ربما لم يكن في مخيلة الإدارة الأميركية أن تقف في وجهها أية قوة على وجه الأرض - بعد بلوغها مرحلة الوصاية على العالم وتحريكه بأناملها في أي اتجاه شاءت - وتكبدها خسائر خيالية ترهق موازنتها وتثقل كاهلها، كقوة غضب الطبيعة التي يسلطها الله سبحانه وتعالى على من يشاء عقابا أو بلاء أو تحذيرا لمن يريد أن يتجاوز حدوده البشرية. ولم يمض عام واحد على هذا الإعصار- الذي ضرب ولايتي لويزيانا وميسيسيبي الأميركيتين في 29 أغسطس/ آب 2005 - حتى أعلن البيت الأبيض أمس الأول أن إعصار «كاترينا» هو أكثر الأعاصير كلفة في تاريخ الولايات المتحدة، إذ قدرت كلفة الخسائر بنحو 118 مليار دولار. وأن أرواح 1800 شخص حصدها الإعصار في دقائق، كما حول أكثر من 400 ألف أميركي إلى لاجئين بلا مأوى ووصف البعض الحال بـ «الهجرة الجماعية الأولى». وكانت منظمة الصليب الأحمر الأميركي أعلنت في حينها حاجتها إلى أربعين ألف متطوع إضافي للمساعدة على مواجهة التحديات التي خلفها الإعصار.

بينما لاتزال الآثار الإنسانية لهذا الإعصار باقية في الذكرى السنوية الأولى له، فإن سعادة الرئيس جورج بوش الابن يقضي جل وقته في عطلته بمزرعته في تكساس على رغم إعلان حجم الدمار الناجم عن تلك الكارثة.

نعم فهو لا تقض مضجعه محنة هؤلاء المنكوبين من أبناء شعبه ومعاناتهم النفسية بقدر ما يقلقه صراخ مستوطني شمال «إسرائيل» حينما يطرق آذانهم صوت صفارة الإنذار التي انطلقت بطريق الخطأ بعد أيام من وقف إطلاق النار.

فإدارة بوش الابن لا تتعلم من التجارب بقدر ما تزداد غطرسة بعد كل كارثة، فلا الكوارث الطبيعية ولا «العداء» الذي يتنامى لدى الشعوب المستضعفة اتجاهها يجعلها تعيد حساباتها، فتضع عقلها في رأسها فتوجه جل اهتمامها إلى إنسانها الذي يكتوي بنار سياستها ويدفع ضريبة مغامراتها