العدد 1453 - الإثنين 28 أغسطس 2006م الموافق 03 شعبان 1427هـ

لا حرب... بعد اليوم!

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تكون الحرب الأميركية - الإسرائيلية على لبنان هي الأخيرة في المنطقة العربية - الإسلامية، وبالتالي ستكون هذه الحرب فاتحة مفاوضات قد تؤدي إلى سلام عادل وشامل؟

هذا السؤال صح أم خطأ هو فكرة قالها الكثير من المحللين والمتابعين لشئون «الشرق الأوسط». فهذا الكثير بنى نظرياته على مجموعة مسلمات يرى انها تشكل في النهاية بداية تراجع الولايات المتحدة عن مشروعها التقويضي الذي انطلق بعد هجمات سبتمبر/ أيلول 2001.

يعتمد هذا الفريق الكبير من المفكرين على معطيات واقعية برأيه انها تعطل إمكانات استكمال المشروع الأميركي نهج المكابرة والتصعيد بعد سلسلة التجارب الفاشلة في أفغانستان والعراق وأخيراً لبنان وفلسطين.

الفريق المذكور يرى ان استراتيجية الإدارة الأميركية الحالية وصلت إلى مرحلة الاشباع ولم يعد عندها القدرة على تطوير تكتيكات تلك الاستراتيجية بعد انكشاف كل تقنياتها ووسائلها واهدافها. فالإدارة لم تعد في موقع يسمح لها سياسياً في مواصلة اقناع الرأي العام الأميركي بأهمية المشروع وفوائده. كذلك أصبحت في موقع يمنع «البيت الأبيض» من التكيف مع المستجدات التي طرأت على قناعات دافع الضرائب الذي بات يميل إلى سياسة المسالمة والمصالحة بعد ان اكتشفت عدم جدوى تلك «الحروب الاستباقية» أمنياً واقتصادياً.

الفريق المذكور إذاً يراهن بقوة على الشارع الأميركي ودوره في كبح تطرف إدارته التي استغلت مخاوف الناس واشتغلت على ذاكرتهم الجمعية بهدف تحقيق أهداف توسعية تحت شعارات متوهمة ترفع درجة القلق عند المواطنين لكسب تأييدهم في حروب دائمة لا تتوقف.

العامل الداخلي ليس الموضوع الوحيد الذي يعتمده هذا الفريق للقول إن السياسة العدوانية الأميركية في المنطقة العربية - الإسلامية وصلت إلى حدها الأقصى. فالفريق المذكور يعتمد على مجموعة عوامل منها اختلاف المزاج الدولي وظهور عدم رغبة عند الدول الكبرى في استمرار السكوت على هذا المنهج الأميركي الذي يعتمد سياسة التفرد في القرارات وعدم احترام مصالح الدول وحقوقها ودورها في صنع الحياة العامة للناس.

إلى ذلك، يذهب هذا الفريق إلى تدعيم نظريته بقراءة خاصة تتصل بحال القوات الأميركية في أفغانستان والعراق. وبرأي اصحاب وجهة النظر هذه ان قوات الاحتلال متورطة وتمر في حال لوجستية يرثى لها وهي سقطت في الرمال المتحركة وتبحث عن مخارج تضمن لها ماء الوجه للانسحاب من الموقعين.

يضاف إلى ذلك مجموعة عناصر تتعلق بالفوضى العارمة التي ضربت دول «الشرق الأوسط»، ونمو ظاهرة العنف وبروز ممانعات محلية تجلت في مقاومات متنوعة الألوان والأشكال استعصت على الاحتلال واربكته ووجهت له ضربات موجعة لا يعرف كيف سيتعامل معها في الداخل الأميركي.

باختصار تقول وجهة نظر هذا الفريق الكبير من المحللين والمتابعين إن وضع الولايات المتحدة في حال يرثى لها وهي تمر في مأزق تاريخي لم تواجه مثيلاً له منذ عقود. وعلى أساس هذه المسلمات والمعطيات توصل هذا الفريق إلى نتيجة مفادها ان الحرب الأميركية - الإسرائيلية على لبنان تعتبر الأخيرة في السلسلة الطويلة وبعدها ستتجه واشنطن إلى تغيير نهجها وسلوكها واعتماد تكتيك جديد يتعامل مع الوقائع بموضوعية ومن دون استعلاء ومكابرة.

أمثلة ونماذج

لا يكتفي هذا الفريق بالتحليل للبرهنة على استنتاجاته وانما يعطي أمثلة حسية للتأكيد على صحة وجهة نظره. المثال الأول أفغانستان. فالولايات المتحدة هناك لم تنجح في بناء دولة تضمن مصالحها بل ان حركة «طالبان» تشهد عودة إلى الساحتين السياسية والقتالية.

المثال الثاني العراق. فالاحتلال هناك فشل في ضبط الوضع الأمني ولم ينجح في تأسيس دولة نموذجية يحتذى بها في «الشرق الأوسط» بل انه اخذ يخسر تلك القوى التي أيدت الغزو ووقفت معه في السنوات الثلاث الماضية.

المثال الثالث فلسطين. فالاحتلال الإسرائيلي هناك فشل في احتواء الوضع وجاءت التجربة الديمقراطية لتؤكد ان خيار الناس لا ينسجم مع القناعات الأميركية والتصورات الصهيونية، وتل أبيب الآن تجتهد لوضع إطار يضبط إيقاع التطورات التي أخذت تندفع باتجاهات مضادة للمشروع الأميركي المؤيد للسياسة الصهيونية.

المثال الرابع لبنان. فالعدوان الذي استمر أكثر من 33 يوماً فشل في تحقيق أهدافه السياسية. حتى القرار 1701 لا يعطي «إسرائيل» ما تريده في اعتبار انه لا ينص على مجموعة املاءات لم تنجح الولايات المتحدة في تمريرها في نص القرار بناء على تصور مسودة المشروع الأميركي - الفرنسي.

بناء على هذه التحليلات المرفقة بالأمثلة والنماذج الحية يرى هذا الفريق ان الحرب بين لبنان و«إسرائيل» انتهت بالتعادل السلبي ولم يعد بإمكان تل أبيب ارتكاب حماقة ثانية. كذلك يرى الفريق المذكور ان واشنطن تبحث عن مخرج للانسحاب من العراق بدليل ان القوات البريطانية في الجنوب أخذت تتجمع وتسلم مواقعها وثكناتها للسلطات المحلية. والأمر نفسه يمكن سحبه ولو بدرجات متفاوتة على الحال العامة في أفغانستان.

أخيراً ينتهي هذا الفريق إلى استنتاج عام يقوم على فكرة شبه نهائية وجازمة وهي لا حرب بعد اليوم في المنطقة العربية - الإسلامية! وبالتالي فإن أميركا غير قادرة في إطار المواصفات المذكورة على خوض تجربة جديدة فاشلة في إيران مثلاً. ولأنها في وضع سلبي لا يسمح لها بتكرار تلك الأخطاء يتجه الفريق المذكور إلى ترجيح نشوء سياسة أميركية جديدة تتبنى نهج التفاوض السلمي مع طهران والابتعاد عن استخدام القوة.

المثال الأخير نموذجي في رؤية هذا الفريق لمسار الاستراتيجية الأميركية. فهو يراهن على وجود اعتراض دولي في مجلس الأمن ومعارضة قوية من دول الفيتو (النقض) لأية محاولة قد تقدم عليها واشنطن للموافقة على قرار يفتح الباب أمام التصعيد وربما المواجهة العسكرية. كذلك يراهن على ضعف القوات الأميركية وعدم جاهزيتها لخوض حرب جديدة بسبب ضعف بنيتها العسكرية واللوجستية. مضافاً إلى هذا ظهور استعدادات عند الطرف الإيراني للمنازلة في منطقة حيوية للاقتصاد الأميركي والتجارة العالمية.

إذاً وبحسب الخلاصات العامة والنهائية لهذا الفريق لا حرب جديدة في المنطقة العربية - الإسلامية. بل هناك بوادر تفاوض تمهد للانسحاب الأميركي وتؤسس بدايات واقعية لتحقيق سلام عادل في المنطقة.

وجهة النظر هذه قوية جداً وتبدو أحياناً مسيطرة في التحليلات الاستراتيجية والتعليقات السياسية. وهناك فريق يعتمد عليها أساساً لرؤيته في التحولات المستقبلية وتطور موازين القوى وما ستعكسه من مواصفات وسلوكيات يفترض انها ستنتشر استتباعاً بعد حصول هذه التوقعات التي تختلط فيها المبالغات مع الأمنيات مع قراءات متفائلة لكوارث سقطت على المنطقة من افغانستان إلى لبنان. وحين تتحول الكوارث العربية - الإسلامية إلى نكسة للولايات المتحدة وهزيمة لمشروعها التقويضي يمكن الاستنتاج ان رأي هذا الفريق الكبير صحيح في المعنى المذكور وغير صحيح في معان أخرى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1453 - الإثنين 28 أغسطس 2006م الموافق 03 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً