حصاد العدوان الإسرائيلي على لبنان: أكثر من ألف قتيل العدد الأكبر منهم من المدنيين وخصوصاً الأطفال. إضافة إلى أكثر من 500 جريح. أما البنية التحتية للبنان فقد بلغت خسائرها أكثر من أربعة مليارات دولار. في المقابل فإن حزب الله غيّر موازين القوى في الشرق الأوسط. لأول مرة يجري ضرب مدن «إسرائيل» بصواريخ الكاتيوشا واستهداف مدينة حيفا ثالث أكبر مدينة في فلسطين المحتلة. علما أن عرب الـ 48 فهموا أن صواريخ حزب الله ترمي لخلق معادلة جديدة في المنطقة. وهكذا حمل والد شاب من عرب الـ 48 قتل بشظية صاروخ كاتيوشا، مسئولية مقتل ابنه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. بلغت خسائر الجيش الإسرائيلي 100 قتيل على الأقل وفقدان اثر 10 جنود على الأقل وجرح أكثر من 150 جندياً. وسقط نحو 80 مدنياً إسرائيلياً. ليست هذه أرقام رسمية لأن كل طرف يحاول قدر الإمكان التقليل من الخسائر ليظهر أنه المنتصر في هذه الحرب.
في رام الله وغزة تحقق أغنية (صقر لبنان) أعلى مبيعات والصقر هنا هو الأمين العام لحزب الله السيدحسن نصرالله الذي ذكرت صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» أن المسيحيين مثل المسلمين يتهافتون على شراء أغنية (صقر لبنان).
أشار يورج بريمر مراسل الصحيفة من القدس إلى أن 50 مولوداً على الأقل يحملون اسم نصرالله وفقاً لبيانات وزارة الصحة في رام الله. إن كان في رام الله أو القاهرة أو بيروت وطهران، ترى الشعوب أن حزب الله ألحق بـ «إسرائيل» هزيمة كبيرة. وجاء في تقرير للصحيفة الألمانية أن شعور الفخر بالإنجاز العسكري لحزب الله لا يقتصر على حركة حماس والشعب الفلسطيني إذ يشعر السياسيون في حركة فتح بالفخر تجاه حزب الله إذ قدم مقاتلوه الدليل على أن الجيش الإسرائيلي ليس قويا بما يصوره الكثيرون. ونقل عن سياسي في فتح قوله لصحيفة «جيروزاليم بوست»: لم تحقق «إسرائيل» أهدافها في لبنان. ووفقاً لتحليلات الصحيفة فإن انتصار حزب الله والارتفاع الصاروخي لشعبية السيدحسن نصرالله مسألة محرجة للأنظمة العربية التي انتقدت حزب الله عند بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان قبل أكثر من أربعة أسابيع. ويتحتم على الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسائر الرؤساء والقادة العرب أن يصنعوا قراراتهم آخذين في الحسبان قرار شعوبهم بتأييد حزب الله.
وقالت «فرانكفورتر ألجماينه» يوم الثلثاء: قامت دول «معتدلة» مثل الاردن ومصر بانتقاد نصر الله في البداية وفي السر كانت هذه الدول الثلاث تأمل بأن تضعف «إسرائيل» قوة حزب الله بشكل واضح في لبنان.
ويرى الخبير السياسي باتريك هايني من معهد النزاعات الدولية أن خيبة أمل الكثيرين من العرب من فشل حكوماتهم في حل المشكلة الفلسطينية، دليل إضافي على تأييدهم القوي لحزب الله.
ورأى هايني في تحليله أن الجديد هو تأييد واسع من السنة لصراع حزب الله العسكري ضد «إسرائيل» حتى بين السلفيين في مصر على سبيل المثال تنبه المراقبون إلى إعجابهم بصلابة حزب الله وقدرة مقاتليه على تحدي «إسرائيل» التي هي واحدة من 8 دول نووية في العالم.
بينما يحاول الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش تقديم مساعدة معنوية للحكومة الإسرائيلية بعد صدور القرار الأممي رقم (1701) الذي ساهم في وقف العدوان على لبنان، حين قال إن «إسرائيل» كسبت المعركة ضد حزب الله. لا تفند كلامه الانجازات العسكرية لحزب الله فحسب وحجم الخسائر التي لحقت بالجيش الإسرائيلي المعتدي فحسب، بل حقيقة كشفتها الصحف الإسرائيلية التي رأت أن «إسرائيل» فشلت في تحقيق أهدافها في لبنان. هذا ما يراه أيضاً بيتر فيليب مراسل «صوت ألمانيا» السابق في تل أبيب الذي قال: «يجب على «إسرائيل» أن تعترف بمهاجمتها لبنان دخلت في مغامرة لم تحسمها لصالحها بأي حال من الأحوال»، وأضاف «الفشل أمام حزب الله صدمة للجيش الإسرائيلي الذي ينظر إليه أنه لا يقهر إذ وقف عاجزا أمام مقاتلين متحمسين ومجهزين بشكل جيد علاوة على أنهم يعرفون المناطق التي تدور فيها المعارك بشكل جيد».
ويرى يورج بريمر في تقرير من القدس نشرته صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» يوم الثلثاء تحت عنوان «فشل في تحقيق أهداف الحرب» استنتج فيه فشل «إسرائيل» في عدم النجاح بتنفيذها أهداف الحرب في جنوب لبنان. وقال مطيبا خاطر «إسرائيل»: إن الجيش الإسرائيلي أوجد فرصة أمام واقع سياسي جديد. إنه الاستنتاج الإسرائيلي لحرب دامت أكثر من شهر بين حزب الله و«إسرائيل». كما هي العادة حين تسكت الأسلحة يبدأ السياسيون بالكلام كل يحاول خطف الأضواء. بنيامين نتنياهو زعيم كتلة الليكود الطامح للعودة لمنصب رئيس الوزراء، حمل رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت فشل حرب لبنان وقال إنه تنازل مبكراً لمطلب المجتمع الدولي ووافق على وقف إطلاق النار قبل أن ينهي الجيش الإسرائيلي مهمة لبنان. إنه رأي يؤيده اليمينيون في «إسرائيل»، وذلك على رغم اعتراف الكثير من الخبراء العسكريين الإسرائيليين بعد أكثر من شهر على زمن الحرب عدم قدرة «إسرائيل» القضاء على حزب الله عن طريق القوة العسكرية.
وكان أولمرت أمر بشن العدوان على لبنان واضعا نصب عينيه أهداف «إسرائيل» باستعادة جندييها الأسيرين في قبضة حزب الله ورفات طاقم دبابة، إضافة لتوجيه ضربة قوية لحزب الله ومنعه مستقبلاً من رشق «إسرائيل» بصواريخ الكاتيوشا. كل هذه الأهداف لم تتحقق. بدلاً من ذلك، في اليوم الأخير للعدوان رمى حزب الله شمال «إسرائيل» بعشرات صواريخ الكاتيوشا وانتهت حرب «إسرائيل» وحزب الله مازال قوة عسكرية قوية. تقول مصادر في الجيش الإسرائيلي كما جاء في تقرير الصحيفة الألمانية: توقف الجيش الإسرائيلي عند نهر الليطاني تنفيذا لرغبة القرار الأممي رقم (1701) وأصبح يتعين على «إسرائيل» حماية نفسها بواسطة قوات «يونيفيل» التابعة للأمم المتحدة ترى «إسرائيل» أن غالبية جنودها من دول ناقدة لـ «إسرائيل».
وقالت صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» نقلاً عن خبراء عسكريين إسرائيليين إن «إسرائيل» لم تنجح في الانتصار على حزب الله. فقد استعد مقاتلو حزب الله لمثل هذه المواجهة منذ صيف العام 2000 حين انسحبت «إسرائيل» من جنوب لبنان. وهو لم يعزز قوته فقط بالسيطرة على مواقع مقاتلي ما يسمى «جيش لبنان الحر» الذي تأسس العام 1976 خلال الحرب الأهلية في لبنان وتعاون مع «إسرائيل» خلال احتلالها لجنوب لبنان. نوهت المصادر العسكرية الإسرائيلية أن مقاتلي حزب الله قاموا ببناء أنفاق وخنادق خاصة لاستدراج «إسرائيل» وباعتراف خبراء عسكريين إسرائيليين نجح حزب الله في تكتيكه.
كما يرى مراقبون أنه من الضروري أن تنسحب «اسرائيل» من لبنان لتجنب المزيد من الإصابات في صفوف جيشها نظراً إلى براعة مقاتلي حزب الله. بنظر الكثيرين حزب الله الجيش المسلم الوحيد الذي ألحق الهزيمة بجيش «إسرائيل» هي الثانية بعد إجباره «إسرائيل» على الانسحاب من جنوب لبنان في مايو/ أيار العام 2000. هذا الرأي يتعزز أكثر إذا ظلت «إسرائيل» قوة احتلال في جنوب لبنان، يقيم جيشها حواجز ويهين المواطنين ويضطهدهم ويعمل في مداهمة البيوت كما يحصل في الضفة الغربية. طالبت «إسرائيل» الأمم المتحدة بتغيير هذا الوضع.
غير أن القرار الأممي رقم (1701) لا يعني بالنسبة إلى «إسرائيل» نهاية عدوانها على لبنان وترى احتمالين: إذا حالت قوة السلام الدولية دون قيام حزب الله بعمليات ضد «إسرائيل» تكون الحرب التي شنتها «إسرائيل» حققت أحد أهدافها بوقف عمليات حزب الله ضد «إسرائيل». إذا فشلت المهمة الدولية تقول «إسرائيل» إنها تحتفظ لنفسها بما تراه العودة لاستخدام القوة العسكرية. أهداف «إسرائيل» الجديدة نزع أسلحة حزب الله ووقف إرسال السلاح إليه من سورية وإيران ومواصلة «إسرائيل» جهودها لاغتيال الأمين العام لحزب الله، هذه أهداف معلنة لـ «إسرائيل».
كلمة أخيرة: حزب الله لم يخسر الحرب. إن خرج منها متعادلاً فهذا انتصار كبير له وخسارة كبيرة لـ «إسرائيل» صاحبة الجيش الأقوى في الشرق الأوسط وواحدة بين 8 دول تملك أسلحة نووية ناهيك عن ترسانتها من الأسلحة البيولوجية والكيماوية.
أما إذا خسرت «إسرائيل» الحرب فالمصيبة عليها أكبر
العدد 1449 - الخميس 24 أغسطس 2006م الموافق 29 رجب 1427هـ