العدد 1450 - الجمعة 25 أغسطس 2006م الموافق 30 رجب 1427هـ

عودة «المخاض» للنووي الإيراني

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

مرة أخرى يعود الملف النووي الإيراني إلى واجهة الحوادث في ظل أوضاع إقليمية حاشدة بالتوترات وفي ظل شد وجذب دوليين عنوانهما: لمن الأولوية في تقديم الحلول أو مبادرات التسوية؟! أو من اين ينبغي ان تبدأ ورشة العمل التي يراد لها ان تفرز أو تبلور شرق أوسط جديد؟! من العراق المتعثر في حروبه الداخلية أم من أفغانستان التي تغرق يوماً بعد يوم أكثر فأكثر في رمالها المتحركة أم من لبنان المكشف من جديد من جانب المحافظين الجدد نموذجاً «صالحاً» لتعميم «الفوضى الخلاقة» أم من باب «الشرق الأوسط الكبير» أي أزمة الشرق الأوسط المزمنة اعني القضية الفلسطينية ام عود على بدء مع ملف إيران النووي الذي بات عنصراً وبعداً حاضراً على الدوام في كل الملفات الآنفة الذكر؟!

هو صراع متعدد الأوجه بين واشنطن وطهران تعتبره الأخيرة ليس فقط عنواناً بل مفتاحاً مركزياً لاستقلالها الناجز وأمنها القومي وبالتالي فهي لا تستطيع المساومة عليه ولا التفاوض من حوله الا تحت سقف الاستقلال وصناعة قرارها الوطني.

ولما كانت طهران ترى في موضوعة التخصيب وبايد إيرانية محلية وفوق الأراضي الإيرانية هي مفتاح صيانة هذا الاستقلال فإن المعركة السياسية مع واشنطن ستظل مفتوحة بلا سقف زمني محدد، قد تتراجع بعض الشيء لفترة بسيطة بحسب الظروف وعناصر المد والجزر الإقليميين لكنها سرعان ما تعود إلى الواجهة في أول فرصة تتفرغ فيها واشنطن لطهران أو تعجز عن تنفيذ خططها في الملفات الأخرى المشار إليها آنفاً.

اليوم وبعد توقف حرب الـ 33 يوماً المفتوحة بين تل أبيب وبيروت المدعومة برؤية أميركية «شرق أوسطية جديدة» بامتياز، تراود واشنطن بقوة فكرة التحضير لسيناريو ما بشأن الملف النووي الإيراني!

طهران بدورها والتي تعتقد انها ربحت حرب لبنان مرتين، مرة عندما ابعدت شبح الحرب المباشرة عليها ومرة عندما نجح حليفها اللبناني في كسر شوكة حليف وشريك واشنطن الاستراتيجي وبالتالي فإنها تعتبر نفسها في وضع مريح جداً مع بداية الجولة الجديدة من «النزال» الدبلوماسي والاعلامي والسياسي والدعائي والقانوني بشأن ملفها النووي. ومن هنا جاءت اجابتها وأعلن عن ردها على مقترحات الرزمة الأوروبية «واثقاً» وحازماً ولكن منفتحاً أيضاً على كل التسويات.

طهران تقول إن مبدأ التفاوض بشأن وقف التخصيب لمدة زمنية محددة يمكن أن يكون مقبولاً على طاولة الحوار، ولكن لا تقبل بذلك شرطاً مسبقاً للدخول في تفاصيل قبول رزمة المقترحات مطلقاً. والسبب في ذلك يكمن في امرين أو ثلاثة من وجهة نظر طهران.

أولاً: لا معنى لمفاوضات عنوانها المركزي مسألة التخصيب فيما يطالب أحد الأطراف العراق الآخر بالتخلي عن هذه المسألة!

ثانياً: ان تجربة السنوات الثلاث الماضية مع الاتحاد الأوروبي الذي كان الطرف المفاوض نيابة عما يسمى بالمجتمع الدولي، لم تكن مشجعة ابداً إذ سادتها اجواء المماطلة والتسويق وعندما حانت ساعة الوفاء بالوعد جاءت رزمة المقترحات والتي سميت «بالمحفزات» خالية تماماً من أي امر جوهري. يستأهل التوقف عنده سواء في رزمة «المحفزات» الأولى في نهاية عهد الرئيس السابق محمد خاتمي أو الرزمة الجديدة أي (الحالية)!

ثالثاً: وأخيراً فإن طهران تعتقد أن موضوعة التخصيب وبعد أن باتت جزءاً لا يتجزأ من مقولة استقلالية القرار الوطني الإيراني وامنها القوي بعد تمكنها من امتلاك دورة نووية كاملة لا يمكن المفاوضة عليها إلا تحت سقف هذا الاستقلال والأمن القومي ولا يمكن التفريط بها تحت طائلة التهديد والوعيد.

فاذا كانت واشنطن راغبة في البحث عن حل دبلوماسي وحواري لهذا الملف مستفيدة من تجربة الاتحاد الأوروبي السابقة فإن طهران بحسب صناع القرار فيها مستعدة اتم الاستعداد لايجاد الصيغة المناسبة شرط ان يبقى الملف في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعتبارها الجهة القانونية والشرعية الوحيدة المعنية باقتراح الحلول المناسبة مستعينة بأطراف المجتمع الدولي بما فيها واشنطن والمجموعة الأوروبية والصين وروسيا أي مجموعة 5 + 1، بعيداً عن سياسة املاء القرارات ووضع العربة امام الحصان!

واما اذا كانت واشنطن تبحث عن «تسييس» متعمد لهذا الملف ووضع اجباري له باعتباره ملفاً «شرق أوسطي» بامتياز يدخل في صميم مخططات الشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو الموسع فإن طهران لن يبقى امامها غير خيار استنفار جميع قواها لصد هذه «الهجمة» الدبلوماسية والاعلامية والدعائية والسياسية وبالتالي عدم الثقة والاعتماد على أي قول أو تعهد أو عهد أو رأي بل وعدم الاكتراث حتى بأي «قرار» صادر عن أية جهة دولية بما فيها مجلس الأمن الدولي! خصوصاً بعد أن تحول هذا المجلس إلى أداة طيعة بيد الولايات المتحدة الأميركية بامتياز كما أثبتت التجارب الأخيرة ومنها لبنان.

وأخيراً وليس آخراً فإن تجربة لبنان الأخيرة بالمناسبة لا تشجع كثيراً على الثقة بما بات يعرف بالمجتمع الدولي من جهة كما أنها - كما يفترض بها - قد أوصلت الرسائل البليغة لمن يهمه الأمر من أطراف كذبة «المجتمع الدولي» بان اسلوب المواجهة العسكرية والحسم بوسائل التدمير الشامل لم يعد ناجعاً في حل أية قضية خلافية في العالم ناهيك عن قضية هي على «فوهة بركان» بالاساس أكثر مما يتطلب لحلها الصبر والاناة والدراية والعقل والتخلي عن سياسة التهديد والوعيد وفك «العقد» بالأسنان في وقت يمكن فكها باليد واللسان

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1450 - الجمعة 25 أغسطس 2006م الموافق 30 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً