العدد 1453 - الإثنين 28 أغسطس 2006م الموافق 03 شعبان 1427هـ

انتصار المقاومة اللبنانية شكل صدمة لواشنطن وتل ابيب

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

من أين نشأت مشكلة العرب والمسلمين في المنطقة؟ ومن أين كل هذه المجازر الأمنية المتنقلة من بلد إلى بلد؟ ومن أين هذه الفوضى السياسية التي تتحرك فيها كل متاهات الواقع الضائع في مختلف الاتجاهات؟

إنها من الغرب كله الذي كان يخطط مع مختلف دوله لنهب ثروات المنطقة النفطية، وتمزيق وحدتها الإسلامية والعربية، في تنوع محاوره، من المحور البريطاني الذي احتل أكثر من موقع عربي، ونفذ أكثر من خطة لسيطرة اليهود على فلسطين من خلال وعد «بلفور» لهم بالوطن القومي فيها، وتحويله العراق إلى ساحة استعمارية للنفوذ البريطاني في العبث بمقداراته وأوضاعه، امتداداً إلى كل أساليب الخداع التي صادر فيها الواقع العربي في وعود نفاقية كاذبة.

وكانت فرنسا هي الدولة الغربية الثانية التي احتلت بلاد الشام، ولاسيما لبنان وسورية، وعبثت فيها في عملية إفساد وتمزيق ونهب لثرواتها بطريقة وبأخرى... ثم جاءت أميركا في صراعها السياسي والأمني في الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفياتي، وجمعت الغرب كله حولها لحاجته الأمنية إليها.

ثم سقط الاتحاد السوفياتي، وأصبحت أميركا الدولة العظمى الأولى في العالم، وخططت لتأسيس امبراطورايتها، امبراطورية الشر التي تتحرك بالقوة الهائلة التي تملكها لفرض سياستها على العالم كله، ولتصادر ثرواته لحساب شركاتها الاحتكارية التي يملكها القائمون على شئون رئاستها وإدارتها، وفي مقدمتهم المحور الصهيوني والمحافظون الجدد الذين كانت خطتهم نشر الحروب الاستباقية، في عملية احتلال مباشر أو غير مباشر للعالم الثالث، ولاسيما العالم العربي والإسلامي، ونهب ثرواته النفطية لحساب رخاء أميركا ورخاء الغرب كله، في نطاق الدائرة الاقتصاديا الأميركية التي تعمل على محاصرته.

وكانت «إسرائيل» وليدة الغرب الدولة التي تحتضنها الولايات المتحدة الأميركية، بحيث ربطت مصالحها بمصالحها، وأمنها بأمنها، وحربها وسلمها بحربها وسلمها، حتى خيل للعالم أن أميركا تخضع للدولة العبرية، وليس العكس.

وكانت مسألة احتلال أميركا للعراق وأفغانستان، من خلال استغلالها لما حدث في 11 سبتمبر/ أيلول، فرأت فيه فرصة لإطلاق مشروع الحرب ضد ما تسميه الإرهاب الذي أعلنت فيه الحرب على كل معارض لسياستها وسياسة «إسرائيل»، ولاسيما في فلسطين، إذ أصدرت حكمها على الانتفاضة بأناها حركة إرهاب، فعطلت بذلك كل فرص السلام هناك من خلال فرض نزع سلاح المجاهدين كشرط للتفاوض... ثم تحركت لإرباك الواقع السياسي والأمني في المنطقة، وخصوصاً في العراق وأفغانستان، بحيث تحول الواقع هناك إلى مجازر يومية متحركة ضد الشعب كله بفعل الفوضى الأمنية والسياسية التي أثارتها في هذا البلد.

ثم بدأ الغرب يخطط للسيطرة على سورية ولبنان، من أجل أن يكون لبنان ساحة لنفوذه السياسي في المنطقة... وهكذا، بدأ بإصدار القرارات المتنوعة ضد قوى المعارضة للسياسة الأميركية والإسرائيلية في لبنان، من مجلس الأمن الذي استطاع أن يصادره من خلال ضغوطه على الأعضاء الدائمين وغيرهم، مستغلاً تبادل المصالح بينه وبينهم، فكان القرار 1559 وما تلاه من قرارات من أجل نزع سلاح المقاومة حمايةً للأمن الاسرائيلي، ليكون لبنان ساحة مفتوحة للضغط الإسرائيلي، فلا يملك أي قوة لرد عدوانها.

وقد كان التحرير العام 2000 الذي أنجزته المقاومة في لبنان صدمةً لأميركا و«إسرائيل»، لأنه استطاع أن ينزل بـ «إسرائيل» الهزيمة بشكل مباشر لأول مرة في تاريخها. ولكنه بدأ يخطط - مع حليفته «إسرائيل» كيف يثأر من هذه القوة المقاومة التي تتمتع بالوعي والخبرة الجهادية والصلابة والإيمان، فبحث عن مبرر مهما كان، على الطريقة التي كانت تبحث فيها «إسرائيل» عن المبررات في عدوانها على لبنان، فكانت عملية خطف الجنديين الإسرائيليين التي سبقتها عمليات مماثلة انتهت بالتبادل مع الأسرى هي المبرر الذي نفذت من خلاله أميركا وحليفتها «إسرائيل» ما خططته لإسقاط القواة المقاومة في لبنان، من أجل الامتداد في سياستها التي أعلنت عنها، وهي تحريك مشروع الشرق الأوسط الجديد، لا إنقاذ لبنان مما تسمايه بـ «فوضى السلاح».

وهكذا، حشدت قوى الشر في العالم من خلال المستكبرين الذين اجتمعوا في مؤتمر الثمانية الكبار في روما، ثم في مجلس الأمن لاستصدار القرار 1701 لمصلحة «إسرائيل» التي انهزمت عسكرياً في الحرب ضد المقاومة، وذلك باعتراف مسئوليها السياسيين والعسكريين، في الوقت الذي كانت أميركا تنتظر منها تحقيق أهدافها في إسقاط المقاومة ميدانياً تمهيداً لنزع سلاحها، ولذلك امتنعت الإدارة الأميركية برئاسة بوش - من إقرار قرار وقف إطلاق النار الذي ارتفعت الصيحات في العالم الإسلامي والعربي وبقية أحرار العالم للمطالبة به احتجاجاً على المجازر الاسرائيلية، واستمرار الحرب ضد المدنيين العزل الذين كانت «إسرائيل» تهدم بيوتهم على رؤوس أهلها من الأطفال والنساء والشيوخ، وخصوصاً في قانا ومروحين وصريفا والدوير والقاع وغيرها من القرى؛ لأن أميركا كانت تنتظر نصراً للجيش الإسرائيلي، لكنه لم يستطع تحقيق نصر على الأرض.

وهكذا، رحبت «إسرائيل» بالقرار من خلال بعض بنوده، وغموضه الذي يمنحها تفسيره بما يحقق مصالحها... ولايزال وقف إطلاق النار جامداً في هذا القرار، ولاتزال أميركا تهدد باستصدار قرار آخر من أجل نزع سلاح المقاومة... ولاتزال الدول الغربية خاضعة للإرادة الأميركية في إدارتها الحالية؛ لأن الغرب لا يمنح العرب والمسلمين أي احترام سياسي أو أمني أو اقتصادي، ولاسيما أن هؤلاء قبلوا بالضعف الذي تمارسه حكوماتهم أمام الغرب و«إسرائيل»، ولم يحركوا ساكناً باستخدام عناصر القوة التي يملكونها، بل إنهم سقطوا مع بعض الساسة اللبنانيين - أمام تأييدهم للحرب الإسرائيلية ضد لبنان.

إن مجلس الأمن لم يضغط على «إسرائيل» في كل تاريخه منذ تأسيس الكيان العبري، وفي القرارات التي صدرت العام 67، ومنها القرار 194 الذي اعترف بحق عودة الفلسطينيين إلى بلدهم، ولم تطبق «إسرائيل» أي قرار من خلال الغطاء الأميركي الذي يعمل لحمايتها بتهديده باستعماله لحق النقض (الفيتو)، ومازال يمنع مجلس الأمن من إدانتها على مجازرها واختراقاتها للبنان وفلسطين، على رغم حديثه عن الحل السلمي الذي لم تضغط أميركا لتحقيقه، لأن «إسرائيل» ترفض السلام الذي يمنح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، والاستقلال في دولته المستقلة القابلة للحياة، ذلك لأن المجتمع الدولي - وفي مقدمته أميركا - لا يحترم الشرعية الدولية إذا كانت ضد مصلحة «إسرائيل»، ويؤكدها إذا كانت ضد العرب والمسلمين.

وفي هذا الجو، نجد أن الرئيس بوش الذي يتحدث عن بعض المساعدات المالية للبنان، هو نفسه الذي زود «إسرائيل» بالقنابل الذكية المتطورة التي قتلت المدنيين العزل الأبرياء من الشعب اللبناني، وأن بريطانيا هي التي كانت الجسر الذي ساهم في إيصالها إلى «إسرائيل». إنهم القتلة المتوحشون الذين يرفضون حماية الطفولة في لبنان، ثم يحدثوننا بعد ذلك عن المساعدات الإنسانية وعلب الحليب تماماً كما لو أنهم كانوا يتصورون أن شعبنا يعيش السذاجة الإنسانية السياسية.

ولايزال الحقد الغربي الأعمى يخضع كخضوع أميركا للكيان العبري، ويحتقر العالم العربي والإسلامي، ولا يجد أي حقا له من حقوق الإنسان؛ لأن الأساس عنده هو أن يبقى هذا العالم البقرة الحلوب لرخاء الغرب الاقتصادي. وهذا ما يفرض على العرب والمسلمين أن يأخذوا بأسباب القوة، ليحركوا عناصر الضغط عندهم، ولا يستسلموا لحركة المجتمع الدولي ضد مصالحهم تحت عنوان الشرعية الدولية، التي هي شرعية الغرب في مصالحه، لا شرعية الشعوب الحرة المستضعفة في قضاياها الحيوية المصيرية.

أيها اللبنانيون السياسيون والحاكمون: لتكن لكم ولو لبعض الوقت إرادة أن تكونوا أحراراً في دنياكم، وإرادة العزة والسيادة والاستقلال... ولتكن لكم الصرخة القوية ضد الحصار البحري والجوي الذي تفرضه «إسرائيل» بغطاء من أميركا، لأننا بحاجة إلى الكلمة القوية التي تعرف أن تقول «لا» في مواقع الرفض للإذلال الإسرائيلي والأميركي للشعب كله...

ويا أيها العرب والمسلمون: لتكن لكم إرادة التحدي للاستكبار الذي يصادر كل مواقعكم في العزة والكرامة، ولا سيما أن الله تعالى أراد العزة للمؤمنين

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1453 - الإثنين 28 أغسطس 2006م الموافق 03 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً