جاء في الحلقة الأولى من هذه المقالة رصداً للتطورات التي عرفت ما أصبح متعارفاً عليه باسم «الملابس الذكية». وشأنها شأن الكثير من الاختراعات الأخرى، تم الاستفادة من التقدم الذي عرفته صناعة الملابس الذكية في قطاعات كثيرة أخرى من أبرزها القطاعان العسكري والصحي. تكنولوجيا حربية ومن أبرز المشروعات الحربية في مجال الملابس الذكية هو مشروع القميص الذكي الذي تم تطويره وإجراء تجارب معقدة عليه في معهد جورجيا للتكنولوجيا. جاءت الفكرة الأصلية للقميص الذكي من البحرية الأميركية في بداية العام 1996. وفي ذلك الوقت كان يتم تصميم القميص للجنود أثناء القتال بحيث يمكن لموظفي الرعاية الصحية في المواقع القتالية العثور على الموقع المحدد للجرح الناتج عن الإصابة بالطلقات النارية.
وللعثور على مكان اختراق الرصاصة، يتم إرسال إشارة ضوئية باستمرار من طرف واحد بالألياف البصرية إلى مستقبل بالطرف الآخر، ويتم توصيل الألياف أيضاً بشاشة حالة شخصية يتم ارتداؤها على الفخذ. وفي حالة عدم وصول الضوء من الجهاز المرسل إلى الجهاز المستقبل داخل الشاشة، فذلك يعني أن الجندي تم إطلاق الرصاص عليه. وبعد ذلك تعود الإشارة الضوئية إلى مكان الاختراق مما يساعد الأطباء على العثور على المكان المحدد للجرح الناتج عن الرصاصة.
ويعمل القميص أيضاً على مراقبة العلامات الحيوية مثل سرعة نبضات القلب ودرجة حرارة الجسم ومعدل التنفس. ويتم مراقبة هذه القياسات بطريقتين: من خلال المجسات المركبة في القميص والمجسات التي يقوم الشخص بارتدائها، ويتم توصيل كليهما بشاشة المراقبة على الفخذ. ويتم تسويق هذا القميص حالياً لمنع عارض الوفاة الفجائية للأطفال. كما يمكن للرياضيين أيضاً ارتداؤه لمراقبة أداء أجسامهم أثناء التدريب والمنافسة.
ملابس بالفيتامينات على أن المناحي الغريبة التي أخذت بها صناعة الملابس الذكية، والتي يعتبرها البعض من أغرب وأحدث الابتكارات العالمية في مجال التغذية والأزياء، تمكنت إحدى الشركات اليابانية في إنتاج ملابس مشبعة بالفيتامينات، كقميص فيتامين (سي)، وملابس داخلية بفيتامينات )E( و(أ) وغيرها.
وتأتي هذه الدعوة إلى ارتداء الفيتامينات والمعادن والمكونات المغذية في صورة ملابس يحصل منها الجسم على هذه المغذيات، استجابة للمعدلات المتزايدة من حالات سوء التغذية والنقص الغذائي بين الكثير من شعوب العالم النامية.
وأوضح الخبراء أن ملابس الفيتامينات يتم تصنيعها من ألياف معينة تحتوي على مادة كيميائية مناسبة وصحية، تتأثر بحرارة الجسم عند تلامسها مع الجلد، فتنشط، وبذلك يسهل امتصاصها لتتحول داخل الجسم إلى فيتامين، مشيرين إلى أن مفعول المواد الكيميائية المشربة في ألياف الملابس في إمداد الجسم بالفيتامين، يستمر بعد 30 مرة من غسلها.
وتمكن الباحثون اليابانيون من إنتاج ملابس صيفية ورياضية تحتوي على مكونات غذائية تعمل على امتصاص حرارة الجسم والعرق وتساعد في ترطيب الجلد من خلال المحافظة على توازن درجة حموضة الجلد والتحكم في درجة حرارة الجسم.
واستطاع هؤلاء إدخال سكر «الزايليتول» الذي يوجد طبيعياً في الكثير من الفواكه والخضراوات، ويتكون كمادة وسيطة في الجسم خلال تفاعلات التمثيل الغذائي وعمليات الأيض والاستقلاب في الجسم، ولا يسبب تسوس الأسنان، ويستخدم من أجل التحلية في تصنيع العلكة والكثير من الحلويات والمخبوزات، كما يدخل في منتجات أغذية مرضى السكري وأطعمة الريجيم، في عدد من الملابس الصيفية والرياضية.
وبالإضافة إلى ملابس الفيتامينات، نجح الباحثون في مركز هونشتاين الطبي الألماني، في إنتاج ملابس مشرّبة بالعقاقير المخصصة لعلاج بعض الأمراض والمساعدة على شفائها، إذ يبدأ عمل هذه العقاقير بمجرد ارتداء المريض لها وملامستها لجلد الجسم.
وتشمل هذه الملابس الذكية العلاجية بعض القمصان لمقاومة الصداع، وجوارب لمكافحة فطريات القدم، وأخرى مشبعة بالمعادن والفيتامينات، وملابس داخلية لمن يعانون من التهابات جلدية.
ومع كل ذلك التقدم، يرى بعض الخبراء أن تلك الملابس وفيتاميناتها، لا يمكن أن تصبح بديلا لتناول الأغذية الطبيعية الغنية التي تحتوي على مركبات فعالة غذائياً وصحياً وعلاجياً تلبي الاحتياجات الأساسية للإنسان.
مخروطيات الصنوبر ولم يقتصر الأمر على ولوج الملابس الذكية ميدان الصحة البدنية فحسب، بل تجاوزها الأمر ليصل إلى مجال الصحة النفسية. تمكن باحثون في جامعتين بريطانيتين، من الاستفادة من الطبيعة، وخصوصا مخروطيات أو أكواز الصنوبر، في تطوير نوع جديد من الملابس الذكية، الحساسة للتغير في درجات الحرارة، فتجعل مستخدمها يشعر بالراحة والهدوء.
وأوضح علماء في جامعتي باث وكلية لندن للأزياء، أن الملابس الجديدة تعتمد على آخر ما توصل إليه العلم في مجال التكنولوجيا الدقيقة، لإنتاج مواد خام تسمح بدخول الهواء لتبريد مستخدمها، وتوفير الانتعاش في الأجواء الحارة، وتمنع دخوله عندما يكون الطقس بارداً، وهو نظام يشبه ذلك، الذي تستخدمه أكواز الصنوبر لتنفتح وتخرج بذورها.
ويبحث العلماء في إمكان إنتاج مثل هذه المادة، التي يتوقعون أن يتمكن الناس من استخدامها يومياً خلال عدة سنوات.
وفسر الباحثون الأمر بأن هذه الأقمشة الذكية تتألف من طبقة علوية من أشواك صغيرة مصنوعة من مادة ممتصة للماء، قد تكون الصوف، كل منها بعرض جزء من المئتين جزء من الملليمتر، فعندما يشعر مستخدمها بالحرارة ويعرق، فإن هذه الأشواك الصغيرة الموجودة في المادة ستتفاعل مع الرطوبة وتنفتح تلقائياً وذاتياً، فتسمح للهواء بالدخول من الخارج إلى الجسم، من خلال هذه المادة، فتساعد في التبريد. أما إذا توقف المستخدم عن التعرق، فإن الأشواك ستنغلق ثانية لتمنع دخول الهواء.
حقبة ما بعد الكمبيوتر الشخصي على رغم كل هذا التقدم الذي شهدته صناعة الملابس الذكية، لكن المستوى الذي يطمح الوصول إليه الإنسان والذي تتم فيه المزاوجة المبدعة والفعالة بين الشكل والأداء لاتزال بعيدة بعض الشيء. وهذا الأمر هو الذي تحاول إدارات البحث والتطوير في مؤسسات صناعة الملابس بالتعاون مع الجامعات ومختبرات التطوير الوصول إليه. ويذكر أن هناك نشاطاً دؤوباً في قطاعي الإلكترونيات والكمبيوتر لتطوير أجهزة يمكن ارتداؤها خلال فترة يطلق عليها حقبة ما بعد الكمبيوتر الشخصي. فنحن الآن في مطلع هذه الحقبة، إذ وصلت بعض هذه الأجهزة إلى سوق المستهلكين. وبالرغم من صغر حجم وقابلية حمل هذه الأجهزة، فهي لا تزال ملحوظة وليست بشكل جمالي دائماً.
فالمرحلة المقبلة من حقبة ما بعد الكمبيوتر الشخصي ستدمج بين أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الأخرى مباشرة في ملابسنا بحيث لا يمكن رؤيتها، ناهيك عن الناحية الجمالية التي ستتمتع بها.
بقيت مسألة تكتسب أهميتها من تطور أبحاث علوم الحاسوب من جهة، وتطور صناعة المواد التي من المتوقع أن تصنع منها الملابس الذكية من جهة ثانية. فعلاقة التكامل بينهما للوصول إلى الملابس الذكية المناسبة للحقبة المقبلة مرتبطة بشكل مباشر في التطور الذي ستعرفه أي منهما.
ومحصلة كل ذلك دخول صناعة الحاسوب في نسيج وحياكة صناعة الملابس كي تغادر مواقعها التقليدية لتحتل مكانتها الذكية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1450 - الجمعة 25 أغسطس 2006م الموافق 30 رجب 1427هـ