العدد 1455 - الأربعاء 30 أغسطس 2006م الموافق 05 شعبان 1427هـ

قذائف مرتدة إلى الداخل اللبناني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مضى أكثر من أسبوعين على وقف إطلاق النار بين لبنان و«إسرائيل» وحتى الآن لاتزال حكومة ايهود اولمرت تماطل في تنفيذ ما هو متعلق بها بشأن تطبيق فقرات القرار 1701. فتل أبيب تريد شراء الوقت من خلال التحايل على القانون الدولي مستخدمة تفوقها العسكري الجوي للنيل من سيادة لبنان وحقه في اتخاذ التدابير اللازمة لاحتواء تداعيات الكارثة التي سقطت عليه من دون سابق إنذار. وحين بدأت جولة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان على دول المنطقة وعواصمها الإقليمية أصرت حكومة أولمرت على مواصلة سياسة المماطلة من خلال امعانها في خلط نتائج الحرب العدوانية باسبابها. وهذا الخلط المتعمد يقصد منه تعطيل الحياة العامة للناس ووضع العراقيل السياسية أمام الحكومة حتى لا تنهض للقيام باعباء المسئولية المدنية والدولية.

سياسة خلط النتائج بالأسباب تعتبر الآن من أهم العقبات التي تواجه الدولة والمقاومة في لبنان. ولذلك ينبغي على القوى المعنية والفاعلة التحرك دولياً وعربياً لفك الاشتباك الحاصل بين نتائج الحرب وأسبابها. فتل أبيب تربط رفع الحصار البحري والجوي والانسحاب من المواقع والتحصينات في الجنوب وإعادة الأعمار وتعويض الضحايا - وهي كلها من نتائج الحرب - بنقاط أخرى من نوع تبادل الأسرى ومزارع شبعا وخريطة الألغام ونشر القوات الدولية في الشريط الحدودي.

هذا الربط المتعمد يعطل امكانات المباشرة في احتواء تداعيات الحرب داخلياً ويزيد من مشاغل الحكومة وهموم الناس... لذلك لابد من العمل سياسياً وبذل الجهود دبلوماسياً لفك ذاك الاشتباك المفتعل إسرائيلياً. فمثل هذا التكتيك يعتبر خطوة غير قانونية لأنه يتجاوز منطوق القرار الدولي واختصاصاته. فالقرار 1701 واضح في فقراته وهو لا ينص على ربط رفع الحصار الجوي والبحري بموضوع إطلاق سراح «الجنديين المخطوفين» من دون شروط. كذلك لا ينص القرار على ربط الانسحاب الإسرائيلي من المواقع والتحصينات في القشرة بوصول القوات الدولية وانتشارها على الخط الأزرق. الربط المذكور يستهدف الكثير من الأمور السياسية ومنها الضغط على الدولة في امكنة لا صلة لها بموضوع تطبيق القرار الدولي. فالحصار يستهدف الدولة واللبنانيين عموماً وليس له صلة بالادعاءات الإسرائيلية بشأن منع تهريب السلاح لحزب الله.

تل أبيب تعلم أن الصواريخ لا تهرب عبر المطارات الجوية أو الموانئ البحرية ولذلك فالذريعة التي تتخذها سبباً لاستمرار معاقبة اللبنانيين ليست مبررة سوى انها محاولة كيدية للثأر من الشعب وارضاء الرأي العام الإسرائيلي بتسويق انتصارات وهمية لشراء سكوته. فالحصار المفروض من نتائج الحرب وليس سبباً من أسبابها وهو جوهرياً يخالف الشرعية الدولية ويعتبر عملاً عدوانياً لأنه يمس سيادة الدولة وينغص حياة اللبنانيين ويعطل على الحكومة امكانات دراسة مخلفات الحرب ويؤخر عمليات إعادة الأعمار وتسهيل وصول المساعدات. والربط بين رفع الحصار والافراج عن المخطوفين غير منطقي لأنه يفتعل ذريعة لتطويل عملية الاذلال والإهانة وخصوصاً إذا امتدت فترة التفاوض بشأن تبادل الأسرى.

الأمر نفسه يمكن سحبه على مسألة الربط المفتعل بين الانسحاب من المواقع والتحصينات في القشرة وبين وصول القوات الدولية وانتشارها المفترض أن يحصل في الأسبوعين المقبلين في الشريط الحدودي (الخط الأزرق). فالاحتلال المحدود والبسيط على خط القرى الأمامية هو من نتائج الحرب وليس سبباً من أسبابها وبالتالي فإن ربط النقطتين في خطوة واحدة يخالف القرار الدولي في اعتبار أن فقرات 1701 لا تنص على هذه الذريعة المختلقة. فتل أبيب يجب أن تنسحب من كل المواقع والتحصينات في الجنوب حتى لو تأخر وصول القوات الدولية أو تعطل انتشارها. وإصرار حكومة أولمرت على افتعال الربط يعتبر خطوة غير قانونية ويقع تحت سقف اختلاق الذرائع لمنع انتشار الجيش اللبناني إلى الخطوط الأمامية وتعطيل امكانات التفاهم مع حزب الله لرسم الحدود والفواصل المطلوبة لتنفيذ ما هو مطلوب من الجانب اللبناني في الفقرات المتصلة به في القرار 1701.

عقبات مفتعلة

السؤال لماذا تفتعل حكومة أولمرت كل هذه العقبات لتعطيل تنفيذ القرار الدولي؟ ولماذا تصر على خلط نتائج الحرب بأسبابها في وقت لم ينص 1701 على مثل هذا الربط؟

الاحتمال المرجح هو أن تل أبيب تحاول التذرع بكل هذه المستجدات والتداعيات لتأخير عملية عودة النازحين إلى قراهم الأمامية بغرض تحويل سياسة تفريغ الجنوب من سكانه إلى أمر واقع. وهذا الاحتمال يرتبط بشكل أو بآخر بمسألة الإسراع في إعادة الإعمار وتخفيف أعباء الكارثة الإنسانية والمدنية على الناس قبل اقتراب موعد فصل الشتاء.

مضى حتى الآن أكثر من أسبوعين على وقف إطلاق النار ولاتزال «إسرائيل» تمارس أفعالها العدوانية على لبنان من خلال تمسكها بالمواقع والتحصينات في الجنوب واستمرارها في فرض حصارها البحري والجوي على الموانئ والمطارات. وتل أبيب تعلم ما ارتكبته آلتها الحربية من دمار بالبنى التحتية والبنية السكانية وهي كما يبدو تنتظر انفجار تلك القذائف الارتدادية في الداخل اللبناني كرد فعل سلبي على ما جرى خلال العدوان الذي استمر أكثر من 33 يوماً. والامعان في سياسة المماطلة والتحايل على القانون الدولي من خلال ربط نتائج العدوان باسبابه يفسر إلى حد ما إصرار تل أبيب على التسويف والانتظار.

الآن وبعد أكثر من أسبوعين على وقف النار بدأت تظهر إحصاءات الكارثة التي خلفها العدوان. فالاحصاءات السريعة تشير إلى دمار أكثر من 130 ألف شقة سكنية في الجنوب والبقاع وبيروت والشمال. وهناك أكثر من 250 مدرسة دمرت إضافة إلى مئات المؤسسات التشغيلية والخيرية وعشرات المصانع والمعامل والهيئات الصحية. وهذا النوع من الدمار الشامل يحتاج إلى احتواء إنساني ومدني سريع ويتطلب وضع خطة تنمية وإعمار مدروسة واضحة المعالم ودقيقة في حساباتها. وهذا الحجم الهائل من الخسائر يستوجب عزل نتائج الحرب عن أسبابها وفك الارتباط بين الجانبين حتى تفتح طرقات الإغاثة والمساعدات لتسريع وصول الأجهزة والآليات للنهوض بالبلاد من كارثتها في أسرع وقت ممكن.

المأساة كبيرة والحصار الجوي والبحري يزيد من آثارها السلبية. كذلك عودة النازحين إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم الأمامية تعتبر مهمة إنسانية وسياسية حتى لا يفرغ الجنوب من أهله. وإصرار «إسرائيل» على عدم الانسحاب يعطل انتشار الجيش وعودة الناس إلى ديارهم، وإصرارها أيضاً على عدم رفع الحصار يؤخر وصول المساعدات ويعطل الإسراع في إعادة الإعمار وتشغيل المؤسسات وترميم الجسور (117 جسراً) ويزيد من صعوبات حياة الناس العادية.

غداً ستبدأ في السويد أعمال مؤتمر دولي لمساعدة لبنان على خطة إعادة إعماره، وتشكل هذه المناسبة فرصة للحكومة لتجديد مطالبتها بفك الاشتباك الذي تفتعله «إسرائيل» من خلال عمليات ربطها بين أسباب الحرب ونتائجها. فالحصار يخالف القرار 1701 كذلك رفض الانسحاب من الجنوب، وهذا يتطلب المزيد من الضغط لمنع الارتدادات السياسية من الانفجار في الداخل اللبناني

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1455 - الأربعاء 30 أغسطس 2006م الموافق 05 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً