لبنان فيه الآن ما يقدر بمليون نازح وأكثر من ألف مدني قتيل، الكثير منهم من الأطفال، وآلاف الجرحى والمشوهين، إضافة إلى بنية أساسية مدمرة. العقاب الجماعي لا يؤدي إلا إلى تعميق الكراهية والرغبة في الثأر.
لقد عانيت من هجمة التطرف الديني وأنا على علم أولي بأخطارها. أنا مواطن أميركي. ولدت في بيروت مسيحياً. أسرتي خسرت بيتها وعملها، إذ استولت عليها مجموعة دينية متطرفة.
لولا رحمة الله وهدنة غير متوقعة لكنا أُعدمنا. الآن العرب الذين يرغبون في الديمقراطية، مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً كانوا، جرى قتلهم على أيدي المتطرفين. يجب وضع حد للتطرف. ولكن كيف؟
هل يتم ذلك عن طريق قصف المناطق التي يعمل منها بعض المتطرفين وحرقها؟ طبعاً لا، إذ إن القتل الرهيب للمدنيين الذي ينتج عن ذلك لا ينتج عنه سوى المزيد من الحقد ويزيد من أعداد المتمردين.
نابليون العظيم، الذي هزم أعداءً عظماء في ساحة المعركة شعر بمرارة الهزيمة في إسبانيا على أيدي مجموعة من المتمردين. سياسته في الانتقام من القرى التي كان المتمردون يضربون منها استفاد منها أعداؤه. قتل عشرة متمردين نتج عنه عشرون متمرداً جديداً، والعشرون ولدوا مئة آخرين. هذا التوجه نحو محاربة التمرد فشل دائماً.
بدلاً من ذلك هناك خطوتان عمليتان:
( 1) ربح قلوب ومخيلات الشعب. إنشاء علاقات حميمة ليس فقط مع الحكومات وإنما مع الشعوب مباشرة.
إغراق المنطقة بالمساعدات الإنسانية: المستشفيات والعيادات والمدارس... إلخ. من خلال تمويل جزء يسير فقط من المليارات التي يجري إنفاقها على الأسلحة الكبيرة نستطيع تحقيق العجائب للشعوب والفوز بصداقتهم. هم بدورهم سيعارضون انتشار الفلسفات العنفية. هم وحدهم يستطيعون ذلك.
ليس هذا الأمر هو لفتات رمزية من المعونة وإنما موجة بحرية هائلة من الكرم الأميركي يحوّل الأرض التي ينمو عليها التطرف. لماذا علينا نشر الأموال وتوزيعها؟ لأنها ستأتي بالنجاح لأهدافنا: إنهاء العنف والتطرف.
نجحنا في عكس اتجاه الحقد والسخرية في أوروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. فعلناها وقتها ونستطيع فعلها اليوم، أن نكسب قلوب وعقول العالم العربي. عمل ذلك هو تصرف أخلاقي ذكي. النجاح يستحق الكلفة المالية وسيرى جيلنا هزيمة التطرف.
(2) اتخاذ دور قيادي في المطالبة بحل سلمي للقضية الفلسطينية الإسرائيلية. ليعلم العالم كله وخصوصاً الدول العربية أن أميركا لن ترتاح حتى يكون هناك اتفاق يوفر الأمن للإسرائيليين ودولة للفلسطينيين.
نحن أقرب إلى حل الآن من أي وقت مضى. إلا أن الحل يتطلب تضحيات من الفلسطينيين ومن «إسرائيل». لا تستطيع سوى حكومتنا أن تتوسط لتحقيق ذلك.
إعطاء الأمن للإسرائيليين وكرامة وطن للفلسطينيين أمر حيوي أساسي، الآن أكثر من أي وقت مضى لليهود والفلسطينيين والعرب والعالم كله. على ذلك يعتمد إزالة الأرض الخصبة التي ينمو عليها الإرهاب ويترعرع.
مأساة الفلسطينيين هي إحدى أهم الأولويات للمسلمين في أنحاء العالم كافة (الذين يزيد عددهم على المليار). القدس مقدسة لديهم مثلما هي لليهود والمسيحيين. لتصبح الإدارة الأميركية أعظم صانع سلام في هذا القرن. جدوا حلاً سلمياً لهذه القضية وسيصبح الإرهاب فقير الدم.
القيادة في مجال السلام الإسرائيلي الفلسطيني ستعطينا النصر على الإرهاب الذي نرنو إليه. ستكون تلك أعظم هدية لشعب لبنان الذي يعاني، والمدنيين المعرضين في «إسرائيل» ولنا جميعاً هنا وفي الخارج، الذين يعانون من الإرهاب. عندما نفهم أن سلاماً كهذا يمكنه أن يسحب البساط من تحت أقدام التطرف فسنوفر القيادة لتحقيقه.
كريستيان سعادة
مدير معهد القيادة في الحياة في الولايات المتحدة الأميركية، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1455 - الأربعاء 30 أغسطس 2006م الموافق 05 شعبان 1427هـ