من حقائق الحياة أنه حتى في الديمقراطيات المثالية تتكلم النخبة أو الذين في الأدوار القيادية نيابةً عن المواطنين. بغض النظر عما إذا كان الحديث صادراً عن الحكومة أو المجتمع المدني أو أي طرف على الصدع السياسي فإن الحديث نيابةً عن الشعب بتعابير مثل «يجب على الماليزيين...» أو «تحتاج النساء...» أو «المسلمون بحاجة ...»، يرتكز أحياناً على افتراضات وتعميمات عما يفكر به عامة الناس ويريدونه ويحتاجونه. إلا أن الفرضيات هي أيضاً وببساطة جرأة ترتكز على حوارات عن ملاحظات الإنسان الخاصة، من دون أسلوب لقياس النسب أو العمق والقوة لهذه الحاجات والمتطلبات. يمكن إذاً وصف هذه الفرضيات كمصادرة لأصوات الذين نتكلم نيابةً عنهم. الاستطلاعات، وهي تقنية طرح أسئلة على مجموعة عددية ممثلة لمجموعة من الناس للحصول على معلومات، هي أداة مفيدة لكشف «صوت» مجموعة من الناس. إلا أن هناك محددات واضحة لهذه التقنية.
مثلاً، هناك تحيز ضمني في كل هذه الأسئلة، والاستطلاعات كذلك مبنية على تعميم الرأي على مجموعة بناءً على عينة تمثيلية. على رغم هذه المحددات يمكن للاستطلاعات أن تشكل مؤشرات دقيقة إلى درجة كبيرة لما تشعر به مجموعة من الناس وتريده وتفكر به بنفسها. بين 15 و18 كانون الأول/ديسمبر 2005 تم إجراء استطلاع لأكثر من ألف مسلم تم اختيارهم بشكل عشوائي عبر شبه الجزيرة الماليزية. الاستطلاع الهاتفي هدف إلى الحصول على معلومات عن الهوية والقضايا والاهتمامات إضافةً إلى ما يفكر به المسلمون بشأن التفجيرات الانتحارية والدول التي توصف أحياناً بأنها «الغرب»، وبالذات الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا.
استبيان الاستطلاع، المكتوب بلغة البهاسا الماليزية، تم إعداده من خلال ثلاث مجموعات تركيز باستشارة من أكاديميين وصانعي سياسة والمجتمع المدني. وقد جرى فحص الاستبيان مسبقاً قبل إجراء الاستطلاع، من قبل مركز مرداكا. قام هذا المركز بتوزيع المستَطلعين على أساس نسب السكان المسلمين (بحسب الولاية والنوع الاجتماعي) كما هو مبين في التطور الذي نشر العام 2003 من قبل دائرة الإحصاءات. وتشير نتائج الاستطلاع إلى أن معظم المسلمين في شبه جزيرة ماليزيا يعرّفهم بالدرجة الأولى الإسلام وليس هويتهم الوطنية كماليزيين، ولكنهم مرتاحون في العيش إلى جانب أفراد الشعب من الأديان الأخرى. وتؤكد النتائج كذلك ما كان يوصف أنه تشدد متزايد. مثلاً الغالبية تعتقد أن الشريعة في ماليزيا ليست صارمة بما فيه الكفاية، ويرغب 57,3 في المئة بتطبيق الحدود، وهي العقوبات التي تنص عليها الشريعة بالجرائم المختلفة.
إلا أن غالبية بلغت 63,3 في المئة ارتأت أن تبقى الشريعة ضمن الدستور في ماليزيا (الجواب أو الخيار الآخر للسؤال كان أن يستبدل الدستور بالشريعة). من حيث الهوية وعند السؤال عما إذا كان المستَطلعون يشعرون بالهويات الثلاث، أجاب 99,4 في المئة بنعم. وفي محاولة لإثبات صحة الجواب للسؤال عن أية هوية تعرّفهم إلى أقرب حد، طُرح على المستطلعين في موقع آخر سؤال لاحق لترتيب المكونات الثلاث بحسب أهميتها: مالاوي، مسلم، ماليزي، فأجاب 79 في المئة مرةً أخرى بأن المسلم يأتي أولاً.
ترجمتنا لهذه الإجابة هي شعور ذاتي متصاعد بالانتماء إلى الإسلام، إذ إن الإسلام يسيطر على الطرح العام. تفسير آخر هو أنه بعد 49 سنة من المواطنة، تبنى الماليزيون نواحي كثيرة من الثقافة المالاوية كالطعام واللباس واللغة، ما خفف من حدة الحدود التي تفرق المالاويين عن بقية الشعب الذي تغلب عليه الأصول الصينية والهندية. لذلك يصبح الإسلام العنصر المحدّد للهوية المالاوية.
لذلك وبما أن التمييز العنصري هو سياسي في أساسه، وهو سياسة وواقع الحياة في ماليزيا فقد يكون المستَطلعون، ومعظمهم من المالاويين اختاروا أن يكونوا مسلمين كإشارة إلى حدود هويتهم. السبب الآخر قد يتمثل في العاطفة الشديدة التي يثيرها حب الإنسان لدينه، فيعرّف نفسه بالدرجة الأولى بتلك الديانة بدلاً من الوطنية أو العرقية. بغض النظر عن الأسباب فإن معظم سياساتنا وبرامجنا بشأن بناء الوطن والوحدة تركز بشكل واسع على التغلب على الشقاق داخل العرقية. قد يتوجب علينا أن نلاحظ أنه ليس فقط العرق الذي يصنفنا كماليزيين، فالدين بالتأكيد ثبت أنه عنصر أساسي آخر.
إلا أن ذلك لا يعني أن المستطلعين المسلمين اختاروا أن يتم التعريف بهم كمسلمين بدلاً من ماليزيين حتى يكونوا مميزين أو مختلفين. في الإجابة عن السؤال «هل هو مقبول بالنسبة للمسلمين الماليزيين أن يعيشوا جنباً إلى جنب مع أناس من ديانات أخرى» أجابت أكثرية ساحقة قوامها 97,1 في المئة «نعم». وفي الإجابة على أسئلة أخرى، قال 79,5 في المئة أن على المسلمين أن يتعلموا ديانات أخرى في ماليزيا، وأجاب 83,8 في المئة أن باستطاعة المسلمين المشاركة في حوارات مع أناس من ديانات أخرى. وتشير هذه النتائج إلى مستوى أعلى من التقبل لواقع تنوع ماليزيا مما هو ظاهر في الطرح العام السائد. ويمكن للإجابات أن تفسَّر كذلك على أساس الأمن والثقة التي يكنها الماليزيون فيما يتعلق بهويتهم الدينية والتسامح والعدالة الضمنيين في الإسلام.
كما تشير هذه النتائج إلى نتيجة للتفاعل اليومي للماليزيين العاديين الذين لا يعيشون في شرنقة في سياراتهم التي يقودها سائقون، وإنما يسافرون ويدرسون ويتسوقون ويعملون جنباً إلى جنب مع بعضهم بعضاً. بمعنى آخر يستطيع المسلمون أن يتفهموا ما يعني فعلياً العيش في وطن متعدد الأديان من دون الابتعاد عن الشعور القوي بهويتهم كمسلمين. هذه هي الطريقة التي تبدو فيها ماليزيا فريدة بين الشعوب المسلمة والسبب الذي يوصف لأجله المسلمون الماليزيون بأنهم معتدلون بسبب تفهمهم الناجح للتنوع العرقي والديني الذي هو مضمونهم.
إنه تنوع يعكس واقع عالم يزداد عولمةً إذ لا تستطيع أمة أن تدعي أن سكانها يضمون مجموعات عرقية أو جينية واحدة وإذ تحتاج كل الإنسانية لأن تجد المهارات والنية والقدرة لأن تعيش معاً. وتشير إجابات أخرى في الاستطلاع على أن أقوى التأثيرات عليهم كمسلمين هي والديهم (73 في المئة) ثم المدرسين الدينيين بنسبة بعيدة (9,4 في المئة) والمحاضرات والخطب الدينية (3,2 في المئة). 93 في المئة من المستطلعين كانوا قد سمعوا بالإسلام الحضري ولكن 53,3 في المئة فقط تمكنوا من القول إنهم يفهمونه. الإسلام الحضري نظرية حكم برزت في منتصف القرن العشرين ترتكز على مبادئ الإسلام كما هي مستنبطة من القرآن الكريم ويقوم بالترويج لها حالياً رئيس الوزراء الماليزي عبدالله أحمد بدوي. نسبة ضئيلة فقط بلغت 53,7 في المئة حددت بشكل صحيح الحكام كقادة للإسلام في ماليزيا وقام 40 في المئة بوصف إما المفتي أو مدير دائرة الدولة لشئون الإسلام أو رئيس الوزراء كرئيس للإسلام. ويريد ما مجموعه 77,3 في المئة تطبيق قانون الشريعة بصورة أكثر صرامة في ماليزيا، ويشعر 44,1 في المئة بأن سلطة مراقبة ومعاقبة التصرف غير الأخلاقي للمسلمين يجب أن تكون بيد السلطات الدينية للدولة، واعتبرت العائلة هي السلطة عند 33,3 في المئة من المستطلعين. إلا أنه إذا كانت هذه النتائج تعبر عن مواقف محافظة فيجب ملاحظة أن 76,6 في المئة أجابوا «نعم» على سؤال «هل هناك حقوق متساوية للرجل والمرأة في الإسلام؟».
عدد الرجال الذين أجابوا بالإيجاب على هذا السؤال يزيد عن عدد النساء. إلا أن نسبة ضئيلة فقط بلغت 55,5 في المئة ذكرت أن بإمكان النساء أن يكن قاضيات في محاكم الشريعة. أخيراً، وبالنسبة للتفجيرات الانتحارية اختار 62,1 في المئة خيار أنها «عمل خاطئ من قبل المسلمين». 11,6 في المئة اختاروا «شهيداً» لوصف المفجر الانتحاري، واختارت نسبة عالية 24,8 في المئة «لا أعلم» (وهي بسبب قيمتها المرتفعة قد تعني أن المستطلعين لا يريدون التصريح بوجهة نظرهم). بالنسبة لمشاعرهم فيما يتعلق بالولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا طرحت خيارات مثل «أحب» أو «مقبول» أو «لا أحب» أو «أكره». اختار 39 في المئة «أكره» لوصف مشاعرهم تجاه الولايات المتحدة واختار 44,5 في المئة «لا أحب». بمعنى آخر فإن 83,5 في المئة من المسلمين في شبه جزيرة ماليزيا لديهم مواقف سلبية نحو أميركا.
بالنسبة لأوروبا اختار 18,8 في المئة «أكره» لوصف مشاعرهم واختار 38,2 في المئة «لا أحب». بذلك يكون 50 في المئة لديهم مشاعر سلبية تجاه القارة الأوروبية. إلا أن 34,3 في المئة اختاروا «مقبول»، وهو ضعف نسبة الذين اختاروا الوصف نفسه تجاه الولايات المتحدة. بالنسبة لأستراليا اختار 18,3 في المئة «أكره» 36,6 في المئة «لا أحب» و35,1 في المئة اختاروا «مقبول».
ملاحظة: باتريشيا مارتينز أستاذة مشاركة في معهد آسيا - أوروبا بجامعة مالايا، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1449 - الخميس 24 أغسطس 2006م الموافق 29 رجب 1427هـ