يمكن الزعم بأن برنامج التجنيس الذي تنفذه الحكومة لا يتناسب والمعطيات الاقتصادية في البلاد في ظل توافر مؤشرات بشأن تراجع رفاهية المواطن البحريني. بل إن برنامج التجنيس يحدث في وقت غير ملائم من الناحية الاقتصادية بدليل انتشار البطالة وتدني الأجور فضلا عن تراجع ترتيب البحرين على مؤشر التنمية البشرية. كما أن التجنيس لا يتلاءم مع بعض السياسات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة مثل برنامج الخصحصة فضلا عن تراجع مصروفات الموازنة العامة.
قضية المصروفات
لنبدأ من النقطة الأخيرة، المعروف عن حكومتنا كرهها للصرف الأمر الذي يتناقض والقيام بتجنيس المزيد من الأجانب. ودليلنا على ذلك ما حدث في العام 2005 حين ارتفعت الإيرادات الفعلية بواقع 417 مليون دينار من 1254 مليون دينار في الموازنة المعتمدة إلى 1671 مليون دينار في الموازنة الفعلية. بالمقابل حدث شيء غريب لا يصدقه العاقل وهو تراجع المصروفات من 1548 مليون دينار إلى 1289 مليون دينار. بل إن التراجع كان من نصيب المصروفات الرأس مالية والتي بدورها تراجعت من 503 ملايين دينار إلى 265 مليون دينار. تعتبر المصروفات الرأس مالية مهمة لأنها تهتم بأمور مثل البنية التحتية. فليس من الصواب أن تقوم الحكومة نفسها التي تكره الصرف والاستثمار بتجنيس المزيد من الأفراد.
برنامج الخصخصة
إضافة إلى ذلك، يتناقض برنامج التجنيس مع سياسة الخصخصة التي تنفذها الحكومة على قدم وساق إذ إن الأمر يعني تقليص دور القطاع العام في الاقتصاد. المعروف أن برامج الخصخصة تؤدي في الغالب إلى تقليص الفرص الوظيفية لأن مؤسسات القطاع الخاص تهتم بالربحية خلافا لما هو عليه الحال في القطاع العام.
وللتذكير، بدأت الحكومة في تنفيذ برنامج خصخصة جانب من قطاع الكهرباء. فقد تم إرساء عقد التشغيل في شهر يناير/ كانون الثاني من العام 2006 على مجموعة تضم ثلاث شركات أجنبية. ووقعت الحكومة عقد شراء منتجات الكهرباء والماء لمدة 20 عاما. ويشمل العقد إدارة محطة الحد (المرحلتان الأولى والثانية) بطاقة قدرها 1000 ميغاوات و30 مليون غالون من المياه يوميا. أيضا يتضمن الاتفاق إضافة 60 مليون غالون من المياه يوميا في إطار المرحلة الثالثة لمشروع الحد. تبلغ كلفة عملية الشراء مليار و250 مليون دولار (471 مليون دينار) منها 738 مليون دولار لاقتناء الأصول الحالية للمحطة. كما أن عملية الخصخصة ستشمل الموانئ. فقد أرست الحكومة عقد تشغيل ميناء سلمان في المنامة وميناء خليفة بن سلمان (قيد الإنشاء) في الحد على شركة «مولر» عضو مجموعة «مولر ميرسك الدنماركية». وينص العقد على حصول «مولر» على حق امتياز لتشغيل الميناءين لمدة 25 عاما. ومن المنتظر أن تقوم شركة «مولر» بإدارة ميناء سلمان في وقت لاحق وذلك بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية وفي مقدمتها تأسيس هيئة لإدارة الموانئ. بحسب التقارير الصحافية يعمل في إدارة الموانئ نحو ة 600 من العمال والموظفين.
أزمة البطالة
تبين من خلال البرنامج الوطني للتوظيف أن هناك نحو 14 ألف بحريني من دون عمل. ويعتبر هذا الرقم كبيرا خصوصا إذا علمنا بأن عدد أفراد القوى العاملة البحرينينة في حدود 145 ألف في أحسن الأحوال. حقيقة لا نعرف عن عدد العاملين في الأجهزة الأمنية والعسكرية، لكننا نعرف أن نحو 105 آلاف مواطن كانوا مسجلين في القطاع الخاص وديوان الخدمة المدنية في الربع الأول من العام الجاري. المؤكد أن التجنيس سيعقد حل أزمة البطالة (تتحدث تقارير عن ترتيب توظيف بعض البحرينيين في قطر).
مشكلة الأجور
هناك تصريح شهير لوزير العمل مجيد العلوي يؤكد فيه أن 33 ألف مواطن بحريني يعملون في القطاع الخاص يحصلون على أجر أقل من 200 دينار بحريني شهريا. كلام الوزير جاء في سياق حديثه إلى رجال الأعمال بتاريخ 15 مارس/ آذار. وكان الوزير العلوي قد كشف حديثا عن خطط للتخلص من الأجور التي تقل عن 200 شهريا. لكننا نخشى أن تعقد عملية التجنيس من هذا البرنامج الطموح والذي طال انتظاره.
التنمية البشرية
أخيراً وليس آخراً، نرى أن برنامج التجنيس قد يسيء بشكل أكبر إلى ترتيب البحرين بخصوص مؤشر التنمية البشرية الصادر من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. يذكره، تراجع ترتيب البحرين على المؤشر من المرتبة 37 في العالم في العام 2003 إلى المركز 40 في العام 2004 ثم إلى المركز 43 في العام 2005. حتى الماضي القريب كنا نحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية بيد أن كل من قطر والإمارات تمكنتا من تخطي البحرين في العام 2005. يعتمد مؤشر التنمية البشرية على ثلاث متغيرات لتحديد أداء الدول وهي التعليم والدخل والعمر المتوقع عند الولادة.
ختاما ندعو الحكومة إلى عدم تنفيذ برنامج منظم للتجنيس رأفة برفاهية المواطنين. المؤكد أن آخر شيء تحتاج إليه البحرين هو المزيد من حالات التجنيس في ظل المشكلات الاقتصادية والتنموية التي تعاني منها البلاد
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1455 - الأربعاء 30 أغسطس 2006م الموافق 05 شعبان 1427هـ