تزايد في العقود الاخيرة على نحو ملموس وجود المسلمين في بلدان الغرب ولاسيما في بلدان غرب أوروبا والولايات المتحدة، وكان الأساس في هذا التزايد، زيادة اعداد المهاجرين من جهة وتزايد نسب الولادات - مقارنة بغيرهم - ثم انضواء بعض سكان تلك البلدان تحت راية الإسلام باتخاذه ديناً لهم.
وترافق مع الزيادة العددية للمسلمين في الدول الغربية، صعود في حضورهم السياسي والثقافي في تلك البلدان، التي تقوم انظمتها على التشارك والتعبير عن الذات بالنسبة إلى الافراد كما الجماعات، ما أعطى المسلمين فرصة خلق مؤسسات ثقافية واجتماعية تخصهم من جهة وخلق تعبيرات سياسية مماثلة بينها جمعيات ومنظمات، يتصل نشاط بعضها بالعلاقات التي تربط المسلمين بغيرهم، فيما تختص اخرى بالأمور التي تهم المسلمين والعلاقات فيما بينهم.
وبطبيعة الحال، فقد جعلت المحصلة الاجمالية لزيادة عدد المسلمين وصعود حضورهم السياسي والثقافي في البلدان الغربية للمسلمين وزنا وحجما كبيرين في الكثير من الدول الغربية، وهذا في احد جوانبه، جعل فئات في تلك البلدان تثير لغطاً متزايداً بشأن المسلمين ووجودهم ودورهم هناك، وكان ذلك من مواقع مختلفة، إذ اثير اللغط في جانب منه من زاوية ثقافية، تستند إلى الاختلاف الثقافي بين المسلمين في اصولهم وتقليدهم عن أكثرية المواطنين، فيما استند اللغط في جانب آخر إلى خلفية اقتصادية - اجتماعية، إذ إن غالبية المهاجرين من المسلمين، ينظر اليهم مواطنو تلك البلدان على أنهم يأخذون فرصهم المتاحة في العمل وفي الحصول على التقدمات الاجتماعية التي هي من حق المواطنين.
وثمة سببان آخران يستند اليهما اللغط عن المسلمين ووجودهم ودورهم في البلدان الغربية، اولهما نزعات عنصرية - تمييزية محدودة من جانب بعض مواطني تلك البلدان ازاء الاجانب أو من في حكمهم من المهاجرين أو ازاء من هم من اصول مهاجرة، والثاني ناتج عن بعض سلوكيات وعادات وتقاليد يقوم بها بعض المسلمين، تترك ردات فعل في اوساط من مواطني البلدان الغربية المحدودي العلاقة والمعرفة بالعالم الاسلامي والمسلمين.
لقد عبر هذا اللغط بشأن المسلمين في البلدان الغربية عن نفسه مرات كثيرة، ولاسيما خلال الحملات الانتخابية التي شهدت صعوداً لجماعات الوسط واليمين إلى السلطات، والتي حولت قضية الهجرة إلى واحدة من همومها وانشغالاتها الاساسية، وهي قضية ترتبط بصورة مباشرة بالوجود الاسلامي في البلدان الغربية.
غير أنه وفي كل الاحوال، فإن اللغط بشأن الوجود الإسلامي ودوره في الدول الغربية، ظل خافتاً، وظلت تأثيراته محدودة في انعكاساتها على المسلمين هناك، حتى جاءت حوادث سبتمبر/ أيلول الأميركية العام 2001، فأخذ اللغط يعلو مع بروز النظرية الأميركية، التي تحولت إلى نظرية دولية تحت مسمى «الحرب على الارهاب»، وجاءت في اطارها سياسات وخطوات، كان بينها صدور تشريعات وقوانين، وضعت المسلمين وانشطتهم في الكثير من الدول الغربية تحت المجهر، وادت في بعض البلدان إلى اتخاذ اجراءات ذات طابع مناهض لـ «المسلمين»، وجرى استغلال هذه التطورات على نحو مزدوج من جانب متشددين ليس في الأوساط الإسلامية فقط، وانما أيضاً من أوساط بعض مواطني تلك البلدان وفي صفوف بعض صناع القرار في عدد من الدول الغربية.
وبعد أن كانت خيارات غالبية مسلمي البلدان الغربية هي التعايش مع واقع تلك البلدان مع الحفاظ على خصوصيات المسلمين، حدث انفلاش في الخيارات، جعلها تتعدد، لتندرج في ثلاثة خيارات رئيسية، أولها خيار الانفصال عن عالم الغرب وحياته سواء في الهجرة المضادة، أو في اللجوء إلى ما يشبه حياة «الغيتو» ليعيش مسلمو تلك البلدان في حال من العزلة. والخيار الثاني، اندفاع في المواجهات الدينية، التي اتجه اليها متطرفون بعضهم عبر عن مواجهاته بالتشدد السياسي، فيما اتخذ آخرون مساراً عنيفاً في المواجهة، اما الخيار الثالث فكان خيار التعايش والتوافق مع الحياة الغربية.
لقد عكست الخيارات الرئيسية المستويات الذهنية والفكرية والسياسية السائدة في اوساط مسلمي البلدان الغربية، التي تتماثل مع سوياتها في البلدان العربية والاسلامية. فالبعض اختار الانفصال عن واقع تلك البلدان بما يشبه نزعة الهجرة منكفئاً عن محيطه سواء لعدم القدرة على التكييف معه أو لمخالفته، وبعض اختار طابع المواجهة في اتجاهاتها المختلفة السياسية والعنفية، وفي الحالين لم يكن اصحاب هذين الخيارين سوى قلة في أوساط المسلمين في الغرب، فيما أكثرية مسلمي تلك البلدان، اتجهت بخيارها إلى التعايش والتوافق مع محيطها سواء في الاندماج وفق القواعد العامة والسائدة في تلك البلدان، أو من خلال رسم ملامح جديدة تسمح بها القواعد القانونية والاجتماعية في تلك البلدان.
إن ما يدعم خيار تعايش وتوافق المسلمين في بلدان الغرب، يمكن في حقائق اساسية توفرها الحياة
العدد 1452 - الأحد 27 أغسطس 2006م الموافق 02 شعبان 1427هـ